في الأسبوع الماضي مرت ذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وبرغم أنه لم يغب عن ذاكرتي كشاعر للحرية، إلا أنني تذكرت كل نصوصه التي أحفظ عن الحرية في ذكراه.
ففي السفر إلى الحرية غير المشروطة. في السفر إلى الإنسان الذي يشبه روحه وحده. لا يعني ذلك ألا تكون للأرواح الأخرى قيمة ومغزى وحضوراً هو في الضروري من لحظة الحياة.
يذهب محمود درويش كواحد من أهم شعراء قرون ممتدة في الكلام على الإنسان الذي يراد له أن يكون صاحب خياره وإرادته، إلى أن الحرية ليست بيتاً للإيجار تسكنه اليوم ويطلب منك صاحبه أن تغادره غداً حتى لو استوفيت شروطه.
الحرية بالنسبة إلى درويش ذلك النسغ والشريان الذي لا يمكن تهريب مادة تغذيته. إنه الأصل مع الوجود. وجود الإنسان. جهاته المفتوحة على الشمس قبل أن تكون مفتوحة على مشهد بانورامي في غرفة فندقية تغادرها أيضاً بعد أيام ريثما تأخذ حصتك من النسيان أو التذكر الذي تريد.
وحين يكتب في: «ظللية البرة» نصاً حوى مجموعته «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»: أمشي خفيفاً كالطيور على أديم الأرض، كي لا أوقظ الموتى. وأقفل باب عاطفتي لأصبح آخري، إذ لا أحس بأنني حجر يئن من الحنين إلى السحابة». يذهب إلى ما بعد حاجة الإنسان إلى أفقه الخاص بحثاً عن سلامة وطبيعة أفق الناس ما بعد أمكنته التي يستشرف من خلالها حركة العالم.
حركة هي حرية كل منا في أن يكون نصاً فريداً وملفتاً وناطقاً في خرس المراحل واللحظات والعجمة التي تنتاب حتى مؤرخي الكلام ومزيّني اللغة في لحظات فراغ يكاد ينافس العدم!
لا يبحث درويش كغيره من شعراء الحس الاستثنائي عن حرية تقدم على طبق وفيها الشرط سم مدسوس يكاد يعيد متناوله إلى ما قبل سيرة نشأته من العدم. حرية كتلك لن تقل في المؤقت منها عن أحلام تراودنا في النوم لنصحو على قبح ويأس حتى المخلوقات التي لا تملك طاقة الاحتجاج من حولنا. تماماً كما أشار مارسيل أشار: «الأحلام خلقت لكي لا يتولانا السأم ونحن نائمون».
ولأن درويش يعي أن حرية يتحراها الإنسان في نوم لن تكون إلا بمثابة وهمه الذي لا ينتهي في القبض على البعيد ومناكفته فيما هو عاجز عن أن يطال خياره في الاحتجاج. الاحتجاج على تزوير ومدعاة حضوره في العالم.
وفي تساؤلاته التي يصدم بها قارئه لا يكفّ درويش عن جعل السماء «قبّان» الكلام عن حق البشر في أن يحيوا كما تريد لهم الأعالي من الأمكنة لا الأسافل منها. تلك مسألة لا يمكن أن يفاوض حولها. ترى السماء حاضرة في جل نصوصه والإنسان زينة تلك السماء وإن جاءت التساؤلات في نصوصه مبهمة وبعيدة عن المباشر في تحري العلاقة بين الإثنين.
«نمشي على جبل السماء، ونقتفي آثار موتانا، وأسأله: هل التاريخ كابوس سنصحو منه، أم درب سماوي إلى المعنى؟».
والتاريخ الذي يجفل منه درويش هو ذلك الذي باسمه يصطنع وفي ثنايا الاصطناع تصادر حرية الإنسان باسم تهيئة الأمة. فلا الأمة تهيأت، وبالضرورة لن يتهيأ هو في ظل استلاب لحريته تحت أكثر من عنوان ومبرر.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3628 - الأحد 12 أغسطس 2012م الموافق 24 رمضان 1433هـ
فعلا ولكن لمن يعرفها
الحرية يجب ان تكون وطنا يسكنه المرء ويسكن داخله ولكن هذا لا يتحقق الا عند الاحرار الذين ينشدونها بصدق
شاعر الحرية وحرية الشاعر
لم يختلق المنقبون والباحثون الا انهم اختلفوا في تحديد الحرية هل حالة أم شعور أو احساس. لكن من المبين والواقع نجد أن أحد سور القرآن الكريم سورة الشعراء. كما لا يمكن عدم ملاحظة حرية أبرزها الفرزدق و أبو فراس الحمداني في قوله أراك عصي الدمع شيمتك الصبر..
فهنا يوجد ارتباط غير عادي. فعلاقة وصلة المودة بين الحرية بالصبر دائمة.
هل الانسان قادرعلى الصبر كي يكون حرا؟ وكيف يستطيع أن الصبر على نفسه وعلى الآخرين؟