جاءت آراء تحريم التماثيل ومعاداة الفن وتحقير المبدعين مثل نجيب محفوظ صادمة للجماعة المصرية.
ما يستدعي التعرف على مصدر فهمهم للآثار المصرية ودلالات ذلك. ومن ثم فقد رجعت إلى كتاباتهم وكتبهم. في رسالتهم (أي في فتواهم في حكم الإسلام في التصوير) تأليف الشيخ محمد علي الصابوني والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ مصطفى الحمامي وهم من أئمة ذلك الفكر، في هذا الكتاب يوردون أن الإسلام حرم التماثيل والتصوير تحريماً قاطعاً جازماً. وهنا الأمر مفهوم من تحريم عبادة الأوثان والأصنام فجوهر العقيدة الإسلامية هو عبادة الله الواحد الأحد وهم يقسمون أنواع الصور إلى قسمين. القسم الأول: الصور التي لها ظل وهي المصنوعة من جبس، أو نحاس، أو حجر، أو غير ذلك وهذه تسمى تماثيل والقسم الثاني: الصور التي ليس لها ظل وهي المرسومة على الورق، أو المنقوشة على الجدار، أو المصورة على البساط والوسادة ونحوها، وتسمى الصور. ويستثنون وفق الرسالة الفقهية كل صورة أو تمثال ليس بذي روح كتصوير الجمادات، والأنهار، والأشجار، والمناظر الطبيعية وكل صورة ليست متصلة كصورة اليد وحدها أو العين أو القدم. وهم يجيزون - على مضض - التصوير الفوتوغرافي وفق الألباني مثل التصوير الذي يحتاج إليه في الجغرافيا واصطياد المجرمين ونحو ذلك. ويصلون إلى القول الفصل في رسالتهم «إن التحريم شرعة الله، وسيظل هذا التشريع فوق عقول البشر لأنه شرع الله ودينه الخالد».
ويورد عديد الفقهاء شبهات على تلك الآراء:
الأولى: إن ما ورد من نصوص في التحريم إنما هو إجراء مؤقت اقتضته ظروف الدعوة الإسلامية لمجابهة الشرك والوثنية والشبهة. الثانية: أن الأحاديث الدالة على التحريم هي أحاديث آحاد ولا تفيد القطع.
أما الشبهة الثالثة: إباحة التصوير بآيات من القرآن الكريم منها الآية الكريمة «يعملون له ما يشاء من محاريب، وتماثيل، وجفان كالجوارب، وقدور راسيات، اعملوا آل داوود شكراً وقليل من عبادي الشكور».
وإذن كيف استجاز سليمان (ع) الصور المنهي عنها ولا يمكن الارتكان بالرد: مستندين لاجتهاد الإمام القرطبي - كان ذلك جائزاً في شرعه. ونسخ ذلك بشرعنا. ولكنهم يرفضون وينكرون ذلك ويهاجمون التماثيل، ويهاجمون إقامة معهد للفنون الجميلة ويصفونه بأنه معهد للفجور الكامل الواضح. ويرون أن العقل البشرى معرض للانتكاس في كل زمان ومكان، وأن نصب التماثيل في الشوارع العامة والميادين، وانتشار الصور في المحلات والبيوت قد يؤدى إلى تعظيمها وعبادتها في المستقبل. ونلاحظ الآتي: أنهم لا يتعرضون للآثار الفرعونية لأنها كانت محللة شرعاً قديماً. إنهم لا يردون ردّاً قاطعاً على الشبهات الثلاث التي تتناقض، ورأيهما في الرسالة هي تعبير عن موقف أخلاقي من مجمل التطور الإنساني والتصادم مع هذا التطور، ما يعني غياب الفكرة الحضارية في هذا الفكر. إنهم يرجعوننا إلى ما كان يسود العالم من خرافات شتى حول الآثار المصرية والتاريخ المصري القديم.
إن ذلك التحجر والتعسف في استخدام المقدس هو امتداد لما تواجهه الحضارة المصرية وما واجهته من قوى تسعى لإعاقة قدراتها على النمو واجتياز العقبات التي تواجهها. كما تسعى هذه القوى الظلامية إلى تكبيل قدراتنا الساعية إلى متابعة مسيرة الحياة المعاصرة والمشاركة الإيجابية في عملية التقدم الحضاري، والتطور التكنولوجي الحديث، ومواصلة الإبداعات الفكرية والعلمية والفنية، وخاصة أن كل ما أبدعه الإنسان المصري، على مر الحقب الحضارية، كان مؤكداً دائماً وعيه بقيمة الإنسان.
وقد تميزت الثقافة المصرية بالمهارة الفائقة في إدراك الجمال والتعبير عنه، ونشر الوعي الجمالي في مختلف مجالات الحياة - بتنوع وسائل التعبير الفني، سواء بالكلمة المنطوقة أو المنقوشة في أدب شفاهي أو مدون، إلى غير ذلك من خط ولون وكتلة وحركة إيقاعية، أو إشارة وإيماءة أو نغم وإيقاع. وكان الفن في تواصله التاريخي سجلاً جماليّاً لتاريخ الحياة الإنسانية على أرض مصر، على اتساع المكان وتتابع حقب الزمان. هذه الرؤية الواعية لقيمة الحياة هي المصدر الأساسي لمختلف عمليات الإبداع الفني التي مارسها الإنسان المصري على مر التاريخ، في تواصل فكرى ووعي وجداني بعملية اللقاء بينه وبين غيره، باعتبار أن كلاً منهما عنصر مكمل للآخر. دون استعلاء حضاري أو قهر أو تقوقع داخل الذات، أو رفض للآخر.
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 3638 - الأربعاء 22 أغسطس 2012م الموافق 04 شوال 1433هـ