لو أمعن المراقب النظر في كثير من الممارسات السياسية والأمنية لأنظمة الحكم في دول مجلس التعاون منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي لوجد دافعاً مشتركاً وطاغياً وراء تلك الممارسات: إنه الخوف الذي يصل أحياناً إلى مراحل الهلع الشديد. وفي أجواء الخوف تشتط الممارسات وتكثر الأخطاء.
في بداية الثمانينيات ساد الهلع من إمكانية تصدير مبادئ الثورة الإيرانية الإسلامية إلى الشاطئ العربي الآخر من الخليج، فكان ذلك وراء موقف المتفرج على حرب عراقية – إيرانية امتلأت بالأخطاء الاستراتيجية التي أضرت بالعالمين العربي والإسلامي وأكلت الأخضر واليابس. وكان أبرز رد فعل هو ولادة مجلس التعاون لدول الخليج الست.
وما ان انتهت تلك الحرب في نهاية عقد الثمانينيات وأصبحت إمكانية انسياح الثورة من إيران إلى ما حولها ضعيفة حتى توجه الخوف شطر العراق، خصوصاً بعد غزو الكويت اليائس. ووصل الخوف من نظام الحكم العراقي إلى قبول ودعم الحصار الاستعماري الغربي والجائر على شعب العراق الذي نشر الفقر والمرض والجوع والجهل وأدى إلى موت مئات الألوف من أطفال العراق. وما كان لذلك الخوف إلا أن ينتهي بارتكاب حماقة المساهمة بشتى الصور في دعم الغزو البربري للعراق المنهك من قبل جيوش أميركا وحلفائها.
وعندما انقلب السحر على الساحر وأدخلت أميركا وأعوانها في الداخل العراقي في دوامة التمزيق الجغرافي والصراع الطائفي المجنون انتقل الخوف من ساحة السياسة إلى ساحة الشكوك والتوازنات والتخريفات الطائفية التي لازالت تحكم علاقات دول مجلس التعاون بمجتمع وإنسان العراق.
ولأن إيران لاعب أساسي في ساحة العراق وفي غيرها عاد الخوف من إيران من جديد ليلبس هو الآخر قناع الطائفية تحت الراية التاريخية الكبرى: الصراع السني – الشيعي المليء بالسخف والبلادات والأكاذيب والانتهازية من كل الأطراف.
وما ان أطل ربيع الثورات العربية حتى ارتفعت وتيرة الخوف والرعب من جديد، في هذه المرة هلعاً من وصولها إلى شواطئ الخليج العربية. فكان ذلك الموقف السلبي المخجل من قبل البعض اتجاه ثورتي تونس ومصر الشرعيتين الديمقراطيتين، بل ومحاولة تأليب قوى الخارج لإجهاضهما. وكان ذلك الموقف المساوم المبني على مبادئ التوازنات القبلية والجمهورية اليمنية وذلك على حساب مطالب شباب وشابات اليمن الثورية العادلة. وكان ذلك النشاط المحموم العلني لإقحام جبروت حلف الناتو في الوضع الليبي.
اليوم ينتقل الخوف الخليجي إلى ساحات جديدة في سورية ولبنان والأردن وبعض دول الخليج ذاتها. وتكمن وراء ذلك الخوف مشاعر ومواقف طائفية لا يستطيع قناع السياسة البالي من إخفائها ولا يستطيع الإعلام الهزلي البائس من تجميلها. ولأن الخوف هو مرض يعمي البصيرة فإنه لا يسمح للمبتلين به بأن يروا، مثلاً مقدار تعقيدات الوضع السوري وحساسية مشاكله وخطورة بعض اللاعبين في ساحاته فيمعنون في دفعه نحو هاوية ستكون أفدح وأبأس من تلك التي وصل إليها العراق المريض المأزوم.
ليس الوضع هو ذلك الموقف التفصيلي أو ذاك، من هذه القضية أو تلك، من هذا البلد أو ذاك، فقد نتفق وقد نختلف. الموضوع هو السؤال الآتي: إلى متى ستكون ردود الأفعال اتجاه الأحداث العربية والإقليمية من قبل دول مجلس التعاون محكومة بمشاعر الخوف؟ وبالتالي مشاعر شلل الإرادة؟ وبالتالي رفض كل تغيير مهما كان شرعياً وعادلاً؟ أي فكر ونشاط سياسي يمكن أن يخرجا من قفص الخوف والهلع المسكون بالظلام الدامس والصمت الأبدي؟
والواقع أن هذا الخوف لا يشمل السياسة والأمن فقط بل يمتد إلى كل مناحي الحياة. فهو يطل برأسه في عوالم الاقتصاد والثقافة والاجتماع والعلوم والفنون وحياة الإنسان العادية اليومية. من هنا تتراكم المشاكل والقضايا سنة بعد سنة وعقداً بعد عقد دون حل، إلا إذا جاء بفعل الخارج وإملاءاته أو من خلال آلام ودموع ودماء الشعوب.
هناك قول للخليفة عمر بن الخطاب أن «أدخل الرعب في قلب الأسد قبل أن يدخله في قلبك» أما آن الأوان أن تتعلم دول مجلس التعاون الدرس فتواجه المشاكل من حولها بقلب لا يخاف قبل أن تبتلعها تلك المشاكل؟ عند ذاك سيهيمن العقل والضمير وستسود القيم الأخلاقية والقومية والإسلامية بدلاً من الخوف البدائي الطفولي.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3625 - الخميس 09 أغسطس 2012م الموافق 21 رمضان 1433هـ
سأل الاسكندر حكماء بابل :
ايهما افضل :الشجاعة (القوة) ام العدالةوالانصاف؟ قالوا:العدالة والانصاف بهما لانحتاج الى القوة والشجاعة ان الخكم والسلطان يبقى مع الكفر والايمان اذا كانت العدالة والانصاف ويزول السلطان مع انعدام العدالة والانصاف سواء كان السلطان كافرا او مؤمنا.....يا ليت حكامنا يفهمون ذلك فسلطانكم لا يبقى مع القوة والشجاعة
هل لأن الفرصة باتت ضيئله جدا يادكتور بأن تصبح .........
كلام الدكتور جميل ولاكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كنا نستطيع ان نقراء هذا الكلام لو كان حتى هذا الوقت من ضمن من ينتقدهم في المقال ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لو كان ..!!
لو كان للمواطن شان في مملكه البحرين لسارعت الحكومه علي راحته من تعليم وأسكان وحقوق وواجبات ,, لكن همها الأول والأخير ال ,,,,,,, فقط لا غير .. وباب النجار مخلوع
مقال رئع و كلام نافذ .....
كما يقال ان الضغط يولد الانفجار ... فكثرة الضغوط و اذلال المواطن يجعله كا القنبله الموقوته يصعب تحديد وقت انفجارها ... فما خوفي و ما وجلي الا على الاجيال القادمه و التي تطلب العيش بحريه و كرامه فهي كما ذكرت سلفا ...
الجهل يهدم بيت العٍز والشرف
التاريخ يعلمنا كيف تبنى الحضارات الإنسانية ومقوماتها ومن مقوماتها بناءها الإنسان ....
ملخص الكلام لا تبوق لا تخاف
العدالة هي أكثر ما يحقق الأمن والأمان ولا شيء غيرها يحقق ذلك. ونحن كشعوب خليجية لا توجد لدينا توجهات ارهابية وعنف وإنما نحن شعوب مسالمة لا نطلب سوى لقمة العيش بكرامة ونريد المساهمة في صنع قرار بلداننا فالتفرد بالسلطات يجعل البلدان تحت طائلة الاخطاء الفردية وبذلك لا بد من المشاركة الشعبية في الحكم وكما يقال العلم كله في العالم كله وتفرد البعض بمصادر القرارات جرّت على بلداننا ويلات لا آخر لها.
كما أننا لسنا أقل الشعوب في العالم حتى ان كل الامم تكون لديها ديمقراطيات ونحن لا
كتاب مهم
في كتاب مهم جدا عنوانه على ما أظن أن الخوف عدو الحضارة، وفيه ايبين شلون ان الخوف يقتل
التعايش مع الخوف
لو ان الدول ...مشغولة بالتخطيط في تنمية الانسان ورفاهيته ومحافظة على موارد المال العام و حقوق الأجيال القادمة لما تملكها الخوف من رياح التغيير القادمة
شكرًا يا دكتور. بان ذكرت الجميع بحقيقة انشاء مجلس التعاون بانه ردة فعل علي انتصار الثورة فى الجمهوريه الاسلاميه
مقال رائع
يادكتور
مادامت الدول لاتمتك الثقة مع شعوبها فلن تجني الا تشتت الذهن والتيه والضياع هذا في الجانب النفسي وأما في الجانب المادي والإقتصادي فحدث ولا حرج من خسران المليارات على تمويل حروب عبثية وشراء أسلحة بالمليارات وبتشجيع من الدول الغربية وحتى لايفلسون وكل هالاعيب ودولنا في سبات وإتكال على الغير.
الرعب والخوف بين الشعوب و القبائل
حالة الخوف وكذلك الرعب من حالات النفس الغير مستقرة. فالتحول من حالة الشعور بالخوف الى حالة الرعب ينتج عادة من تحول حالة الشعور بالخوف الى حالة أعلى وهي الرعب. وبلا شك كما للخوف درجات للرعب كذلك.
لكن مما كان خوف القبائل في الماضي ؟ الأسباب كثيرة ومتعددة و منها ....والأطماع وعدم وجود قانون يحرم ويفرض حدود الاحترام المتبادل ويضع حق كل قبيلة في العيش بسلام بلا اعتداء...
فهل اليوم تخاف الشعوب القبائل أم القبائل تخاف الشعوب