العدد 3635 - الأحد 19 أغسطس 2012م الموافق 01 شوال 1433هـ

ليكن خيارك سماءك

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في الحياة لا تحتاج إلى دروس معمقة كي تحدد الضروري من خياراتك. على أقل تقدير أن تكون أو لا تكون تلك هي المسألة. ذلك لا يحتاج إلى أن تكون أحد منتسبي أشهر وأعرق المعاهد والجامعات في العالم ممن تصنع شيئاً من تلك الخيارات وتربّيها. ذلك يأتي من الفطرة. من إحساسك الطبيعي بذلك الحق وتلك الضرورة. فطرة كونك إنساناً. اليوم بكل ما يحيط بنا من خلط عجيب بين الحق ومصادرة ذلك الحق وبين الحرية وبين العبث وبين الخيار وبين البرمجة عبر أكثر من صورة، يصبح فيها أمر أن تكون أو لا تكون نوعاً من تحدي الطبيعة. طبيعة ما هو قائم ومترسخ، أو ما يبدو أنه مترسخ كي نكون أكثر دقة.

خيار المرء اليوم وفي كل يوم وعصر هو بصمته الدالة عليه. بصمته التي خلق بها ولا يمكن أن تشابه أية بصمة أخرى. ويريد لك بعضهم أن تكون خياراتك متشابهة ونسخة كربونية ومعدة سلفاً.

ولا اعتراف لدى أولئك بخرافة بصمة للمواقف وإن اضطروا إلى الاعتراف بالبصمة التقليدية التي يحملها كل منا ولا خيار لأي منا في تفاصيل خطوطها ومنحنياتها وتعرجاتها واختلافها أيضاً عما سوانا من نظرائنا في الخلق. الخيار/البصمة لا يمكن أن يحرف مساره أحد بتهديد وقمع أو حتى وهم حبس الهواء عنك من دون أن ننسى حبس ما تعتاش عليه ومصادرته وكأنه يملك ذلك الحق بالتجرؤ بالتهديد أو التلويح به.

خيارك هو الهواء الذي تتنفسه هو قيمتك هو قدرتك على أن تكون مختلفاً ولا تشبه غيرك. مختلفٌ بمعنى قدرتك على أن تحدد تفاصيل ذلك الخيار والطرق التي ستؤدي بك إليه والموانع رغم شدتها وغلظتها واستعدادها لردعك بشتى الطرق والأساليب، ولكنك مع ذلك لا تعير الأمر اهتماماً، ولا ينال من روحك شيئاً، وإن ارتجفت أطرافك في المهول من تلك الأساليب إلا أن الارتجاف ذاك يؤكد لك في لحظات ثبات ربما لا تعي كيف حضرت أنك على جادة الصواب ولمثل تلك الجادة ضريبتها وكلفتها لأنك لست - في هكذا وضع - في نزهة أو تبحث عن مغامرة للمغامرة ذاتها من دون هدف يطولك ويطول من هم على ارتباط بك ضمن الحيز الذي تتحرك فيه أو انبثق منه خيارك.

أن يكون لك خيار يعني أن تكون لك يد في تفاصيل الحياة من حولك وما يستجد فيها من حركة ونمو وتطور أو حتى تراجع. ما يتراكم فيها من عدالة تحاول أن تشمل الناس جميعهم من دون تمييز كريه أو ما يتراكم فيها من انحراف بالاستبداد والقمع وما ينتج عنهما من خلل ينتاب الحياة ويعطب حركتها وقيمتها.

أن يكون لك خيار يعني حضورك الدائم وعدم استغفالك وتغييبك أو التحدث باسمك بمناسبة أو من دون مناسبة وأنت في عزلة أو حجز يفرض عليك.

أن يكون لك خيار يعني قدرتك على إحداث فارق بين أن تكون حاضراً وبين أن تكون في العمق من غيابك وعدمك. ثم إن الخيار ليس منحة تتنزل من أفق يصطنعه أحدهم أو يهطل بمنة مزاج. يكفي أن الخيار سماؤك. سماؤك التي من خلالها تتحسس ملامحك وتفاصيلك وروحك أيضاً.

من لا خيار له في هذه الحياة، وخصوصاً في الأوقات والمراحل المضطربة سيتحول إلى حذاء أو موطئ قدم لمن يصادر حقه في الخيار. سيصبح موضوع إهانة ومضمونها كلما وجد طرف مصادرة ذلك الخيار أن لا احتجاج على فعل المصادرة ذاك وأن لا امتعاض، ما يؤشر إلى استئناس للفعل وشرعنة له ويصبح الإجهاز عليه تحصيل حاصل.

كم من الذين تركوا خياراتهم وراء ظهورهم يمارسون موتهم كل لحظة حتى وهم في العالم الآخر؟ يكررون موتهم بذلك التجاهل لحقهم في الخيار. كم من الأحياء الذين انحازوا إلى خياراتهم يجددون دم تلك الحياة وإن رحلوا يظلون حاضرين وفي العمق من الحياة؟

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3635 - الأحد 19 أغسطس 2012م الموافق 01 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 5:05 م

      الشبه لا يعني المثل

      أكون و لا أكون ليس بيد الأنسان فقد وجد في الدنيا. لكن المسألة في ما يعمل الانسان لكي يكون.
      العمل نصيب الانسان من الدنيا قد لا يكون بديهي للبعض لكنه للاخرين كذلك. فعمل الانسان قد لا يكون غير معروف للجميع، بينما عمل الحيوان و النبات للبعض معروف. فالاكل والمرعى والنوم ليس ببعيد عن عمل الحيوان.
      فلما خلق الانسان بيانها في العبادة. الاختلاف في الاعبادة لا يخلفها ولا يخلفها. فهي قائمة بذاتها وليس بمن سواها.
      كون العمل له صفة كذلك عامل العمل له صفة العمل.
      فأين صفة العمل؟ القول أم الفعل ام النية؟

    • زائر 4 | 4:48 م

      .

      تصدقين أشعر بان السنة ما عندهم خيار واذا قعدوا من نومهم يختارون أسوء الاختيارات..

    • زائر 3 | 10:13 ص

      المصالح هى المحرك

      الغالبيه من الناس تعرف الحق من الباطل ولكن تركن باستمرار لمصالحها وكذلك الدول ، ولذلك تري ازدياد الطبقة الساكتة التى تهمش نفسها في الوقت الذي تستأثر قل قليله بمجريات الامور في ظل مناكفه من اقليه اخري والغالبيه سأكتبه ومتفرجه

    • زائر 1 | 4:28 ص

      قليلين من يملكون خياراتهم

      ليس من السهل ان يختار الانسان خصوصا عند الاختيار في زمن يكون فيه الباطل هو الاساس وهو المتوفر ويكون الحق هو العملة النادرة التي لا تتواجد .
      استاذة سوسن انتم اخترتم طريق الحق في زمن مر قال عنه الرسول الكريم القابض فيه على الحق كالقابض على الجمر ... ولهذا انتم محاربون
      شكرا لكم وللوسط

اقرأ ايضاً