لم يكن توقيع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما لقانون التعاون مع الكيان الصهيوني، مفاجأة للذين يتابعون أداء الرؤساء والمرشحين الأميركيين للرئاسة. فتاريخياً، ومنذ تأسيس الحركة الصهيونية، وبشكل خاص، منذ إعلان وعد بلفور العام، 1917 تماهى مختلف رؤساء الولايات المتحدة الأميركية مع المشروع الصهيوني، وذللوا كل المصاعب التي تواجهه. فالرئيس ويلسون، صاحب المبادئ الأربعة عشر، والمدافع عن حقوق الإنسان وتقرير المصير للشعوب، اعتبر وعد بلفور، مقدمة للاعتراف بحق تقرير المصير لليهود، وعمل على دفع دول العالم إلى الاعتراف بهذا الوعد، بما في ذلك الضغط على حكومة كرنسكي الروسية، من أجل تأييد قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، مقابل تأييد اليهود الروس لهذه الحكومة. وكان دور الرئيس الأميركي، ترومان جوهرياً في إقرار مشروع تقسيم فلسطين في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1947م. ومنذ تراجع الدور الإمبراطوري البريطاني، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية الراعي الأول للكيان الغاصب، ولم تتردد الإدارات الأميركية المختلفة في الإعلان عن انحيازها لهذا الكيان، في كل الحروب والاعتداءات التي شنها على الأمة العربية.
وقد أصبح تقليداً مألوفاً، أن يدشّن أي رئيس أميركي جديد عهده بتعهدٍ بمواصلة حماية «إسرائيل»، واستمرار تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة. وضمن تلك التعهدات، العمل على حرمان الفلسطينيين، من نيل حقوقهم المشروعة، بما في ذلك تأسيس دولتهم المستقلة، والتنكر لحق من شردوا منهم من العودة إلى ديارهم.
وليس من شك، في أن نجاح اللوبي الصهيوني، في الهيمنة على المفاصل الاقتصادية والإعلامية الأميركية، جعل منه عنصراً فاعلاً في التأثير في نتائج معارك الانتخابات الرئاسية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، وقد أدى ذلك إلى شيوع قانون أميركي متعارف عليه، عند كل انتخابات رئاسية جديدة، خلاصته أن كل شيء متاح للكيان الصهيوني.
ولم يخرج الرئيس باراك أوباما، المتهم بالفشل في حل الأزمة الاقتصادية المستعصية، عن هذا القانون. فأبجديات التنافس مع المرشح الجمهوري، ميت رومني تتطلب وعوداً جديدة بمساعدات عسكرية ومالية وسياسية مفتوحة لـ «إسرائيل»، رغم حالة الركود الاقتصادي التي تمر بها البلاد. ويتوازى ذلك، أيضاً بزيارات لعدد من أعمدة الحزب الديمقراطي إلى الكيان الصهيوني، في تسابق واضح مع المرشح الجمهوري.
في هذا السياق، يأتي توقيع الرئيس أوباما، بمكتبه في البيت الأبيض، لقانون تعزيز التعاون الأمني بين بلاده والكيان الغاصب لعام 2012 بحضور رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، ريتشارد ستون ورئيس «إيباك» الحالي لي روزينبرغ وسلفه هوارد فريدمان.
وقد أقر هذا القانون من قبل الكونغرس الأميركي، بسرعة لم تكن معتادة، من دون حد أدنى من النقاش الفعلي باعتماد تعليق الأنظمة. تم إقرار القانون في مجلس النواب في شهر مايو/ أيار مقابل اعتراض صوتين فقط، هما المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري النائب عن ولاية تكساس رون بول والنائب عن ولاية ميشيغان جون دينغيل، وأقرّه مجلس الشيوخ بالإجماع في 29 يونيو/ حزيران. والأهم أن مكتب الموازنة بالكونغرس لم يقم بتقدير التكاليف المتوقعة والمتاحة لهذا القانون.
وفي معرض الدفاع عن هذا القانون، يوضح الرئيس الأميركي أن «أحداث بلغاريا تبرهن أن الاعتداءات لاتزال تمثل تحدياً لـ «إسرائيل» والعالم بأسره، ولذلك ينبغي التأكد أن شعب «إسرائيل» لن يكون مستهدفاً مستقبلاً بأي هجوم إرهابي». ولتأكيد هذا الموقف كُلفّ وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا القيام بزيارة للكيان الصهيوني، للتعبير عن تضامن بلاده مع «إسرائيل»، وأن ذلك يعبر عن مدى التزام الأميركيين جميعاً، ديمقراطيين وجمهوريين بأمنها.
إن القانون آنف الذكر، يشير إلى المخاطر، التي يمكن أن تنتج عن التحولات الكبرى في المنطقة العربية، على أمن «إسرائيل»، ويعلن التزام حكومة الولايات المتحدة بمساعدة الحكومة «الإسرائيلية» على الاحتفاظ بتفوقها العسكري النوعي وسط تحولات سياسية إقليمية متسارعة وغامضة. كما يتعهد بفرض الفيتو الأميركي على أي قرار في مجلس الأمن الدولي «مناهض» لـ «إسرائيل»، و «دعم حقها المتأصل بالدفاع عن نفسها»، و «السعي لسبل توسيع التعاون» مع الحكومة «الإسرائيلية» في مجالي الدفاع والقطاعات المدنية، ومساعدتها «في جهودها لصياغة تسوية سلمية متفاوض عليها للنزاع «الإسرائيلي» - الفلسطيني تؤدي إلى دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن، وتشجيع جيران «إسرائيل» على الاعتراف بحقها بالوجود دولة يهودية».
ويتضمن القانون لائحة من الإجراءات المشتركة كالسعي إلى تعزيز قدرات الحكومتين الأميركية و «الإسرائيلية» في مواجهة تهديدات مشتركة ناشئة وزيادة التعاون الأمني وتوسيع المناورات العسكرية المشتركة، ومساعدة «إسرائيل» على زيادة تطوير وإنتاج أنظمة صواريخ الدفاع المشتركة، وبشكل خاص الأنظمة التي تدافع ضد التهديد الملحّ الذي تواجهه «إسرائيل» والقوات الأميركية بالمنطقة، وتعزيز الجهود المتعلقة بوقف تدفق الأسلحة لقطاع غزة و «تقديم فرص تدريب وتمرين إضافية في الولايات المتحدة للقوات الجوية «الإسرائيلية». كما يركز القانون على أهمية التعاون الاستخباراتي بين البلدين.
ويشمل القانون أيضاً، إشارة واضحة إلى دور موسع للكيان الغاصب في الحلف الأطلسي، بما في ذلك الحضور في المقر الرئيس للحلف والمشاركة في المناورات، بما يعني فتح الباب أمام دور لهذا الحلف، في حال تعرض «إسرائيل» لأي هجوم، وهذه فكرة طالب بها المحافظون في واشنطن منذ فترة طويلة.
ومن المؤكد، أن نجاح الصهاينة في تشكيل لوبي قوي مناصر لهم داخل أميركا، وتمكنه من التغلغل في الشأن الاقتصادي الأميركي، وهيمنته على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، بما في ذلك أنشطة هوليوود ومحطات التلفزة الكبرى، هو عامل أساسي في الانحياز الأميركي لـ «إسرائيل». لكن ذلك، لا يلغي التشابك في العلاقات والمصالح بين القوة الكبرى والكيان الصهيوني. وهو أيضاً مرتبط إلى حد كبير بالعجز العربي، عن صياغة استراتيجية عربية موحدة للتصدي لهذا الانحياز، رغم أن للأميركيين مصالح أساسية في الوطن العربي، يستحيل عليهم التفريط بها.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 3618 - الخميس 02 أغسطس 2012م الموافق 14 رمضان 1433هـ