العدد 3610 - الأربعاء 25 يوليو 2012م الموافق 06 رمضان 1433هـ

حين يباح الدم بفقه التفخيخ

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا شيء أكثر حرمة واحتراماً من الدم بإجماع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.

الدم الذي بات أتفه من مجاري الصرف الصحي لدى بعض العقائد والمهلوسين والذين يتعاطون عقاقير الغياب قبل التوجّه إلى وليمة الأشلاء وأنهار الدم منطلقين من تخريجات وفتاوى الذين لا يحسنون النظر إلى الإنسان عدا النظر في فهم وتفسير كتاب الله وسنة نبيه اللذين يتم التجرؤ عليهما في بازار المواقف والمزاج والأمراض والعُقد النفسية المتأصلة في ذلك التيار الذي يرى في حياة ما عداه قلقاً وتشويهاً للحياة وصورتها التي يريد لها أن تكون وفق ظلاميته ووفق الكهوف التي من خلالها تمت تعبئته لنسف كل جميل في الحياة يراه قبحاً.

هو الدم نفسه الذي يراق لا عبر دول الكفر والإلحاد كما تصنّفها تلك الجماعات المُهسْترة وهي تستغل معطى معرفياً وتكنولوجياً مصدره دول الكفر والالحاد؛ بل بات الذين هم الأقربون في الجغرافية والأبعدون في عقائدهم المنحرفة كما يرى المهلوسون باعتبارهم يمثلون العقيدة الحقة بإباحة الدم الحرام وكأنه مقدمة للكأس الأوفى التي يعدون أنفسهم بها ووجبة البوفيه الفاخر في العالم الآخر بقتل أكبر عدد من المخالفين لهسْترتهم، هم المنطلق لاختبار وتجارب تلك العُقد والهَسْترة.

وكما أنه «ما بني على خرافة لا يفكّه المنطق» لا يمكن لتلك الخفافيش التي تنطلق من قواعد الهلاك التي تبرمجها أن تقرر واقعاً وتقنع حشرة بنبل وأحقية موقفها وفكرها المنحرف الشاذ والضال القائم على فكرة يهودية في مسألة الاختيار. بات أولئك الانتحاريون الفاشلون المرضى هم شعب الإسلام المختار وما عداهم حشرات وفائض خلق على تلك المجاميع المريضة ومن ورائها مكنة فقهية تافهة ضحلة تبرر لهم إزهاق الأرواح تقرباً إلى الله تعالى!

قبل 11 سبتمبر/ أيلول بسنوات ومنذ هيمنة الأصوليين على المشهد الدولي فترة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، كانت مكنة الفقه التكفيري الضحل الذي لم ينطلق في كل تبريره وإباحته وترويجه للقتل وسفك الدم من تأسيس علمي معتد به ومحترم في دوائر الفتوى والبحث العلمي في الدائرة الإسلامية. أقول كانت تلك المكنة تتوهم تحقق اختيارها هي تحديداً كشعب الله المنافح عن عقيدته وتضخ كل ما تعلمته من جهل في رؤوس الأكثر جهلاً وفشلاً لتحويل العالم إلى أثر بعد عين.

يوم الاثنين (23 يوليو/ تموز 2012) تقرّب التكفيريون ورم الأمة إلى الله في «غزوة رمضانهم» بـ 28 هجوما في 19 مدينة عراقية شملت بغداد والديوانية وديالى وكركوك وصلاح الدّين والموصل وواسط قتل في ذلك التقرّب المَرَضي 111 شخصاً وأصيب 230 آخرون بجروح في هجمات متفرقة بعد تحذيرات أطلقها تنظيم الخزي والعار والجبْن «القاعدة» في العراق. ذلك الذي استباح الدم الإنساني وطال إجرامه كل شيء.

ما يسمى بأمير تنظيم القاعدة أبوبكر البغدادي توجه بنداء في شريط صوتي مسجّل بثه عدد من المواقع ومن بينها ما يسمى «حنين» و«شبكة الجهاد» إلى «جميع شباب المسلمين حول العالم للهجرة إلى العراق» بهدف «توطيد أركان دولة الإسلام. هلموا فإن المعركة تحتاج الوقود». كما أعلن في كلمته «مرحلة جديدة» اطلق عليها اسم «هدم الأسوار». يستهدف من خلالها القضاة والمحققين.

الدم العراقي وسواه من الدماء لن يلتفت إليها أحد في ظل مكنة تكفير عفنة متخلفة ومنحطة مسنودة بفقهاء الظلام والعُقد وزمن الكهوف. تلك الدماء يظل حلالاً سفكها، كما يريق أحدهم ما تبقى من كأس ماء اكتفى بنصيبه منها. هذا الفقه الذي لديه قدرة على التمييز بين دم ودم لا يعدو كونه بلطجة وعسكرة باسم الدّين وانتهاكاً لحرمة الحياة نفسها ووجود أصحابها تهديد للحياة في أسمى عناوينها (الإنسان). وبممارستهم تلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينتموا حتى للنجس من الحيوان عدا البشر.

نعلم أنه في الحروب يضيع الدم لأنه لا أخلاقية للحروب ولا قدرة لها على التمييز في ظل قيادة الآلة للإنسان وليس العكس. أعني الحروب «النظامية» ولا نظامية في الحروب أساساً بفعل ما تحدثه من خراب وإعادة كل شيء إلى ما دون بدائيته. في حروب التحرر لا منجاة عن الأخطاء أيضاً وخصوصاً حين يكون الثأر موضوع وهدف تلك الحروب بعيداً عن منظومة الأخلاق التي لن تجد لها مكاناً في ظل شبح ضحايا وكوارث؛ لكن مثل ذلك الانحراف في مثل تلك الحروب يضع أصحابها في مواقع المآسي والدمار والتجاوز والانتهاكات.

ونعلم أيضاً أن الحروب في أساسها تفخيخ لاستقرار الحياة وانتزاع للطمأنينة النادرة فيها لكن الحروب التي ترفع ألوية الدّين تحريفاً وانحرافاً به عن مساراته والتفسير هي الأكثر كلفة والأعظم أثراً عدا ما تتركه من انطباع وترسيخ وتراكم صور نمطية عن الدّين نفسه من قبل الآخر والدّين من أولئك المسوخ بُراء.

فقهٌ يبيح تفخيخ البشر والحياة لا يختلف عن مخلّفات يتركها بعضنا تلبية لنداء الطبيعة!

نحن إزاء إرهاب فقه التفخيخ في كل ما يحدث في جغرافية يتحكّم في وعيها أصحاب العُقد ومن لم يؤت حظاً من قيمة علم وقيمة وجود وتأثير في الوقت نفسه.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3610 - الأربعاء 25 يوليو 2012م الموافق 06 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 8:27 م

      فكر التكفيري

      هؤلاء غدة سرطانية في مجتمعاتنا

    • زائر 10 | 3:02 م

      إنهم خوارج هذا العصر

      هؤلاء الظلاميون هم خوارج العصر الذين يحملون الأسفار فلا ينتفعون بما فيها، كانوا وبالاً على الإسلام والدولة الإسلامية، فتصديقها لهم أمير المؤمنين وحاربهم لمعرفته بخطرهم الجسيم، ولكن بعض الفلول بقيت وعاثت فسادا، و هؤلاء هم أبناؤهم الذين يجب محاربتهم وتخليص الأمة من شرهم ومن فكرهم الظلامي التكفيري، الذي إن استطال سيدمر العالم ويمحق الدين. 

    • زائر 9 | 2:09 م

      التديّـــــن ... الوحـــشي

      لا يمر يوم إلا وفي طياته جانب من الأحزان ، نرى مآسي تتجدد على الأيام ،وكأن ظمأ "الوحوش" لا يروى إلا بالدم باسم الإسلام والإيمان !، وعلى كثرة ما أمتلأ به التاريخ من الفظائع والآثام ،وددت لو أن الأرض تصفر منهم ، وتخلو من فكرهم المأساوي والساقط في براثنهم وكذلك من أشباحهم المتعصبة التدميرية البغيضة؛ حتى تهدأ الحياة ويستريح الأحياء. وتحياتي لكم ... نهوض

    • زائر 8 | 10:33 ص

      ليس مجرد رأي ؛ بل هو الواقع لا أكثر !!

      لم توفق في التعبير عندما قلت " فترة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان "!!!

      التدخل - و ليس الإحتلال - كان بطلب من الحكومة الأفغانية الوطنية الشريفة ؛ لصد جحافل التكفير و التفجبر و التخريب - طالبان ، القاعدة ، المقبور في البحر!! - ، و ها نحن ندفع الثمن ليومنا هذا؟؟؟

      تحباتي...

      ابوالياس الجتوبي

    • زائر 7 | 9:52 ص

      الفكر المتحجر

      طالما بقى هذا الفكر المتحجر الرافض للتطوير والتغيير وهي من سنن الحياة يعشعش في مجتمعاتنا فإننا لن نكون في مأمن فالذي يحدث في العراق اليوم سيتكرر في اي بلد اخر ومنها دولنا الخليجية حيث تسبغ الأنظمة في هذه البلدان حماية على هذه الأفكار المتطرفة وعندما تتمكن ستعود وتنقض على أنظمتها التي رعتها فالقاعدة لم تقوى لولا دعم امريكا وحماية السعوديه لها اثناء احتلال الروس لأفغانستان وانظر بعدها ما حدث !! والتاريخ سيتكرر

    • زائر 6 | 4:28 ص

      عجبي من المسلمين !!

      حين يستنكرون فرض قوانين في دول الغرب على النقاب و تثور حميتهم و يتظاهرون و ينددون و لكن أن يسفك دم المسلمين في دول الجوار حينها يصابون بالخرس و التبلد أي انهم موافقون و السكوت علامة الرضا !!!!!!!!!

    • زائر 5 | 4:26 ص

      التمويل من دول محسوبه على الإسلام

      هذه المسوخ المتعطشة للدم تحرك أفكار و أموال من دول يفترض أنها حامية للدين الإسلامي

    • زائر 4 | 2:56 ص

      يحدث ذلك عندما تسقط الانسانية الى الوحل والاعتقاد الى الحضيض

      اي اعتقاد واي دين ذلك الذي يبيح مثل هذه الامور؟
      لا والله لا يوجد دين ولا مبدأ ولا انسانية ولا حتى حيوانية لأن الحيوان يفتك بالآخر من أجل اشباع بطنه فقط وإذا تحقق له ذلك فإنه لا يفتك.
      اما هؤلاء فعطشهم الى الدماء اخرجهم من جميع الكائنات الحية

    • زائر 3 | 2:02 ص

      ويل لهم وما كسبت أيديهم الملطخة بدم الأبرياء

      الدم العراقي وسواه من الدماء لن يلتفت إليها أحد في ظل مكنة تكفير عفنة متخلفة ومنحطة مسنودة بفقهاء الظلام والعُقد وزمن الكهوف. تلك الدماء يظل حلالاً سفكها، كما يريق أحدهم ما تبقى من كأس ماء اكتفى بنصيبه منها. هذا الفقه الذي لديه قدرة على التمييز بين دم ودم لا يعدو كونه بلطجة وعسكرة باسم الدّين وانتهاكاً لحرمة الحياة نفسها ووجود أصحابها تهديد للحياة في أسمى عناوينها (الإنسان). وبممارستهم تلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينتموا حتى للنجس من الحيوان عدا البشر.

    • زائر 2 | 1:24 ص

      بارك الله فيك يا ولد الجمري

      هم قاعدة الجهل والجبن فعلا يقتلون الابرياء وجيش الصهاينة ولا رصاصة اطلقو باتجاهم

اقرأ ايضاً