العدد 3624 - الأربعاء 08 أغسطس 2012م الموافق 20 رمضان 1433هـ

سفه وبلادات ثروة البترول العربية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

ما يفعله أغنياء البترول العرب بثروة البترول من بطر وتبذير في بذخ أسطوري مبتذل لم يعد مقبولاً لا بمقاييس الأخلاق ولا الذوق الرفيع ولا أحكام الدين. وهي أفعال تتساوى في مساوئها وسقوطها في سلم القيم الإنسانية على مستوى الأفراد والمسئولين في مؤسسات الحكم المختلفة.

على مستوى الأفراد لا يحتاج المراقب لأكثر من التجوال في شوارع لندن التجارية ومناطق سكنها الفاحشة الأثمان ليرى العجب العجاب. فإنْ يسوق شباب خليجيون سيارات فارهة مطلية بالذهب وتصل أسعار بعضها إلى أكثر من مليون جنيه استرليني، أو أن يفاخر أحدهم بأنه اشترى رقم سيارته في مزاد علني في بلاده بتسعة ملايين جنيه، أو أن يتبختر أحدهم بأنه نقل سيارته الأعجوبة من بلاده إلى لندن بواسطة طائرته الخاصة، أو أن يزور أحدهم متجر مجوهرات فلا يخرج منه إلا وقد صرف عشرين مليون جنيه، أو أن يدفع بعضهم مئة مليون جنيه لشراء شقة فاخرة تطل على منتزه هايدبارك... فإنْ يحدث كل ذلك من قبل أناس لم يمارسوا قط الإنتاج أو الإبداع أو العمل المضني فإنه بطر مجنون لابد من طرح ألف سؤال وسؤال بشأنه كظاهرة فرضية تثير الغثيان، ولابد أيضاً من مساءلة المجتمعات والأنظمة السياسية التي فرّخت تلك الظاهرة العبثية.

على مستوى الحكومات تعبت الأقلام وجفّ حبرها وهي تكتب عن عبثية الصرف على شراء أسلحة لا تستعمل، وعلى إعلام يهبط بأذواق الناس ويكذب عليهم ويقودهم إلى جحيم الصراعات المذهبية والقبلية والعرقية، وعلى قصور ويخوت وطائرات خاصة عَزَّ نظيرها في قصص ألف ليلة وليلة، وعلى اقتصاد ريعي لا يبني تنمية إنتاجية - معرفية مستدامة، وإنما يلعب بالمال البترولي في ساحات القمار والمضاربات العقارية والأسهمية، من ثم تذرف الحكومات الدمع على تراجع خدماتها الأساسية الإنسانية في حقول الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية للأطفال والمسنين والعجزة والمهمشين والفقراء، وماذا تفيد دموع التماسيح وعجز الإرادة.

لكن دعنا نورد لهؤلاء وأولئك ما حدث لدولة الأرجنتين، دولة السمن والعسل في القرن التاسع عشر، فلعلنا نأخذ العبر قبل فوات الأوان. يذكر الكاتب الإنجليزي ألن بيتي في كتابه «الاقتصاد الكاذب» الذي يراجع تاريخ الاقتصاد في العالم، بأن الاقتصاد الأرجنتيني كان مشابهاً إلى حد كبير وواعداً بنفس المستوى للاقتصاد الأميركي. لقد كانا كلاهما بلداً زراعياً وغنياً، لكن مع مرور الوقت استعمل الأميركيون فائض ثروتهم الزراعية الهائلة لبناء اقتصاد صناعي من خلال استيرادهم للفكر الصناعي الأوروبي. أما الأرجنتين فإنها استعملت فوائض ثروتها الزراعية الكبيرة لاستيراد بضائع البذخ والرفاهية من أوروبا ولصرف جزء كبير من تلك الثروة على حياة البذخ والابتذال التي عاشتها الأقلية الأرجنتينية الفائقة الغنى في مدن أوروبا. ونتيجة لذلك الفرق الهائل في الفهم والفعل بين البلدين انتهت أميركا بالتقدم الزراعي والصناعي والتكنولوجي الهائل الذي نراه أمامنا، بينما انتهت الأرجنتين بإعلان إفلاسها المدوي منذ عشر سنوات وهبوطها من عاشر اقتصاد في العالم في الخمسينات من القرن الماضي إلى البؤس الذي تعيشه الآن كدولة من العالم الثالث الذي يكافح ويتعثر في نموه.

الأغنياء في الأرجنتين الذين ملكوا ثروة بلادهم الأساسية، ولكنهم ببلادة وطيش أضاعوها عبر العصور، يشبهون إلى أبعد الحدود أغنياء البترول في بلداننا، من الذين يتحكّمون في ثروة هائلة وناضبة، ويمارسون نفس السفه: إنهم يكتفون باستيراد البذخ وعيش البذخ ويرفضون تنمية العلم والتكنولوجيا والإنسان واستيراد الأفكار العظيمة القادرة إلى الدفع إلى الأمام. إنهم سيدفعون بلداننا، عاجلاً وآجلاً، نحو نفس المصير الأرجنتيني: إضاعة فرصة تاريخية قد لا تعود، وانحدار تدريجي نحو الإفلاس الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

عبر قرنين من الزمن عرفت عواصم الغرب سفهاً أرجنتينياً أضاع البلاد وأفقر العباد، وذلك من قبل أقلية معتوهة جاهلة. اليوم تجول في عواصم الغرب لترى أقلية عربية معتوهة جاهلة تفعل الأمر نفسه وتقود نحو إضاعة البلاد وإفقار العباد.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3624 - الأربعاء 08 أغسطس 2012م الموافق 20 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 33 | 6:42 ص

      نص الحقيقة

      لعل الكاتب جر عاطفة القراء بالمقطع الأول والذي انتقد فيه أفعال الأفراد ليفمض القارئ عن الشق الأهم في المقال وهو أساس المقارنة... بذخ الحكومات!!! لا أدري هل في العالم دول بمستوى بعض دول الخليج؟!!! لعل جنون الأفراد وبذخهم لو قارنه الكاتب بجنون اغنياء الغرب والمشاهير لاستحقرنا مجانيننا فالإنسان يظل هو الانسان تنتزعه ذات الرغبات والأهواء مالم تهذب هذه الرغبات... ولعل الحلم الأمريكي أبسط مثال!!!

    • زائر 31 | 10:55 ص

      عادي

      لو كنت تمكلك ما يملكون لفعلت اكثر منهم.

    • زائر 26 | 3:58 ص

      عادل علي حامد فلمبان

      وان كان هناك اختلاف في وجه مقارنة في جوانب بين هؤلاء والارجنتين فأؤلئك زراعة من اراضي مملوكة وجهد شخصي الا ان هؤلاء يبذرون مالاً عاماً لانعرف كيف تملكوه.

    • زائر 25 | 3:36 ص

      الكلام لكم ايها الشعوب

      الى متى ونحن نشاهد ونشهد كل هذا الاجرام بحقوق الامه! جميعنا سنعاقب على سكوتنا وتنازلنا عن حقوق المساكين والمحتاجين من المسلمين ،، اكرر العقوبة ليست عليهم فقط بل نحن معهم سنعاقب بالدنيا والآخرة !

    • زائر 23 | 2:55 م

      العربدة ... المباحة

      الظلم والفساد يدب من أعالي الرؤوس جميعها والى أخمص أقدامها و من حولها ولا رادع لهم ولا حسيب أو رقيب،والبطانات يغلبها السوء والمصالح الخاصة وعلى حساب الأوطان والشعوب.ها هي الأقنعة تسقط عن الوجوه الكالحة؛لتفضح خباياهم وتكشف نواياهم،فلقد برهنوا من تلقاء أنفسهم بأن عربدتهم"مباحة"يسرقون المال العام والأرزاق ويفسدون العقول والأذواق ويهدمون الدين والأخلاق،وسيكون مصيرهم الحتمي مصير سادة الأمس"الذين طغوا في البلاد،فأكثروا فيها الفساد،.......،إن ربك لبالمرصاد"وتحياتي لكم ... نهوض

    • زائر 22 | 1:08 م

      ليت قومي يعقلون

      صموا أذانهم وأغمضوا أعينهم وقست قلوبهم وكأنهم

      لايرون من حولهم من فقراء ومحتاجين

      يلعبون باموال الشعوب كما يلعب الطفل اعبا عبثيا

      ويعودون لاوطانهم ليعوضوا ما صرفوا من جيوب أفراد

      الشعب

      فمتى يفيقوا ويعودوا الى رشدهم قبل ضياع البلاد والعباد؟؟؟

    • زائر 21 | 8:59 ص

      ليت يوجد منك 10 في الحكومة

      فاقد الشيئ لا يعطي يا دكتور، شكرا لك

    • زائر 20 | 7:13 ص

      ليس بجديد

      دكتور هذا الامر ليس بجديد و كنت من المصفقين لة و الله نسيت

    • زائر 19 | 6:28 ص

      المتحكم بالثروات هي الدول الغربية لوجود حكام بلا شعوب

      مشكلة الحكام ليس لهم الدعم الشعبي لذلك هم ضعاف امام الاطماع الغربية ولا يستطيعوا رد اي شيء

    • زائر 18 | 6:11 ص

      أحسنت

      ايام ما كنت واحد من السلطة لم تتطرق الي هذة المواضيع

    • زائر 17 | 4:56 ص

      من فائض خصخصت الموارد الطبيعة

      ليس غريبا أن تكون بلدان غنية بالثروات الطبيعية كالغاز والبترول الا أن معضم شعوب هذه الدول يعاني الفقر.
      فعلى الرغم أن الله لا يحب المبذرين ولا المسرفين الا أن البدخ والاسراف تعد من الظواهر الطبيعية في البلدان النامية والتي دخلت أسواق الغرب.
      فكيف تكون ثروة بلا عمل أو شغص لديه دخل كبير بلا عمل؟

    • زائر 16 | 4:46 ص

      شكرا دكتور فكر متنور وكلام متميز

      كلام علمي دقيق تدعونا للتأمل قليل والوقوف شعوبا وأنظمة. أولا الشعوب يجب أن لا يسمحوا لإستمرار الهدر والإيتنزاف لثرواتنا بكل الوسائل السلمية وذلك لصالح واقعنا ومستقبلنا جميعا.ثانيا السلطات يجب أن تواكب عقول شعوبها المتفتحه وأن تشركها في نظام الحكم لتتطور وتتقدم وينعم الجميع بالأمن الحقيقي والتنمية الحقيقة لا الإستثار بالسلطة والمال. يجب على الأنظمة اليوم السعي للإصلاح اليوم أو الزوال غدا ولنا في التاريخ وواقعنا اليوم شواهد كثيره.

    • زائر 15 | 4:45 ص

      مفكر صح

      مقال في الصميم وتحية إكبار لك أيها المفكر الكبير

    • زائر 14 | 4:18 ص

      الخطر الحقيقي

      أحسنت يا دكتور ، الأخطر من شراء السيارات و الشقق الفارهة في لندن ، هو شراء ضمائر الأغبياء أصحاب الأحزمة الناسفة والمتفجرات التي تقتل الأبرياء في كل بقاع العالم و خصوصا في العراق و سوريا و لبنان ودعم الارهابيين في التنظيمات الارهابية مثل القادة و طالبان وغيرها من الجراءم


      تحياتي / أبو السيد الحسين

    • زائر 12 | 3:50 ص

      شعب

      و يقولون ليش المناس تتظاهر؟!!..... إذا ما تحركنا الحين شنهو راح يظل للاجيال القادمة... و شنهو راح يكون مصيرهم؟؟؟

      اخ يا قلبي

    • زائر 11 | 3:24 ص

      يا دكتور ويش تقول؟

      هي خيرات هي عشرات الترليونات ذهبت في الهواء وكان من الممكن ان تجعل من الشعوب العربية تعيش في جنان ولكن ماذا تقول اذا تسلط على هذه الخيرات من هو ليس اهلا لان يدير الف دولار.
      لعب وبذخ وحروب وتبذير وقل ما شئت والشعوب العربية جائعة.
      وارجع ذلك على عدم وعي الشعوب العربية التي سكتت طوال هذه العقود على مثل هذه الاوضاع

    • زائر 10 | 3:15 ص

      احسنت دكتور

      احنا دول نملك من الثروات الكثير لكن نستوردكثير الكثير ولاكن هذا البذخ الي تتكلم عنه دكتور قديم عند العرب في لندن ويمكن اتشوف بيباي لندن تتكلم عن نفس الموضوع من 30 سنة

    • زائر 9 | 3:13 ص

      الحكام العرب

      عندما يقوم الحكام العرب ببناء مستوصف اوبيت للمواطن مع أنه يدفع قيمته تقرأ في الأعلام الموالي المدح والتبجيل لهذا العمل والمنه علي هذا الفقير بينما الاموال تهدر بدون حسيب علي ما يسمي مشاريع ولكنها مجرد هياكل موقوفه ومباني خاويه وعند ما تقول هذه الاموال بنت مصنع اواحيت ارض يعاب عليك أين أنت من التقدم وهكذا أموال تصرف في غير محلها في مشتريات عبيثه بعيده عن الدين والدوق القانون .

    • زائر 8 | 2:55 ص

      هذه الحقيقة الكارثية معروفة للجميع ... ولكن ما هو الحل ؟؟؟

      السفهة والجهلة والمجرمين والقتلة والسراق والمبذرين لثروات شعوبهم لايمكن ان يتبنوا او حتى يفكرون يوم ما بأن ما يقومون به خطأ لانهم ببساطه جهلة ومتخلفين تخلوا عن انسانيتهم لا يفكرون الا في الاستمرار فيما يفعلون ويعتقدون بأن هذا هو من حقهم ومن احق ابنائهم من بعدهم الى ان يخلف الله الارض ومن عليها ، اما بالنسبة للشعوب وثرواتهم ومقدراتهم وكرامتهم في نظر هؤلاء السفهة هم مجرد عبيد ورعايا مسخرين لهم لايمكن ان يكون لهم ارادة او حق الا ما يرونه هم ، لذلك لابد من التخلص منهم والقضاء عليهم قبل فوات الاوان

    • زائر 6 | 1:47 ص

      صدقت فيما تقول يا دكتور

      ولكن "ولو اسمعت اذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي" مثل هؤلاء صم بكم عمي فهم لا يعقلون. شوف اليوم يضيعون ثروة البترول على الحروب وتبذيرها على نزواتهم والتفاخر بمقتنياتهم وهم للاسف لا ينتجون حتى طماطم ويعتمدون في مأكلهم وملبسهم على الغير. بدل ما تنفق اموال النفط على التنمية تبعثر هنا وهناك على القصور والبذخ من افراد معينين ؟؟؟ اتحدى اي مسؤول اذا يقدر يفصح عن تكلفة القمع اليومي.

    • زائر 5 | 1:04 ص

      شكرا

      ؤلكن هل في احد يسمع؟

    • زائر 4 | 11:20 م

      و بعدين؟

      المعنيون بهذا المقال لا يقرؤنه. فقد كانوا سهرانين للصبح و الآن راقدين فى الفراش و عندما يستيقظون يخططون لسهرتهم التالية. فما الفائدة من كتابة هذا المقال و نشره لإناس فقراء يصحون الفجر حتى فى رمضان ليسرعوا لإلتقاط رزقهم؟

    • زائر 3 | 10:18 م

      مقال رائع

      مقالك جدا رائع
      وعقلك يسبق عقول هؤلاء المعتوهين بالاف السنين
      لذا لن ولم يفهموا ما تكتب أو تقول لأن من يحركهم عرائزهم وليس عقولهم

    • زائر 2 | 10:15 م

      مقال رائع

      يا دكتور مقالك جدا رائع
      وعقلك يسبق عقول هؤلاء المعتوهين بالاف السنين
      وأنهم لن ولم يفهموا ما تقول لأن ما يحركهم هو الغريزة وليس العقل
      حسن

    • زائر 1 | 10:13 م

      ذكرتني يا دكتور

      ذكرتني يا دكتور بالطلبة الخليجيين في بريطانيا الي كانو يتأجروون سيارات الليموزين ابذيك لحچاية بس عشان يركبون معاهم البنات الإنجليز، وبعد ما تنتهي فترة أجار السيارة ايطنشونهم البنات، ضدق الي ما ايعز روحه محد ايعزه

اقرأ ايضاً