احتفل العالم أثناء حفل افتتاح الألعاب الصيفية الأولمبية العام 2012 في لندن بالرياضيين الأولمبيين وهم مجتمعون معاً لحدث عالمي حقيقي. من بين الرياضيين المشاركين عدد من المسلمين الذي يواجهون تقابل الرياضة الجسدية الشديدة وشهر رمضان، عندما يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب، بما في ذلك شرب الماء. هذا التداخل بين الالتزام الديني والرياضة جرى طرحه بشكل مثير في فيلم وثائقي عنوانه «فوردسون: العقيدة وكرة القدم والصيام والحلم الأميركي». يقدّم هذا الفيلم المسلّي والمثير للتفكير زاوية جديدة على معنى أن تكون مسلماً أميركياً عبر العدسة الأميركية البحتة لكرة القدم.
يغطي فيلم رشيد غازي الوثائقي الفائز بجوائز فريق كرة قدم أميركية اسمه «تراكتورز»(Tractors) بمدرسة فوردسون الثانوية، وهي مدرسة حكومية يذهب إليها الكثير من العرب المسلمين في ضاحية للطبقة العاملة اسمها ديربورن بولاية ميشيغان، تضم أكبر عدد من السكان العرب في الولايات المتحدة. يقدّم الفيلم الوثائقي الذي جرى تصويره خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان نظرة معمّقة جديدة حول ما يعنيه أن يكون المرء مسلماً وأميركياً.
واجه الكثير من الأميركيين المسلمين خلال السنوات العشر الأخيرة منذ هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 تحدياً حول مدى كونهم أميركيين. يصف الفيلم الوثائقي، الذي وقف الجمهور تقديراً له، يصف بنجاح الهوية الثنائية للمسلمين الأميركيين وتقاطع دين اللاعبين المسلمين مع كونهم أميركيين، وهو أمر لا يمكن إنكاره.
يشكّل الفيلم الوثائقي، الذي أطلق في الكثير من مسارح السينما الرئيسية العام 2011 ليتزامن مع الذكرى العاشرة لهجمات سبتمبر، يشكّل دراسة لأميركا ما بعد ذلك التاريخ، وهو يعكس المواقف الحالية للعديد من المسلمين وغير المسلمين في الولايات المتحدة، بما في ذلك الشك المتبادل.
جرت واحدة من أهم مباريات فريق فوردسون يوم 11 سبتمبر حيث لعب الفريق ضد فريق مدرسة ديربورن الثانوية، وهي مدرسة أكثر ثراءً. كانت هناك دائماً منافسة بين الفريقين في كرة القدم، ولكن كما يظهر الفيلم، وفي بيئة ما بعد هجمات سبتمبر، كانت المنافسة حول أكثر مما هو مجرد كرة القدم. كان الأمر بالنسبة لفريق فوردسون أسلوباً للتأكيد على هويته الأميركية.
صوّر صانعو الفيلم خلال أحد عشر يوماً ما يكفي من الأشرطة عن التلاميذ ومجتمعهم وبرامج التدريب اليومية والألعاب، بالأسلوب الذي يهم الجمهور بالنسبة لهؤلاء المراهقين ومنافساتهم في كرة القدم. كان فريق التصوير والتلاميذ والمدربين أثناء التصوير صائمين. شكل هذا الخليط من الصيام والتنافس تحدياً، ولكن شعار فريق «تراكتورز» وهو «لا مبررات» ساد.
فاز فيلم فوردسون الوثائقي المذهل بجوائز في مهرجانات الأفلام العالمية وبالشهرة والمديح من وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون. كما تم استحداث قرص فيديو لطلبة المدارس الثانوية والجامعات حتى يتسنى للشباب في جميع أنحاء العالم الانخراط في رسائله.
أجمع النقاد والجماهير من المسلمين وغير المسلمين على ضرورة الفيلم وأهميته. «إنه يفتح عيونك قليلاً لترى جانباً آخر»، يقول أحد المعلّقين، مشيراً إلى وجهة النظر المسلمة على أميركا ما بعد هجمات سبتمبر، التي نادراً ما يتم تغطيتها في الإعلام.
كان ذلك هو رد الفعل الذي أمل المخرج رشيد غازي به. كان قد قرأ عن فريق فوردسون الـ «تراكتورز» العام 2003 في مقال بصحيفة، وأذهلته قصة لاعبي الفريق الذين تنافسوا حتى وهم صيام في شهر رمضان. احتاج الأمر إلى ست سنوات لإقناع المدرسة الثانوية بالموافقة على تصوير طلابها وضمان حقوق ملكية القصة. آخر مرة تزامن فيها موسم كرة القدم مع شهر رمضان كان سنة 2009، عندما وافقت المدرسة أخيراً على التصوير.
«كان ذلك مشروعاً قمنا به لنسرد قصة، ولتحويل وجهات النظر حول المسلمين»، يقول رشيد غازي. «كنا نعلم أن لدينا قصة عظيمة، وهو السبب وراء متابعتي للموضوع طوال هذه السنوات». كان الفيلم الوثائقي مخاض حب بالنسبة لمنتجي الفيلم، الزوج والزوجة بسمة باربرا قريشي وآشهار قريشي. طرح رشيد الفكرة على الزوجين، وكلاهما مخرجان تلفزيونيان، ووافق الزوجان على ضرورة نقل القصة بكاملها.
غيّر الفيلم نظرة المنتج آشهار قريشي تجاه المسلمين الأميركيين. «أنت تنظر إلى هذا المجتمع وترى كيف تمكنوا بنجاح من دمج الثقافة والحس الوطني. بدلاً من الشعور بالأسف على أنفسهم كانوا أكثر إصراراً ومرونة. لم يريدوا أن يتم تمثيلهم في ضوء هزيل مثير للشفقة. إنهم يرون أنفسهم كمسلمين وكعرب وكأميركيين»، يقوم قريشي.
يشكّل الفيلم بالنسبة لقريشي كسراً للجليد، ويوضّح عندما يشاهده جمهور أميركي أو عالمي على حد سواء، مدى كون المسلمين جزءاً لا يتجزأ من النسيج الأميركي. تشكّل أفلاماً كهذه جزءاً أساسياً لمباشرة الحوار وإطالة النقاش عن الأميركيين المسلمين، خاصة في أميركا ما بعد هجمات سبتمبر.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3623 - الثلثاء 07 أغسطس 2012م الموافق 19 رمضان 1433هـ