في إحدى ليالي الصيف الحارة، كان يستلقي قط فوق سقف سيارة تشبه بياض جسده، لولا بعض البقع الزيتية التي لطخته. كلوحة تفتقد لمسة راسمها... يرى، ليفسر معنى الواقع بلغته الخاصة، أو بموائه... ربما.
بينما يُنصع بياضه لجذب القطط الأخرى، أو للدخول إلى المنزل هربا من عنجهية الجو، تخرج فتاة يتخطى عمرها العشر سنين بقليل، لا لتضع السمك في صحنه البلاستيكي الذي اعتاد أن يأكل منه والذي غالبا ما يتطاير ويختلط بأوراق الشجر جراء الهواء المُغبر... بل لمضايقته وذلك بالقيام بحركات تظن أنها تستفزه، لا يعير حركاتها أي اهتمام... يتظاهر بشم السمك وكأنها رائحة أفيون بينما حقيقة هو بانتظار قطة برتقالية اللون تزين ظهرها بقعة بيضاء... لا تشاركه مشاعر أبدا... لا تشاركه إلاّ أكلا.
في الآونة الأخيرة، تركته في حيرة كبيرة، حينما توقفت عن زيارته وقت أكله كما عودته، وتسببت في إصابته بحالة نفسية خطرة جدا، أوجعت القط المسكين بشدة! حيث لم يعد قادرا على تناول وجباته بصورة دائمة... ولم يعد متلهفاً للعب بالخيط مع الفتاة الصغيرة «رُبا»، ولا الاختباء عن شراستها المشحونة بالحنان ولا التنصت على ما يدور من جدال في غرفة الجلوس... لقد تغير نظام حياته، صار أشبه بـ «أكل خفيف، ونوم عميق».
لكن ذلك لم يطل كثيرا، فسرعان ما تداركت الصغيرة رُبا مشاعر القط المكنونة تجاه سمسمة اللعينة... فدلعت خيط الغيرة له حتى أصبحت تبقيه في غرفتها وتطعمه بيديها البريئتين. لم يتمكن القط الذي أخذت حالته النفسية تتدهور شيئا فشيئا تحمل المزيد رغم كل هذا الدلال، فصار يقضي نهاره خارج المنزل متأملا رجوع سمسمة. هادئا... صبورا... متحملا مضايقات واستفزازات رُبا له ليلا. هذا القط الذي كان يوما ما مفعما بحيوية القطط، يعشق الخيط وينتظر سمسمة، اسمه سمسم.
العدد 3619 - الجمعة 03 أغسطس 2012م الموافق 15 رمضان 1433هـ