العدد 3632 - الخميس 16 أغسطس 2012م الموافق 28 رمضان 1433هـ

رسائل نهرو من السجن

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقدمة كتابه «لمحات من تاريخ العالم»، يقول جواهر لال نهرو «لا أعلم متى وأين ستنشر هذه الرسائل أو إذا كانت ستنشر يوماً ما، فالهند بلد عجيب والتنبؤ بما سيجري أمرٌ صعب».

الكتاب مجموعة من الرسائل التي كان يكتبها لابنته أنديرا غاندي من داخل السجن، في الفترة ما بين أكتوبر 1930 وأغسطس 1933، وكانت تحوي دروساً من تاريخ الشعوب الأخرى. وكان نهرو محامياً كبيراً، وأحد رموز النضال الوطني، وقاد الهند لسنوات بعد تحررها من الاحتلال البريطاني ولعب دوراً بارزاً في تثبيت دعائم الاستقلال الذي يفخر به الهنود حتى الآن.

حين بدأ نهرو كتابة رسائله لابنته لم تكن تتجاوز العاشرة، ولكنه حرص على أن يضمنها خلاصة قراءاته للتاريخ، ورغم ما لحياة السجن من فوائد لأنها تهيء جواً من الراحة والعزلة، إلا أن لها مساوئها أيضاً، وعلى رأسها خلو السجن من المكتبات. ويضيف: «منذ اثني عشر عاماً، حينما بدأت مع عدد كبير من المواطنين والمواطنات الحج إلى السجون، نمَت عندي عادة كتابة الملاحظات حول الكتب التي قرأتها وكانت خير عون لي عندما شرعت أكتب».

كتب نهرو عدة كتب في التاريخ والسياسة والكفاح والتحرر الوطني، وحين لاحظت ابنته أنه تباطأ في الكتابة إليها في إحدى الفترات، قال إن السبب هو أنها تكبر بسرعة وتزداد حكمة حتى أصبح يشك بما لديه من معرفة تمكّنه من تعليمها.

كان نهرو مع تلك النخبة يسعون إلى استقلال الهند وتحرّر شعبها، وهو مطلبٌ يبدو اليوم طبيعياً تماماً، لكنه في الثلاثينيات كان ضرباً من الجنون، بالوقوف في وجه الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إذ كان جهابذتها ينظرون إلى شعوب الأرض كأجناس متخلفة، وإن دور البريطاني تطويرها عبر استعمارها واستعبادها، وتعزّز ذلك الطرح العنصري الصحفُ العريقة التي تلعق العسل من المستعمرات.

نهرو يرى أن الإنسان يتصرف أحياناً كحكيم، وأحياناً كمجنون، ويلفت نظر ابنته إلى أن المرء لن يستطيع فهم تاريخ بلده إن لم يفهم تاريخ البلدان الأخرى، فلا فرق بين شعوب الأرض، حتى الخرائط الملونة لا تحجب حقيقة اشتراكها في التطلع للحرية والكرامة والمساواة.

في هذا الكتاب يتناول نهرو أوروبا وشرق آسيا ومجيء الإسلام والحروب الصليبية والنهضة الأوروبية وسقوط الباستيل والوحدة الإيطالية واحتلال مصر وثورة روسيا والكفاح الايرلندي وحروب اليابان والصين. معجمٌ كبيرٌ من الحوادث والثورات، تنم عن عقل موسوعي وثقافة واسعة.

هذا الرجل كان ينظر إليه الإنجليز كعدو، كما كانوا ينظرون إلى غاندي وسعد زغلول وغيرهما من رموز دخلت تاريخ العالم كمناضلين ورواد حرية. وكانوا يضيّقون عليه في السجن، فيكتب لابنته كلما هاج به الحنين، «حيث تبقينا جدران السجن الشاهقة بعيدين». ويكتب عن القوانين التي وضعها البريطانيون كما يبدو لسجون العالم: «فربما سُمح لي أن أكتب رسالة واستلم رسالة كل أسبوعين. وربما سمح لي باستقبال الزائرين مدة عشرين دقيقة كل أسبوعين». ويضيف بروحٍ إيجابية: «لكن هذه القيود طيبة، فإني بدأت أعتقد أن قضاء فترة في السجن فرصة لا تعوض في دراسة الإنسانية، والحمدلله أن هناك عشرات الألوف من أبناء بلدنا الحبيب يتلقون هذه الدورة التعليمية اليوم».

إنها رسائل رمز نضالي كبير... يمثل مدرسةً في التفاؤل والتضحية والصمود.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3632 - الخميس 16 أغسطس 2012م الموافق 28 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 10:33 م

      شكرًا لك

      نشكرك على جهادك المخفي

    • زائر 10 | 10:52 ص

      صموووووود

      نحن صامدون ياسيد فالفرج قريب باذن الله وعيدكم ميارك

    • زائر 7 | 8:49 ص

      كما الاعمال بالنيات للأعمال صفاة

      ليس بخفي أن صفة العمل تصف العامل. فالعامل في الفن عمله فني، والعامل بالتجارة عمله تجاري .. كما أن أي عمل يمكن أن يكون أصلي أوتقليدي أوابداعي يصف من أبدع العمل أو قلد العمل.
      العرفي توأم التقليدي. فالأعمال الأصليه لا تقليد فيها ويغيب العُرف عنها. وهذا يذكر بالأقوام السالفة والتالفة من الاولين. إذ أنهم لم يحسنوا عمل شيء فقلدوا بعضهم البعض فصاروا يعملون الاعمال باشكال مختلفة لكنها تقليد وليست أصلية بل ان بعضها مزورة وكانو يضنون أنهم يحسنون.
      فكيف نعرف العمل الأصلي من العرفي (تقليدي) ام المزور منها؟

    • زائر 6 | 7:55 ص

      النبيل

      الله يذكرك بالخير يا نبيل رجب

    • زائر 5 | 5:55 ص

      ماذا قال؟

      كلامك يذكرني بنبيل رجب ايضا لما خرج من السجن

    • زائر 4 | 4:31 ص

      ورسالة ايضا لك من فقراء بلدك من داخل عرينهم المتهالك

      يتمني فقراء البحرين الكتابة عنهم فى يوم العيد الا عيد لهم مسلسل ساهر الليل عمد الكويتيون ابان غزو بلدهم المشئوم من طاغية هالزمن ان يتسلل شخصا مع فتاة لوزارة الشئون لاستخراج ملفات والدسك لكشوفات المسجلين الفقراء لدي الشئون ولكي تستمر امداد المساعدات المادية لهم دون توقف هذا ابان غزو الكويت ولكن فقراءنا حتى كسوة العيد يحرموا منها للسنة الثانية

    • زائر 3 | 2:59 ص

      يا سيد الامثلة كثيرة لمن يتعظ

      نعم انها كثيرة وهذه الأرض الأبية صاحبة التاريخ الانساني العريق لا بد ان يشارك شعبها الحرّ في النضال من اجل نيل الحرية والكرامة ولا بد للقيد ان يكسر تلك قاعدة عرفتها الشعوب المتحررة.
      ويبقى هنا التاريخ يشهد ل ويشهد على
      سيشهد التاريخ لأمة بشرف النضال من اجل الكرامة والحرية وسيشهد لطائفة بممانعتها لتقدم ورقي الامم
      ومحاولة تكريس التخلف والقبوع في العصور البالية المنتهية وكل له ما له وعليه ما عليه هذه سنة التاريخ
      البعض يرتقي والبعض يظل متشبثا بالماضي المتخلف

    • زائر 2 | 1:38 ص

      والاخير معاكم

      ..... اسمع يناديك الطير صبحكم الله بالخير

    • زائر 1 | 12:14 ص

      نبيل رجب

      عندما خرج نبيل من التوقيف لأول مرة قال انها فترة تجعل الإنسان يعيد حساباته ويتفكر قليلا ويدرك .....

اقرأ ايضاً