تحظى العلاقة بين الصين وإفريقيا باهتمام متعاظم لدى الهيئات المختصة مثل مؤسسة هيرتدج Heritage Foundation أو «معهد أمريكان انتربرايز» American Enterprise Institute، وهو أحد المراكز البحثية في واشنطن، كان قد عقد مؤتمراً حول العلاقات الصينية- الإفريقية، وكذلك عناية تأليفيّة من قبل الباحثين من رجال الاقتصاد والسياسة، وعلى سبيل الذكر نشير إلى الكتاب الذي ألّفه كريس ألدن بعنوان «الصين في إفريقيا» والصادر عن الدار العربية للعلوم 2009. وقد لاحظ أولئك الباحثون الحضور الصيني المكثف في إفريقيا وبات في نظرهم أن من المهمّ أكثر من أيّ وقت مضى فهم هذه العلاقة الناشئة ومضامينها بالنسبة إلى إفريقيا.
فهل أنّ تزايد نشاط الصين في القارة الإفريقية هو من أجل توسعة نفوذها وتأمين إمداداتها من الموارد الطبيعية، ومن ثمّة مواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي الغربي؟ أهو كذلك أم تراه من أجل مزيد من ترسيخ وتطوير علاقات التعاون الودي الصيني الإفريقي القائمة، وتعزيز التعاون بين الجنوب- الجنوب، ودفع إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي معقول وعادل جديد؟
ربّما كان نابليون بونابرت على حقّ عندما قال قبل قرنين: «ويل للغرب إذا صحا التنين الأصفر». وهي مقولة تجد مصداقها في الواقع الاقتصادي العالمي حيث أصبحت الكثير من الشركات الكبرى في دول الغرب والشرق غير قادرة على منافسة نظيراتها الصينية، بل أصبح هناك من يعتقد أنّ شروق الصين غروب للغرب. وقصة الوجود الصيني في إفريقيا ليست فقط مجرّد مغامرة هدفها نهب خيرات إفريقيا واستغلالها من قبل دولة أجنبية، كما كان حال الاستعمار الأوروبي القديم والاستغلال الأميركي الجديد، تسمح به قلة من السياسيين النافذين الأفارقة الذين يحصلون بالمقابل على ما يؤمّن راحتهم على حساب الشعب الإفريقي، بل إنها قصة يكتنفها التعقيد لأن الصين قامت إلى جانب الاهتمام بمصالح هؤلاء النافذين، بتقديم خدمات عامة كبناء العديد من المستشفيات والمدارس ومدّ العديد من شبكات المواصلات بين المدن والأرياف مما ينعش الحياة في إفريقيا.
إنّه ومنذ انتصار الثورة الصينية وقيام جمهورية الصين الشعبية العام 1949 وتخلّص الدول الإفريقية من نير الاستعمار منذ الخمسينيات في القرن الماضي، دخلت العلاقات الصينية الإفريقية مرحلة جديدة، حيث كان الزعماء القدماء للصين والدول النامية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية كرواد الاستقلال والتحرير القومي، يعملون على إرساء الأسس المتينة للصرح الجديد للصداقة فيما بين دول الجنوب، وكانت شعوب الدول النامية بما فيه الشعب الصيني والشعوب الإفريقية تتبادل الدعم والتأييد كرفاق سلاح في الخندق الواحد لخوض النضالات ضد الاستعمار والإمبريالية والعنصرية. فكانت الصين الجديدة تضع تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع الدول الإفروآسيوية في صدارة أولوياتها الدبلوماسية، أخْذاً بعين الاعتبار بأنّ المهام التاريخية الموّحدة والأيديولوجيا المشتركة كانت تجمع هذه وتلك في معسكر واحد.
إضافة إلى ذلك لاقت فلسفة الصين الاقتصادية آذاناً صاغية في إفريقيا، ذلك أنّ ضعف القدرة الشرائية للأفارقة يتطلب السلع الرخيصة واحتكار إنتاج واستخراج ثرواتها الطبيعية الوفيرة يحتاج إلى منافسة بين الشركات الغربية وشركات صينية من شأنها رفع أسعار الخامات الإفريقية وإنتاجها نصف مصنَّعة على الأقل لإيجاد فرص عمل لشباب إفريقيا الذي يعاني 60% منهم على الأقلّ من البطالة.
وقد ازدادت معدلات نمو التجارة بين الصين وإفريقيا بشكل ملحوظ، فعند إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر العام 1956 كانت قيمة التبادل التجاري بين الصين وكل إفريقيا 12 مليون دولار أميركي فقط. ثمّ شهدت التجارة بين الصين وإفريقيا نمواً سريعاً في السنوات الأخيرة، وتجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار أميركي العام 2000، وحافظت على معدل نمو بلغ أكثر من 30% في السنوات الخمس الماضية. وفي العام 2006، بلغت هذه القيمة 55.5 مليار دولار، بزيادة 40% عن الفترة المماثلة من العام 2005 حيث بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى إفريقيا 26.7 مليار دولار، بزيادة 43%، وقيمة الواردات من إفريقيا 28.8 مليار دولار، بزيادة 37%.
وشكّل منتدى التعاون الصيني الإفريقي بداية عهد جديد حيث أقامت الصين وإفريقيا منتدى التعاون الصيني الإفريقي العام 2000، فدخلت العلاقات الصينية الإفريقية مرحلة جديدة من تاريخ تطورها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وفي ظل اهتمام دولي غير مسبوق، انعقد مؤتمر القمة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي ومؤتمره الوزاري الثالث في بكين. وأضفى نجاح مؤتمر قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي حيويةً جديدةً على تطور التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول الإفريقية. لكن أيّة مصلحة للصين في كل هذا؟
يشكّك العديد من المحللين في نوايا الصين من وراء هذه المبادرات؛ حيث إنّ السعي وراء الموارد الطبيعية يظلّ المحرّك الاقتصاديّ الأبرز لهذه العلاقات، فطيلة العقد الماضي والاقتصاد الصيني يتوسّع بمعدّل نموّ سنويّ من خانتين عشريتين. ويتطلب هذا التوسع السريع موارد هائلة، وخصوصاً الطاقة. وقد دفع الطلب المحلي الصينيّ الذي يتزايد بحدة على الطاقة، والذي يترافق مع هبوط الإنتاج المحلي من البترول وعدم كفاية ما تنتجه الصين من الفحم، دفع بكين إلى البحث عن مصادر خارجية مستقرة للمحروقات الهيدروكربونية. وأصبحت الصين في العام 2004 ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة.
ولكي تستفيد من النفط الإفريقي، تقوم جمهورية الصين الشعبية بمساعدة الأنظمة الدكتاتورية القمعية والمعدمة في إفريقيا عبر إضفاء صفة الشرعية على سياساتها المضللة والثناء على نماذجها التنموية باعتبارها تناسب ظروفها الوطنية الخاصة، وقد تصل إلى حدّ المساعدة العسكرية ببيع الأسلحة وغيرها من وجوه التعاون الذي يمكن الصين من الاستفادة من مصادر الطاقة الإفريقية ويمكن العديد من الرؤساء المستبدين من الاستمرار في الحكم بمظلة صينية غير مباشرة.
وحين نقرأ في محاضرة السفير الصيني وانغ وانغشينغ في ليبيا بتاريخ 2011/1/6 قوله: «إنّ التعاون الصيني الإفريقي مفتوح وشفاف، لا توجد فيه أية أجندة سرية... إننا نحترم ونتفهم حرية الدول الإفريقية في اختيار النظام السياسي والاجتماعي... ونلتزم بتقديم مساعدات ودية خالية من أي شروط سياسية لإفريقيا. ولن نسعى وراء إقامة ما يسمى بـ (نطاق نفوذ صيني) في إفريقيا...»، حين نقرأ ذلك وغيره يمكن أن نستشف مقدار الحرج الذي تشعر به الدبلوماسية الصينية مما يجعلها تدافع عن سياسة بلادها في إفريقيا.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3636 - الإثنين 20 أغسطس 2012م الموافق 02 شوال 1433هـ
متى يأتي ؟؟؟
متى يأتي دور إفريقيا للعب أدوار مهمة في العالم؟؟؟؟؟؟
هل تفعلها دول الثورات في شمال إفريقيا؟؟؟؟؟؟؟؟
لا خطر
لا خطر على افريقيا من الصين
الصين وإفريقيا
قصة الوجود الصيني في إفريقيا ليست فقط مجرّد مغامرة هدفها نهب خيرات إفريقيا واستغلالها من قبل دولة أجنبية، كما كان حال الاستعمار الأوروبي القديم والاستغلال الأميركي الجديد،
ويل للغرب إذا صحا التنين الأصفر
ويل للغرب إذا صحا التنين الأصفر
مقولة في غاية الروعة
شكرا على اختيارها لتدعيم مقالك