العدد 3619 - الجمعة 03 أغسطس 2012م الموافق 15 رمضان 1433هـ

مشكلتنا مع الأسئلة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نحن العرب، مسكونون بالأسئلة. منذ أن نستيقظ في الصباح، حتى نمسي لننام مرة أخرى، نحن في دوَّامة من التساؤل المستمر، المتبوع بهزَّات الكتف. في دواخلنا، لا نحس بالاستقرار أبدًا. وهو ما يعني، أننا لا نزال نعيش حياة الرُّحَّل. ليس ترحالاً بالدَّابة طلبًا للماء والكلأ؛ وإنما نرتحل إلى نفس ساكنة وإجابة شافية، نلوي إليها، طمعًا في الاستقرار. كما أننا لا نحس بالأمان. وعندما لا يحسُّ المرء بالأمان، تزداد قابليته للتحامل المفرط. على الأقل، مثلما خرَّجها لنا الأميركي كلينت إيستوود، وهو حالنا بالضبط.

أكثر ما يقلقنا، أن التاريخ، يتوالى علينا بوقائعه دون أن نستفيد منه. والحاضر يسير عنا بسرعة أبطأ واحد بيننا دون أن نكون قادرين على الصعود إلى قاطرته. والمستقبل يقترب منا بكل اسشرافاته، فندركه حاضرًا دون أن نكون قادرين على اجتراح شيء لنا فيه. نطرح شعارات كبيرة، لكننا لا نملك شعورها بالمرة. نضع الخطط المزركشة على القرطاس، لكننا لا نملك إلاَّ القدرة على وضعها في الأدراج. إنها المراوحة بعينها. هذا هو واقعنا إن أردنا الإنصاف.

في السياسة، نحن في خصومة تامَّة. أنظمة تقابلها معارضات. هي خصومة لها أكلافها القاسية. وربما نحسُّ بحجم هذه الوطأة على صدورنا، لأننا نحملق في تجارب شعوب جارة، بات فيها التجانس ما بين الفكر السياسي والنظام السياسي ناجزًا، منذ ما يقرب قرنيْن ونصف القرن في أضعف الأحوال، في الوقت الذي عجزنا نحن في تحقيقه. هذا الجو، حوَّلنا إلى مدمنين على احتساء السياسة، في كل مكان. على الفراش، وفي العمل وعند الأكل، وعند تشغيل خيالنا. بل حتى في فكَهِنا، وتفكُّهنا، نلويهما على السياسة كيمفا اتفق، لأنها ملف غير مُنجَز لدينا بالمرة.

في الفكر، نحن مُقسَّمون، ومنقسِمون في آن. صار بعضنا يمينياًّ وآخرون جنحوا إلى اليسار. لكن، لا اليمينيون مدركون، معنى اليمين، هل هو مناصرة الأنظمة الفاسدة، أم التطرُّف العَدَمِي الشوفيني ضد الآخر، أم أنه نظرة اجتماعية بحتة لتأطير الأفكار، ولا اليسار أدركوا ما فات إخوانهم اليمينيين، ولكن على طريقة فهمهم لليسارية، التي يظنها كثيرون، على أنها رديف للشيوعية. نحن مُتحرِّرون ومُستعبَدون في آن أيضًا. تطلعنا إلى تحرير عقول الآخرين لتخلفها، لكننا استعبدنا عقولنا ومشاعرنا الذاتية، مرة في القبليَّة، ومرة في الطائفية، ومرة في العرقيات، وهكذا دواليك، فأصبحنا كفاقد الشيء الذي لا يعطي شيئاً، حتى انتفى أصل الطموح والجموح معًا.

في الدِّين، انغمسنا في نرجسيَّة لا حدَّ لها، جعلتنا نحسُّ ونؤمن بلا كوابح، بأننا مازلنا خير أمَّة أخرِجَت للناس، وبالتالي نحن الأصلح والأولى والأجدر لإدارة العالَم من شرقه إلى غربه، نسوس دوله بدهائنا، فنحن مَنْ يملك الحلول لكل شيء، ثم ظهر أننا لسنا كذلك؛ لأننا بالأساس، فشلنا في إدارة أنفسنا داخل اجتماعنا وديننا وعلاقتنا مع بعضنا. لقد تشظينا إلى مِلَلٍ ونِحَل ومذاهب وطوائف، كفَّرنا وأحلَّينا دماء بعضنا بحمق، حتى تكالبت علينا الأمم، كما تتكالب الأكلة على قصْعَتِها، فصرنا كما قيل: الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة، فأيُّ حال صرنا إليه؟!

في الاجتماع، مازلنا نؤمن بالجاهلية الأولى، جاهليَّة النسَب والعشيرة والقبيلة، نتعبَّد بالآباء والأجداد، ونتغنى بهم لنستر عورات هزائمنا. نفتخر بالعروبة وأراضينا محتلة، نعجز عن حمايتها، من خمسة ملايين صهيوني، في الوقت الذي تجاوزنا نحن فيه الـ 300 مليون نسمة. نتهكَّم من شعوب الأعاجم، وننسى أنهم منحونا أجلَّ علمائنا وأبرعهم في العلم، من أبي حنيفة النعمان الواقدي (صاحب المغازي) مرورًا بالإمام الشافعي ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري ومسلم ابن الحجاج القشيري النيسابوري والفيروزآبادي وغيرهم كُثر.

في الاقتصاد، فشلنا في التخلص من الريعيات، لصالح نظام اقتصادي حيوي.أدمنا على أن نأخذ من الدولة كلَّ شيء، ومن دون ضرائب، ولا استحقاقات، سوى الولاء السياسي المطلق للحاكم، ثم تفاجأنا، أن ثرواتنا، خَلقَت لنا ثقافة النِبَالَة والأرستقراطية، التي كانت سائدة في الأزمنة الغابرة في أوروبا. لقد ظهرت الثروات الكاترينية والروتشلديّة والردازفيلية الفاسدة والظالمة التي تملك آلاف الفدادين، والمليارات من الدولارات، في حين، أن أحزمة الفقر تملأ الأوطان، كما تملأ الرمال الصحراء. وبات فردٌ واحد من أبناء الذوات، يملك ثروة خمسة ملايين من البشر.إنه أمر مفزِع حقاً.

لا يُمكن لهذا الجزء من العالَم، أن يسير نحو التطور والتحديث، ونحن مهزومون داخلياًّ.هذا الكلام ليس زائدًا على الحاجة، بل هو الحقيقة التي يجب أن نقبلها بسعة صَدر. يستطيع النائم أن يحلم في كلِّ شيء، لكنه لن يظفر بما حلم به عندما يستيقظ. نحن شعوب كغيرنا من الشعوب. لدينا فرصة النهوض. وهل مربُّوا الخيول في منغوليا أفضل حالاً منا؟! لا أعتقد. نحن نفتقد فقط، الإطار الذي يجعلنا كيف ننشأ وكيف نتعلم، ثم كيف نفكر، ثم يأخذ أفكارنا لمصانعه، ثم يجعلها سلعة صالحة للاستعمال والتداول، ثم تعريضها للتشذيب والمنافسة واجتراح الأفضل.

أليس غريبًا، أننا نفشل في أوطاننا، وننجح عندما نذهب إلى دولة غربية، حيث نجِد أنفسنا، وقد صِرنا شخصيات مختلفة! أين مكمن الخلل؟ إن الخلل هو في النظام والإطار العام، الناظم للمجتمع. في الغرب، لم يمنع النظام العام من أن يكون الفقير المحطم هرمن هيس، الذي كان أبوه يعمل في تطريز الأقمشة، أو لوب دوفيكا، أو ابن عامل سكّة الحديد بابلو نيرودا، من أن يحظوا بمكانة عالية في مجتمعاتهم.كما لم يتحسَّس النظام الأوروبي، من تعلَّم جيمس وات وتوماس تلفورد ولودن ماكادم وجيمس مِل، على يد الاسكوتلنديين الكالفينيين، على رغم الحساسية المفرطة، التي كانت عليها القارة خلال الحروب الدينية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

نحن إذاً، نواجه مشكلة السؤال المقلق. وعلى رغم أن السؤال في أصله نافع للوصول إلى الحقيقة، إلا أن الاستغراق فيه يعني عدم الاستقرار، وهو ما يجعلنا لا نبقِي ظَهرًا ولا نقطع سَفَرًا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3619 - الجمعة 03 أغسطس 2012م الموافق 15 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 4:46 م

      عاهتنا الفكرية

      في ظل هذا النقاش من بعض المعلقين هذا يعني أن ما ذكره الكاتب كلام في محله مئة في المئة . هذه هي مشكلتنا وعاهتنا الفكرية!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

    • زائر 9 | 10:22 ص

      انا معة

      زائر 5 كلام زائر 4 صحيح وواقعي أنظر حولك و تمعن بعقل و ليس بمذهبية او طائفية و ستجد كلامة صحيح

    • زائر 8 | 9:48 ص

      ان الله لا يغير بقوم حتي يغيروا بانفسهم

      الاخ الزاير رقم

    • زائر 6 | 9:05 ص

      رد

      اعجبني مقال الاخ محمد ولكن لما قرأت الرد 4 قلت في نفسي لا حياة لمن تنادي!!! و على فكرة بالنسبة لاستعارتهم لغتنا الم يكن سيبوية من الاعاجم و اليس استعارة امة للغة اخرى يضيع لغتها الاصلية حتى تصبح تابعة للغة الاخرى؟ اما بالنسبة لتوفير المناخ الملائم فأي مناخ ياعيني؟ و هم ايضا كانوا تابعين للحكومات الأموية و العباسية الفرق ان ارضهم كانت مستباحة لسرقة البنات و احضارهم كجواري وهذا ماحدث في الاندلس وهي ضاعت لاننا لم نعرف غير الملذات لاشباع البطن و ...

    • زائر 5 | 7:35 ص

      صحيح

      كلامك أخي العزيز صحيح مية مية و لكن لا تنس أن هؤلاء الأعاجم قد إستعاروا لغتنا و لم يرجعوها بعد و إستخدموها في هجونا و تعبودا على محمد العربي بلسان عربي. هؤلاء العلماء أبدعوا و برعوا في علمومهم بعد أن وفرت لهم دولاً عربية منها الأموية و العباسية المناخ الملاءم في أوقات إضطهدتهم دولهم و حكامهم لعبقريتهم. و ما زالت هذه الدول العربية تحتضن أناس من الأعاجم و توفر لهم المناخ الملاءم للإبداع و الأمن و الأمان و ما زالوا يوالون دولاً تستخدمهم مطايا.

    • زائر 4 | 7:34 ص

      حق مشروع

      استاذنا السؤال حق مشروع المشكلة في الشخص الذي يريد الجواب يريدة علي هواه وان خالف هواه طرحه جانباً والادهى اذا الشخص السائل حرف الاجابة لكي توافق هواه و اصبحت قاعدة وخصوصاً في الامور السياسية والادهي اذا وجد من يروج له بضاعتة الفاسدة

    • زائر 2 | 4:36 ص

      نعم

      إن كل هذا الكم من التخلف عن ركب التطور والتقدم والاكتشافات هي الأنظمة فهي أنظمة تقاد من قبل مستعمرين استمرار تخلفنا حياة لهم

    • زائر 1 | 4:36 ص

      كلام في الصميم

      وهل هناك ادل على تخلفنا عندما تسعى لجلب الديمقراطية لشعب اوشعوب الارض بتزويد المطالبن بها المال والسلاح والاعلام وانت تفتقدها في بلدك والمطالب بها عندك ارهابي هنا تكون قمة التخلف والكذب واقول ماذا لووجهت لقبلة القدس تلك المليارات والسلاح.

اقرأ ايضاً