العدد 3613 - السبت 28 يوليو 2012م الموافق 09 رمضان 1433هـ

واختل الميزان!

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

المواطن البحريني البسيط الذي يعمل في القطاع الحكومي أو الخاص، يعاني معاناة شديدة في ترتيب أمور حياته وتوزيع راتبه بشكل متساوٍ على جميع احتياجات أسرته دون الإخلال بميزان المصروفات، وفي كثير من الأحيان يواجه عجزاً كبيراً يدفعه للتنازل عن بعض الضروريات أو الاستدانة لتجاوز ما تبقى من أيام الشهر بسلام، فكيف حال المتقاعد الذي يحصل على 40 في المئة من راتبه الأساسي فقط؟

المتقاعد البحريني يواجه الحياة بصلابة قل نظيرها، وبإصرار لا يمكن أن يستوعبه عقل، لأنه ابن هذا البلد المكافح، الصبور، الذي يتجرع مرارة الألم، ويكتوي كل يوم بنار لا يستشعرها إلا هو، ورغم ذلك لا يلح بالسؤال، لأن كرامته تعز عليه وتحول بينه وبين مد اليد للآخرين.

فوق كل هذه الأعباء، تأتي وزارة الإسكان لتقضي على ما تبقى من أمل في نفس هذا المواطن المسكين، الذي قضى ريعان شبابه في خدمة وطنه، وشاخ به العمر وأصبح اليوم بحاجة لمن ينصره ويشد من أزره.

تلزمه بقرض للتخلص من حياة البؤس التي يعيشها في مسكن مترهل، جدرانه بالية، وسقفه لا يقي من تسرب ولا يحمي من أهوال الزمان، فإما أن يستسلم لمزيد من ضنك العيش فيستغني عن جزء من راتبه التقاعدي الهزيل لسداد أقساط قرض إسكاني أو يتشهد في كل لحظة تحسباً لمحاصرة الحصى له من كل مكان.

يسكن في خربة سُمِّيت بيوتاً وألصقت بها صفة «الآيلة للسقوط»، بينما تعرفها الوزارة بأنها مساكن بحاجة إلى ترميم. وأي إصلاح هذا الذي يجدي مع حصى مستخرجة من البحر وجص عرته الرياح وفتته المطر؟ ولو كان الترميم سيعيد إليها رونقها لما انهارت بيوت فوق رؤوس أصحابها في أزقة المحرق وشوارع المنامة.

حتى وقت قريب، كان يعتقد أنه كمواطن مستثنى من كل الشروط والقيود، وأنه وجوده في دائرة الخطر يجعله في صدارة اهتمامات الدولة، ولكن الواقع يقول أنه ليس أحسن حالاً ممن يترقب وحدة إسكانية منذ نحو عشرين عاماً متواصلة، إذ يجب أن لا يقل سنه عن 18 عاماً ولا يزيد على 60 عاماً، وأن لا يمتلك عقاراً آخر سوى المراد ترميمه -حتى وإن كان بالميراث- ولا يستحق القرض الجديد للترميم إلا بعد مضي 10 سنوات، بشرط استيفائه لباقي الشروط المعمول بها للتقدم بقرض الترميم الأول، وأن لا يزيد مجموع دخل الأسرة الأساسي عن 1200 دينار.

العشرات من البيوت القديمة هدمت في السنوات الماضية ضمن المشروع الذي جاء تنفيذه بمكرمة ملكية للأسر من ذوي الدخل المحدود، لأنها لا تصلح للسكن الآدمي، ولا يجدي معها ترقيع وإصلاح، فحجم الضرر الذي لحق بأساساتها يصعب تقويته بأية دعامات، وهو الأمر الذي أثبتته التقارير الفنية التي أعدها المهندسون المختصون في المجالس البلدية، والتي تؤكد أن الوضع بحاجة إلى هدم كلي ومعالجة جذرية، بينما تطرح اليوم فكرة الترميم بمبلغ قرض لا يتجاوز 20 ألف دينار، وهو لا يغطي كلفة بناء غرفتين بمرافقهما في هذا الوقت، فكيف يمكن استغلاله لبناء بيت ملائم تتوافر فيه احتياجات أسرة كريمة تنشد حياة لائقة في وطنها.

تحويل مشروع «البيوت الآيلة للسقوط» إلى قروض ترميم، يمثل إحدى حالات الإخلال بميزان العدالة، ويعيدنا إلى الوراء حين تم إسقاط متأخرات فواتير الكهرباء والماء بمبالغ تصل إلى ملايين الدنانير، عندها شعر الملتزمون بالسداد بشيء من الغبن والهضيمة، ما دفعهم إلى عدم تسديد الفواتير فتراكمت المستحقات المترتبة عليهم، وقررت بعدها هيئة الكهرباء والماء قطع التيار عنهم، واشتراط الالتزام بسداد المبالغ المتراكمة خلال فترة تمتد إلى نحو عامين لإعادة التيار إليهم.

اليوم يتكرر الخلل ذاته، إذ تشعر شريحة واسعة من الأسر البحرينية الفقيرة أن الحظ لم يحالفها كما حالف الآخرين ممن تم إنجاز بيوتهم في السنوات الماضية، وهي لا تملك إلاّ أن تندب حظها بقدر ما تطالب الدولة بأن تتصدى لمسئوليتها الدستورية فتنتشلها من همها بميزان العدل والإنصاف.

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3613 - السبت 28 يوليو 2012م الموافق 09 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:02 ص

      ميزان العدالة والإنصاف

      السبب في مشكلة البيوت الايلة للسقوط وغيرها من المشاريع هو غياب التخطيط الجيد ودراستها دراسة كافية على أسس علمية ومادية وليس بناء على ردات فعل او تصريح مسئول هنا وهناك ليتم بعدها تقاذف المشروع بين وزارات مختلفة والخاسر هو المواطن الفقير

    • زائر 1 | 3:15 ص

      طلبي الاسكاني من 1993

      وكما ورد أن طلبات 2006 م حصلوا على منازل ووحدات سكنية ((ـــ إنها قسمة طيزا ــ )) .

اقرأ ايضاً