العدد 3631 - الأربعاء 15 أغسطس 2012م الموافق 27 رمضان 1433هـ

حينما تلجأ إلى الرمز

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

تلجأ إلى الرمز كلما كان المسموح لك بالتحرك فيه يكاد لا يرى بالعين المجردة. تلجأ إلى الرمز أحياناً لأن آلة حصر ورصد أنفاسك لن تقوى عليها. آلة لا تبقي ولا تذر. تكره الإنسان حين يدرك خياراته وحقوقه. تكره الإنسان الذي لا يعنيه الشرط في جانبه المصادر لحقه. تكره الإنسان المتمرد على واقع يتم إيهامه أنه جاء ضمن مجموعة حُزم يوم أن أطل على هذا العالم.

وتلجأ إلى الرمز أحياناً أخرى لأنك إزاء آلة غبية لا تقرأ وإذا قرأت لا تستوعب وإذا استوعبت لا ترى أثراً لذلك الاستيعاب في أية زاوية من زوايا الحياة. غير تكثيفها للبؤس وتكثيفها للفشل وتكثيفها لوعود لن ترى لها أثراً تحت شمس أو نفق مظلم.

تلجأ إلى الرمز أحياناً لأنك أساساً في جغرافية محاطة بالغموض والأسرار والأساطير منتهية الصلاحية التي تتوهم أنها ذات جدوى في تغييب واستهبال وتنبلة أمم من فراغ وأمم من انتظار أكثر من شاطر حسن لينتشلها من حال الاستلاب الذي تعيش فيه والانتهاب الذي لا نهاية له كما يبدو.

تلجأ إلى الرمز لأن السيّاف ليس بالضرورة أن يستوعب ما يدفعه إلى سنّ شفرته لدرس النحر وممارسته. يكفي أنه وجد لذلك.

قديماً كلَّم أحدهم قومه رمزاً، أي بالإشارة. لم يك هنالك سيفاً يحيط به. كلام بالرمز له فاعليته في محيط أقل ضراوة واستهلاكاً للكلام؛ وخصوصاً الكلام الذي هو أقل درجة من الرمز بمراحل. حين يستطيع الرمز أن يوصل معنى وقيمة ذلك ذروة النص، أي نص. الثرثرة ولو على امتداد أميال من الكلام لن تستطيع أن تقرب من أدنى الرمز. ينتهي الرمز مع الثرثرة. الرمز نفي لها.

لن تنجو حتى بالكتابة بالرمز. ما لا يفهمه السيّاف يعدّه هجاء له. يعدّه تهكماً عليه واختباراً لسذاجته. لن يقبل سيّاف مثل ذلك الاختبار. يظل يتوهم أنه أصل الاختبار وحده ونهايته.

حين تلجأ أمة إلى الرمز في محاولة للتعبير عن حجم انكشافها على مستوى الحقوق وعلى مستوى الأثر، تيقن أنها أمة في محيط من جحيم ومحيط من نفي من المحال أن تعرف بدايته كي تتوخى نهايته.

من جانب آخر، يصبح اللجوء إلى الرمز في أمم... أمكنة...مدنيات... ضرباً من الالتفاف وكسر حال الوضوح والمباشرة في كل شيء. ضرباً من كسر وتجاوز الذي تحقق وأنجز ووضُح. أمم لا أسرار لديها إلا فيما يتعلق بأسوار وضمانات أمنها. البشر لا تعنيهم تلك الأسوار والضمانات هناك. يعنيهم أن تحرسهم جهة وتوفر لهم مساحة التحرك والنقد وحتى الشتم من دون أن ينال ذلك من قيمتهم وقيمة الجهات التي تحرسهم.

نتوق إلى أن نكلم الناس رمزاً ونحن في الوضوح من حالنا والوضوح من مستقبل نعمل عليه وحاضر لا ينقصه شيء سوى أن يكون ناقصاً كي نكمله. لا وقت لكل ذلك. العالم المريض في خياراته وحرياته ووجوده لا يملك إلا أن يكلم العالم رمزاً. والعالم الذي استوت عنده الحقوق أو تكاد والمنجز الحضاري هو الآخر يحبذ اللجوء إلى الرمز في ترف يختبر مخيلته ومخيلة سواه.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3631 - الأربعاء 15 أغسطس 2012م الموافق 27 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:04 ص

      صحيح الرمز لغة الواعين

      سوسن في المباشر والغير مباشر رائعة استاذة . تعودنا على قلمك باسلوبيه نتمنى لك مزيدا من النجاح والتوفيق . ولكني اقول ان الرمز هذا الذي تتكلمين عنه قد لا يخدم الفضايا لانه يكون احيلنا عصيا على فهم العامة ايضا وليس الطغاة فقط ونحن نريد للعامة ان يقراون ويفهمون ايضا.

    • زائر 2 | 5:01 ص

      رائع

      رائع استاذة سوسن هشا المقال ولو انه مؤلم بما يحمله من معنى . الله يسلم قلمك لنا . ويعطيكي على قد نيتك الصافية

    • زائر 1 | 12:36 ص

      الرمز واشارة المرور

      ليست نكنته ولا طرفه فبدون رمز اللّبيب بالاشارة يفهم و الحر تكفيه الاشارة.
      فالاشارة تشير الى شييء ما بينما الرمز يعني شيء ما وهذا ليس بسر. فقد تعامل الاغريق بالرموز في غابر الزمن. وهذا يمكن ملاحظتة في الرموز المستخدمة في الفيزياء والكيمياء والطب ... وحقول المعرفة الاخرى التي توصلوا اليها قبل الشعوب الاخرى.
      فهل حكماء اليونانيون أعلى قدرةً إذ بالاشارة قد فهموا؟
      أم كانوا من أولي الالباب وأحرار ليسوا عبيد؟

اقرأ ايضاً