الإنسان هو محور الصراع. ولأنه أثمن رأس مال في الوجود كما قال كارل ماركس، فهو حتماً سيصبح محوراً في ذلك الوجود. كل الأدوات التي نراها تبقى أدوات، يحركها ذلك المحور. والعلاقة القائمة ما بين الأداة والمحور، هي علاقة جدليَّة ومتغيِّرة، أمام ثابتة ثالثة، وهي المصالح، التي هي بالأساس، غنائم يستولي عليها المحور (الإنسان) ويتصارع من أجلها بأدوات يختارها هو غالباً.
هذه المقدمة، ضرورية لكي ألِجَ الموضوع، وهو المتعلق بموقع ذلك «الرأس مال» أو الإنسان من الصراع السياسي القائم. ولأننا نعيش واقعاً سياسياً متبدلاً أظهره الربيع العربي، فإنه لمن الضرورة بمكان، أن نبحث في الأمور بأكثر من اتجاه. فالربيع العربي، أعطى انطباعاً شبه وحيد، ومختَزَل للأزمة السياسية في العالم العربي، على أنه فَوَرَان من أجل الديمقراطية والحرية والمساواة.
هذا الأمر يبدو صحيحًا في مجمله، لكن ما هو بين شقوقه أشياء أخرى، وأهمها الصراع الطبقي في ذلك الربيع. بالتأكيد، نحن لا نستعير الرؤية الشيوعية في الموضوع، لأنها بالأساس قائمة على رؤية فكرية مغايرة، إلاَّ أن حقيقة الصراع، هو في جزء كبير منه، قائمة على فحش طبقي، أدى إلى ما يُمكن أن نسمِّيه، بنظام الامتيازات، الذي تخلقه الأنظمة السياسية المتخلفة.
ربما لا تستطيع الثورات، أن تعكس هذا الشعور ضمن خطابها، لكن مدلول الخطاب لديها، يؤشر على ذلك بما لا يدع مجالاً للشك. الأمر لا ينحصر في واقع اليوم فقط، وإنما هو متعلق بتاريخ سياسي واسع، كانت فيه الطبقية، والنزعة الامتيازاتية، هي الأساس في ثورات الشعوب، ضد الأنظمة المستبدة. فهذه النزعة، تعني فيما تعنيه، التمييز، وعدم الشفافية، والفساد، والمحسوبيات، ونشوء الطفيليات كأحزمة ضغط على قوس الثروة والدولة بصورة عامة وشاملة.
وهذه الأشياء في مجموعها، من أهم المحفزات النفسية والشعوريَّة لقيام الأفراد والجماعات بنوع من العصيان والتمرد على ما تخلقه تلك الأشياء من واقع منفِّر. بل إنه وفي أحيان كثيرة، تخبو (ولو لزمن) رغبة الشعوب في مسألة تحقق الحرية والديمقراطية، إذا ما توافرت قواعد إيجابية أكثر وقعًا في لعبة الدولة معهم، ومع الحياة السياسية برمتها، عبر توفير نظام اجتماعي عادل يقضي على التمييز ولا يفرق بين الطوائف والأعراق، مع وجود حالة من الشفافية التي تكافح الفساد، وكأننا في نظام للطغيان المستنير في أحسن الأحوال، كالذي ساد في أوروبا خلال القرن الثامن عشر.
اليوم، وحين نقرأ تداعيات الحراك السياسي في تونس ومصر وليبيا وسورية وأضرابها من الدول، نكتشف أن جزءًا مهماً من الصراع، كان صراعاً طبقياً وضد نزعة الامتيازات. فالفساد الذي ضرب أطناب النظام التونسي والمصري والليبي، والتمييز الذي كان قائماً فيهم، وعدم الشفافية وتوحُّش الأوليغارشية النفعيَّة، هي التي دفعت الجموح البشري، لأن يخرج إلى الشارع بتحدٍ.
وعند ملاحظة الشعارات واليافطات التي كانت ترفَع، سواء في تونس العاصمة وسيدي بوزيد أو في ميدان التحرير أو في بنغازي وطرابلس تؤشر إلى ذلك بشكل لافت. لأن تلك العناوين، تصيب أهم أوردة الإنسان النفسية، وهي المتعلقة بإحساسه، أنه يعيش مواطنة ذات مستوى أدنى من غيره، رغم انتسابه للأرض ذاتها، وهو ما يجعله ينتفض من أجل استرجاعها وتأمين مستقبله في تلك الأرض. هذه المفردات رأيناها تظهر بقوة في الخطاب الثوري في ليبيا بالتحديد.
من هنا، يبدأ الصراع في التولّد والاشتعال. فالطبقات التي حازَت على امتيازات «أصحاب الذوات» لا يمكن أبداً أن تقبل، بأن تتساوى مع غيرها من الطبقات والجماعات، حتى ولو كانت تلك الطبقات من الأرض ذاتها؛ لأنها وباختصار، غير قادرة على تصوُّر خضوعها إلى القوانين والأنظمة، التي من خلالها تحصل على حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هي تعضُّ على ما لديها بالنواجذ، لأنها وبهذا التمييز والذواتية، تعيش تماثلاً طبيعياً مع السلطة، بحيث تعتقد بأنها جزء من السلطة، والسلطة جزء منها، وبالتالي تحصل على ما تريده من منافع، عبر أقصر الطرق، وأقلها كلفة، ودون نظام ولا ضوابط، بل حتى دون سعي منها لتلك الامتيازات.
وجدنا أن هذا الصراع لا ينتهي بانتهاء الأنظمة، بل يبقى متشبثًاً بأمل العودة إلى الحظوة ذاتها التي كان يمتلكها من قبل. وجدنا ذلك في فرنسا، عندما بقِي الملكيون بعد الثورة الأولى. لذا، كان التحدي الأهم، بالنسبة للثورة الفرنسية وبنيتها الفكرية، في تواليها الثورية اللاحقة، وبالخصوص الروسبييرية منها، هو تغيير قواعد المجتمع السياسي والاقتصادي والثقافي الفرنسي، بطريقة راديكالية، لأنهم أرادوا أن يطيحوا بهيكل الدولة الطبقية في فرنسا برمته.
وللأسف، فإن التغيير الثوري في أوروبا واجَه ردود فعل حتى من مفكرين وفلاسفة ومثقفين، كانوا منتفعين من نظام الامتيازات والطبقية القائمة في النظام الأوروبي القديم. ظهر منهم لويس دو بونال، وفرانسوا دو شاتوبريان، وجوزيف دو مستر، وبالتالي، فإن الثقافة الطبقيَّة وتموضع الامتيازات، تستولي حتى على طبقة الانتلجنسيا والمثقفين، لأن الموضوع متعلق بالأساس بغياب الضوابط الذاتية عند أولئك المثقفين والمفكرين، ومدى هشاشة البناء الفكري لديهم، على اعتبار أنهم موغلون في التنظير، إلاَّ أنهم يفقدون الإيغال والنزعة ذاتهما عند التطبيق العملي في الفضاء العام، ويتسترون بالنزعة المحافظة، والخوف من الثورات الحمراء على المجتمع.
جماع القول، ألا يجدر بنا أن نتساءل هنا: لماذا إذاً الخشية من التغيير؟ هذا السؤال هو جوهر الموضوع. الأنظمة وطبقاتها التابعة، تعتقد أن التغيير لن يكون في صالحها. والقوى الثورية، تعتقد بأن التغيير سيعيد إليها حقوقها، وبالتالي، يصبح الفاصل بينهما إما الامتياز والحظوة الطبقيَّة أو تقنين الدولة وفضائها وترسيخ مبدأ المساواة بين الجميع، وهذا هو قلب الصراع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3628 - الأحد 12 أغسطس 2012م الموافق 24 رمضان 1433هـ
التمييييييييييييييييييييييييز
التمييز الطبقي هو أساس المشكلة فهناك بشر يرون انفسهم في أبراج عاليه لا يسألهم أحد ولا يحاسبهم ويأكلون ما لذ وطاب وهناك آخرين لا يجدون الا الفتات أو في درجة أدنى من أؤلئك فكيف يمكن لمثل هذا المجتمع ان يستقر
حقيقة
أستاذ لو كان فقط الفحش الطبقي او نظام الامتيازات الخاطئة او أذلال الشعوب لكل الشعوب وقف معها و ساندها و لاكن انحرافها الي طائفية بغيضة تدخل التاريخ فيها واكبر دليل جماعات ايدت و باركت كل الثورات الا السورية
الله خلق الكون هكذا
شلون تبي حال بلد أو دوله بأكملها تطبق فيها العداله والمساواة أكيد هذا الشي صعب بل مستحيل تنفيذه وما يجب أن يطرح اليوم هو متى تنتهي مرحلة اللا استقرار ويعود الناس الى مرحلة الاستقرار ولكن يعودون دون أن يحدث أي تغيير يذكر مما كانوا يطمحون اليه وساعتها ينطبق المثل الذي يقول كأنك يا زيد ما غزيت .