ما يميز علم الإدارة عن بقية العلوم هو شموليته واستعارته لمبادئ ونظم عمل من العلوم الأخرى. فنظرية السلوكيات وإدارة شئون الأفراد مثلاً تأخذ من علم النفس والسياسة والقانون الكثير من المبادئ، كما تعتمد الإدارة العلمية على أدوات التحليل الكمي وتستعير من الإحصاء وعلم الرياضيات كثيراً من المعادلات لدرجة إخضاع عملية صنع القرار واكتشاف البدائل للتحليل الإحصائي المبرمج. ولكون إدارة الدولة أو المؤسسة تتطلب مهارات متعددة، عمدت مؤسسات التعليم والتدريب في الدول المتقدمة إلى تصميم برامج الإدارة التنفيذية العليا لتشمل التحليل الكمي، وإدارة شئون الأفراد، والمحاسبة، والإقتصاد، والتسويق الذي يشمل تسويق المفاهيم والأفكار، وذلك لأسباب عدة أهمها أن القائد مسئول عن قيادة بشر، وكذلك إدارة أصول تتطلب جميعها الإلمام بمعارف مهارات متنوعة مرتبطة بطبيعة المهمات، وذلك من أجل ضمان سلامة المؤسسة أو الدولة.
إن الغرض من هذه المقدمة هو التأكيد على عنصر العقل في إدارة أية مؤسسة، بغض النظر عن حجمها وطبيعة رسالتها. وعنصر العقل الذي هو جزء من حضارتنا وثقافتنا ينص على مبادئ متعارف عليها عالمياً من المستحسن استحضار بعضها هنا أملاً في مساعدتنا على معالجة مشاكلنا المزمنة. ومن هذه المبادئ ما يلي:
- لا توجد طريقة واحدة لعلاج مسألة معينة، بل توجد طرق عدة يجب البحث عن أنسبها. وهذا يعني أن الجمود عند وسيلة واحدة أو التشبث برأي واحد لمعالجة قضية وطنية بحجم قضية البحرين هو أسلوب لا يساعد على الخروج من عنق الزجاجة، وخاصة عندما أثبتت الأيام لنا عقم هذه الطريقة. فكما أن السقوف المرتفعة لم تسعفنا، فكذلك طريقة التجويع وكسر العظم.
- لا ثوابت في السياسة، لكون المتغيرات سمة الخليقة تفرضها عوامل اقتصادية وتحولات سياسية في الداخل والخارج. والسياسة المحترفة هي التي تملك المرونة والقدرة على استشراق المستقبل وتستعد للتحولات المرتقبة. من هنا فالتعويل على دوام الحال هو ضرب من المحال. وخير دليل على ذلك ما تشهده منطقتنا من تحولات كانت من عداد المستحيل حتى وقت قريب. لذا بات لزاماً علينا التفكير بجد لترتيب بيتنا من الداخل، تحسباً لتبدل الأحوال ودرءاً لمفاجآت لا نبتغيها.
- إن السياسة من دونما اعتبار لمعيار الخسارة والفائدة هي ضرب من العبث. فجل الخلافات بين بني البشر أساسها حقوق ومصالح يعتقد البعض أنها منقوصة، في حين يعتقد البعض الآخر بأن الإنفراد برغيف الخبز هبة له وحده. إن الفشل في خلق التوازن بين هاتين النزعتين المتضاربتين هو الذي أشعل الحروب والفتن على كوكبنا الأرضي. وقد أدركت كثير من الأمم المتحضرة خطر هذه النزعة البدائية فأعادت التوازن إلى مجمل سياسات توزيع الثروة بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله. حينها استقرت هذه المجتمعات ونمت وعم الخير على الجميع. إن الفوارق الطبقية في بلادنا لا تخطأها العين، لأننا أوغلنا كثيراً في سياسة الاستئثار فصرخ المهمشون رغم جميع المسكنات وأدوات الترويض، وهكذا أصبح الاستئثار وبالاً لن يستثني استمراره أحداً. كما أصبحت خسائرالوطن الاقتصادية والمعنوية أكبر من أن تحتمل.
إن وضعاً كهذا يحتم على الجميع الأخذ بعين الاعتبار حسابات الربح والخسارة في الحاضر والمستقبل، لنرسم سياسات متوازنة تعود بالفائدة على الجميع، فتخرجنا من عنق الزجاجة ونحقق استقراراً مستداماً يجنبنا الدوران المتكرر في حلقات فارغة.
- لا حواراً ناجحاً إلاّ بتوفر الحد الأدنى من الثقة بين الأطراف المختلفة. هذا ما يقوله خبراء علم التفاوض والحوار. فإذا ما توفرت النية الصادقة لمعالجة مشاكلنا فإن الأطراف المعنية لن تعوزها القدرة على إرسال مؤشرات إيجابية تمهد للحوار. ويمكن لهذه المؤشرات أن تأخذ أنماطاً عدة كالحد من نزعة الانتقام ولجم خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ومنابر الخطابة، وإدانة أعمال العنف من جميع الأطراف، وسماع صوت العقل والاعتدال، وتشجيع ومباركة الإشارات الإيجابية من أي طرف، كتلك التي يرسلها سمو ولي العهد بين الحين والآخر، وتجنب لغة التصعيد والتصريحات المتشنجة التي لا تتناسب وقدسية هذا الشهر الكريم، وطرد الهواجس والأوهام المجنونة بالتغلب على مرض وعقدة الشك.
إن تمهيداً كهذا لمسرحنا الوطني هو الخطوة الأولى لتحفيز اللاعبين من الأطراف المختلفة لمراجعة حساباتها والمساهمة في معالجة هموم الوطن.
إن شهر رمضان المبارك الذي يوحدنا جميعاً في طقوسه، يجب أن يوحدنا كذلك في نمط تعايشنا، لكون الدين هو المعاملة أيضاً. فإذا ما جردناه من جوهره فليس بوسعنا الاستفادة من هذا المخزون الإلهي العظيم، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فهل يمنحنا شهر الصيام من الحكمة والعقلانية ما عجزت عنه الأشهر العجاف الماضية؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 3613 - السبت 28 يوليو 2012م الموافق 09 رمضان 1433هـ
Well Said
Well Said Uncle
Wish a better Bahrain to all Bahrainis
بارك الله فيك
مقال من شانه مداوات جراح الوطن ولملمة اوصاله