ينص دستور منظمة الصحة العالمية على أن «التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، وهو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية».
وهذا الحق تم إدراجه في العديد من معاهدات حقوق الإنسان الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العام 1966، حيث نصت المادة 12 منه على ضرورة اتخاذ خطوات لضمان إعمال الحق في الصحة، وأذكر مثالاً منها، وهو تهيئة الظروف المواتية لضمان خدمات الرعاية الصحية للجميع.
«التوافر وإمكانية الوصول والمقبولية والجودة»، هي أولى العناصر الأربعة التي تشمل الحق في الصحة، تليها التزامات ثلاثة تُفْرَض على الدول التي توقع المعاهادات الدولية في مجال حقوق الانسان وهي: الاحترام (أي عدم التدخل في هذا الحق) والحماية (أي ضمان ألا تقوم أطراف بإعاقة هذا الحق) وأخيراً الأداء (أي اتخاذ خطوات إيجابية لإعمال هذا الحق).
كل ما تم ذكره أعلاه انبثق من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعتبر صكاً دولياً، والذي جاء في مادته الخامسة والعشرين: «لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية».
من هذا المنطلق المبدئي تقع الالتزامات الأساسية على مملكة البحرين بتطبيق الحق في الصحة والتي تنطلق من المبادئ والأساسات التي تم ذكرها بحكم تصديق المملكة على العهد الدولي المذكور، بالإضافة إلى أدوات الرقابة الدولية المتمثلة في منظمة الصحة العالمية التي يقع على عاتقها جمع وتوفير البيانات والإحصاءات الخاصة بالوضع الصحي. ولا ننسى دور المنظمات الدولية غير الحكومية، ومنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي توجه حركات الهلال الأحمر في الدول إلى الدور المنوط بها، كتقديم المساعدات للمدنيين المصابين خلال فترات النزاعات والكوارث، إضافةً إلى المنظمات الوطنية الطبية غير الحكومية والدور المنوط بها في تقديم المساعدات للمصابين أثناء النزاعات المحلية والكوارث.
في مقال سابق تناولت مفهوم الحياد الطبي الذي سأذكر به هنا وهو «من واجب جميع العاملين في القطاع الصحي تقديم الرعاية الصحية لمن يحتاجها، بغض النظر عن هويته وأيديولوجيته وانتمائه»، والذي يرتكز على أركان ثلاثة وهي القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأخلاقيات المهنة الطبية. أسوق المقدمة أعلاه لكي أوضح الصلة الوثيقة بين المصطلحين الحقوقيين وأهميتهما الاستراتيجية التي وضعت أسسها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، انطلاقاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 وصولاً إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العام 1966.
وبحسب المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان (منظمة العفو الدولية مثالاً)، فإنه يمكن لانتهاكات حقوق الإنسان أن تسبّب تردي الحالة الصحية، لذا تعمل المنظمة جاهدةً في إنجاز أبحاث هدفها منع وقوع أخطر الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تعتبر أساسية لسلامة الصحة الجسدية والعقلية. وتقوم المنظمة على تعزيز دور المهنيين الصحيين والأشخاص الذين لديهم اهتمام عام بالقضايا الطبية والصحية في الدفاع عن حقوق الإنسان.
وخلاصة القول إن المهنيين الصحيين يتمتعون بوضع فريد يمكنهم من توثيق انتهاكات الحق في الصحة وغيرها من الانتهاكات اللصيقة بالصحة ومراقبتها، والنضال ضدها. وتذهب المنظمة فيما يتعلق بدور المهنيين الصحيين إلى أبعد من ذلك، إلى مستوى محاسبة المسئولين عن تلك الانتهاكات.
إقرأ أيضا لـ "نبيل حسن تمام"العدد 3610 - الأربعاء 25 يوليو 2012م الموافق 06 رمضان 1433هـ
مصداقية الطبيب و الحياد الطبي
مقال اكثر من ممتاز يا دكتور.. هذا الحديث يجرنا الى ظرورة حتمية و مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق الطبيب و العاملين في الحقل الطبي في أن لا يقفوا موقف المتفرج عند وقوع أي إختراق للحياد الطبي من قبل السلطات أو المسؤولين او القائمين على الصحة كما حصل إبان الأزمة في فبراير و مارس من العام الماضي و الذي تصدى له مجموعة من خيرة الاطباء المشهود لهم بالمهنية و الكفاءة و لاقوا ما لاقوا من سجن و تنكيل و تعذيب .. الحياد الطبي ظرورة لابد أن تجد طريقها مهما كانت التضحيات ....
صبحك الله بالخير
والله افرح كثيرا لمن أقرء إليك مقال يا دكتور نورهم الله ينور طريق ك لعل وعسي يسمعونك مع أني اشك