العدد 3620 - السبت 04 أغسطس 2012م الموافق 16 رمضان 1433هـ

العدالة والتنمية بين الحزب الحاكم والحكومة المغربية

محمد مصباح

باحث في المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن

يأتي مؤتمر حزب العدالة والتنمية السابع، الذي سينعقد يومي 14 و15 يوليو/ تموز المقبلين، في ظروف استثنائية، حيث يجد الحزب نفسه، ولأول مرة في تاريخه، في موقع إدارة الحكومة والمطالب بإيجاد أجوبة عن التسيير الداخلي للحزب. فالأمين العام للحزب عبدالإله بنكيران هو أيضاً رئيس الحكومة، كما أن عدداً من الوزراء هم أعضاء في الأمانة العامة ولديهم ملفات داخل الحزب يعملون عليها. وقد انطلقت نقاشات خافتة في صفوف بعض الأعضاء عن إمكانية الفصل بين العمل الحكومي وبين العمل الحزبي، كما هو معمول في عدد من الدول. وبالتالي، سيلقي هذا النقاش بظلاله على أعمال المؤتمر المقبل، وستدور مناقشات مستفيضة حوله.

إلى ذلك، سيُعقد هذا المؤتمر في ظلّ وضع اقتصادي صعب، وفي وقت يأمل فيه المواطنون أن تؤدي مشاركة الحزب في الحكومة إلى تحسين وضعهم المادي، وفي ظلّ ترقب دولي لأجندة الإسلاميين السياسية بعد الربيع العربي. فهل ستؤثر سخونة حرارة الطقس الجوي والاجتماعي والإقليمي خلال هذه الأيام على نتائج المؤتمر؟

يبدو أن المؤتمر سيتجه، أوّلاً، إلى إعادة انتخاب أمينه العام الحالي مرة ثانية؛ ثانياً، ستُضاف تعديلات جديدة على الصعيد التنظيمي، وخصوصاً على مستوى الأمانة العامة والمجلس الوطني، للتكيف مع التحول المؤسساتي بعد الانتقال إلى التسيير الحكومي؛ ثالثاً، سيُجرى تغيير على مستوى الخطاب السياسي، والانتقال من خطاب المعارضة إلى خطاب تدبير شئون الدولة؛ أخيراً، سيحدث تغيير على مستوى طبيعة العلاقة مع الفاعلين والشركاء، مع مزيد من التمايز عن حركة التوحيد والإصلاح، والانفتاح أكثر فأكثر على المؤسسة الملكية وطبقة رجال الأعمال.

من هنا، تبدو مؤشرات إعادة انتخاب بنكيران واضحة منذ الآن، فقد نجح في إيصال حزبه إلى رئاسة الحكومة، وفي إدخال 10 وزراء في تحالف حكومي مع 3 أحزاب أخرى، وتمكن من التفوق على خصومه السياسيين، وخصوصاً حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه فؤاد عالي الهمة، صديق الملك منذ أيام الدراسة وخصم الإسلاميين الأول آنذاك. هذا الأخير أعلن مرات عدة أن مشروعه السياسي متناقض مع حزب الإخوان، وقد اتهمه حزب العدالة والتنمية بأنه قاد حملة لتفكيك تحالفاته في انتخابات المجالس البلدية التي جرت سنة 2009. وكان بنكيران من أشد المعارضين لهذا الحزب، ما جعل منه زعيماً بدون منازع في أعين مناضلي الحزب. فلا يظهر حالياً أي منافس بارز له؛ ربما يكون لسعد الدين العثماني بعض الحظوظ لمنافسته، إلا أنها محدودة.

مع ذلك، لا ينبغي المغالاة في كون إعادة انتخاب بنكيران أمراً محسوماً مسبقاً، وخصوصاً إذا استُحضِرَت تجربة المؤتمر السابق، حيث راهن الجميع على إعادة انتخاب سعد الدين العثماني، وهو ما لم يحصل نظراً إلى المعايير المعقدة لانتخاب الأمين العام، والتي تقتضي أن يمر المرشح عبر مسطرة محاسبة دقيقة وقاسية تسمى مسطرة الجرح والتعديل وتقضي بمناقشة أداء الأمين العام خلال ولايته في كل جوانبه من طرف قيادات الحزب وأعضائه بشكل مفتوح داخل المؤتمر، حيث يمكن أن تتغيير آراء المؤتمرين في التصويت للأمين العام مرة أخرى، وهو ماحصل للعثماني وما يمكن أن يحصل لبنكيران أيضاً، وهو ما يمكن أن يخلق مفاجأة في آخر لحظة.

وحتى إذا انتخب بنكيران، فلن تكون مهمته سهلة، إذ يحتاج إلى إقناع قواعد حزبه ومئات الآلاف من المواطنين الذين صوتوا له، بقدرته على ممارسة صلاحياته كرئيس لحكومة منتخبة، وبنجاحه في تسيير فريقه الحكومي. كما عليه إقناعهم بسلامة خياراته في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، ولاسيما تدبير صندوق المقاصة الذي يمتص أكثر من 50 مليار درهم ويستفيد منه الأغنياء أكثر من الفقراء، وذلك في ظل الانتقادات التي صاحبت ارتفاع أسعار المحروقات، وما ترتب عن هذا الارتفاع من طفرة في أسعار بعض السلع والمواد الأساسية. كما يعمل أيضاً على بناء الثقة مع المؤسسة الملكية، فالرجل مؤمن فعلاً بأن نجاح عمله كرئيس للحكومة لن يتحقّق إلا بالتعاون مع الملك. وبما أنه لن يدخل في صراع معه، وإذا وجد نفسه عاجزاً عن الإصلاح، «فسيعيد إليه المفاتيح»، في إشارة إلى تقديم استقالته، كما ادّعى في مناسبات عدة.

ويبدو من المؤكد أن بعض التعديلات ستجرى على المستوى التنظيمي ورؤية العمل للتكيف مع الواقع السياسي الجديد. فعلى المستوى التنظيمي، طُرِحَت أربعة مقترحات لتعديل النظام الأساسي ومشروع مسطرة انتخاب الأمين العام وأعضاء الأمانة العامة وأعضاء المجلس الوطني في المؤتمر السابع. كما يتم تداول صيغتين لشكل الأمانة العامة: الأولى تعتمد صيغة «أمانة عامة موسعة» تضم، إضافة إلى 15 عضواً يختارهم الأمين العام ويصادق عليهم المؤتمر، وزراء ومسئولين كبار في الحزب، ما يعني توسيع دائرة الاستشارة والقرار. إلا أن ذلك يمكن أن يجعل عملية صناعة القرار أكثر تعقيداً وأقل فعالية إذا لم تدعم بجهاز تنفيذي ناجح. أما الصيغة الثانية فهي «أمانة عامة سياسية» مكونة فقط من 15 عضواً، تتخذ القرارات السياسية، وهي مدعومة بجهاز تنفيذي فعال يرأسه أحد أعضاء الأمانة العامة يكلف بمهمة مساعد الأمين العام وتنفيذ القرارات، ما يجعل صناعة القرار أكثر سرعة وفعالية، ويُحدِث فصلاً واضحاً بين العمل الحكومي وبين التدبير الداخلي للحزب. إلا أنه من الضروري انتظار نتائج ما سيسفر عنه النقاش داخل المؤتمر لحسم الصيغة التنظيمية الجديدة. تبنّى المؤتمر الوطني السادس للعام 2008 أطروحة «النضال الديمقراطي مدخلنا للإصلاح»، التي بُنيَت على فرضية النكوص والتراجع السياسي، وهو ما كان يمليه السياق السياسي لتلك المرحلة، مع التراجعات التي عرفها المغرب منذ انتخابات 2007، والتي تمثلت في خروج فؤاد عالي الهمة من وزارة الداخلية، وترشحه للبرلمان، وحصده ثلاثة مقاعد في دائرته، ثم تأسيسه حزب الأصالة والمعاصرة في العام 2008، وتمكنه من تكوين أكبر فريق نيابي جمعه من شتات البرلمانيين الفارّين من أحزاب أخرى، عبر ظاهرة «الترحال السياسي» التي عاشها المغرب في تلك الفترة، مع أنه لم يشارك في انتخابات 2007، بالإضافة إلى حل حزب البديل الحضاري في العام 2007 وحزب الأمة في العام 2008 بشكل لاقانوني.

إلا أن دخول الحكومة دفعهم إلى تغيير موقفهم وتبني شعار «شراكة فعالة من أجل البناء الديمقراطي» المبني على فرضية أخرى تقتضي استبعاد المسلسل التراجعي، وهي كانت الفرضية الأساسية الناظمة لأطروحة المؤتمر السابق قد أدّت إليه. وهو ما تفسره أرضية بشأن التوجهات الكبرى لأطروحة المؤتمر الوطني السابع لاعتبارين: أولاً، تواري منطق التحكم الفاضح وتراجعه نتيجة مقاومة الحزب من جهة، ونتيجة معطيات الربيع العربي، من دون أن يعني ذلك اندحاره النهائي؛ وثانياً، الوضع الجديد للحزب في موقع التدبير الحكومي.

ومع أن مسألة الاعتزاز بالمرجعية الإسلامية ستبقى مستمرة عند حزب العدالة والتنمية، سيكون المؤتمر فرصة أخرى لإبراز مزيد من التمايز بينه وبين حركة التوحيد والإصلاح. فهذه الأخيرة تُعتَبَر المحضن الدعوي الذي أطلق منه الحزب مساره السياسي، إلا أن أحداث 16 مايو/ أيار الإرهابية في الدار البيضاء دفعت به إلى إعلان انفصاله عن الحركة والتمايز عنها نتيجة الضغط الخارجي وكخيار ذاتي للتمايز الوظيفي بين الحركة التي تعمل في مجال الدعوة، وبين الحزب الذي يضطلع في مجال تدبير الشأن العام. وقد صرح رئيس الحركة، محمد الحمداوي، بأن حركته «لن تبرح مواقعها الدعوية، ولن تصبح خلية تابعة للحكومة، تتماهى معها وتنخرط كليّاً في أجندتها»، وذلك رداً على اتهامات الحزب بازداوجية الخطاب بين الدعوة والسياسة. واعتبر أن الحركة «اختارت خيار التمايز على الحزب وعلى العمل الحكومي، وانصرفت نحو التدافع المؤسساتي والمجتمعي خصوصاً في قضايا الهوية والقيم، ورفضت خيار التماهي مع التجربة الحكومية، والسعي إلى إنجاحها، والدفاع عنها، والانخراط الكلي في استحقاقاتها».

من جهة أخرى، يفرض الوضع الجديد للحزب الانفتاح على طبقة رجال الأعمال وإدماجهم في مشروع الحزب. فمنذ تأسيسه إلى اليوم، عُرِف الحزب بأنه حزب الطبقة الوسطى المتعلمة من مهندسين وأطباء ومحامين وأساتذة، في حين أن وجود طبقة رجال الأعمال وأصحاب المال المتوسطين والكبار فيه ضعيف. وقد بدأت مؤشرات انفراج نسبي في العلاقة بينهما، حيث بادر الحزب أثناء الحملات الانتخابية، إلى لقاء محمد حوراني، مدير الاتحاد العام لمقاولات المغرب CGEM، وهي أكبر جمعية رجال أعمال، وذلك قبل باقي الأحزاب الأخرى. كما سافر هذا الأخير مع رئيس الحكومة ضمن الوفد الرسمي الذي زار منتدى دافوس الاقتصادي. في المقابل، قدمت مؤسسته دعماً للحكومة بقيمة مليار و200 مليون درهم (150 مليون دولار)، لإطلاق مشروع دعم اجتماعي يهمّ الأسر الفقيرة. كما أن بعض رجال الأعمال أعلنوا دعمهم فعلاً لحزب العدالة والتنمية أثناء الانتخابات النيابية الأخيرة، مثل رجل الأعمال اليساري الشهير كريم تازي، الذي صوت للحزب على رغم اختلافه الإديولوجي معه. هذا الانفتاح يعود في الأساس إلى إحساس طبقة من رجال الأعمال في المغرب بأن أي انفتاح اقتصادي ستقوم به الحكومة الجديدة سيكون لصالحهم، في ظل نظام اقتصادي غير تنافسي تهيمن فيه شركات قريبة من مراكز النفوذ. لذلك، ليس من المفاجئ أن يكون ثمة تمثيل مهم لطبقة رجال الأعمال في المؤتمر، وربما يُعطى لبعضهم كلمة شرفية في الجلسة الافتتاحية.

العدد 3620 - السبت 04 أغسطس 2012م الموافق 16 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً