لا تزال وزارة العمل متمسكة بنسبة 4 في المئة كمعدل طبيعي للبطالة في البحرين، بينما الشواهد تؤكد أن الكثير من الجامعيين الذين يعملون في المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص والمسجلة بياناتهم لديها، هم عاطلون أيضاً ولكن من نوع آخر.
حصلوا على شهادات جامعية من مختلف التخصصات المطلوبة في سوق العمل بعد معاناة طويلة وجهد ومثابرة وسهر، ومن ثم وجدوا أنفسهم حبيسي منازلهم لسنوات طويلة، حتى جاءهم الغيث فلم يروِ ظمأ صبرهم، إذ بدا لهم أن مشروع تأهيل وتوظيف الجامعيين بمثابة قارب النجاة الذي جاء لينتشلهم من همهم، ولكن اكتشفوا بعد ذلك أن هذا القارب مليء بثقوب قد تغرقهم في أية لحظة.
في بداية المشروع تولى إدارة شئونهم صندوق العمل «تمكين»، وتم توزيعهم على مختلف الجهات الرسمية والشركات، وصرفت لهم رواتب بسيطة لا تتجاوز الـ280 دينار بعد استقطاع اشتراك التأمين الاجتماعي والتأمين ضد التعطل، وكان الأمل أن يتم توظيفهم بعد فترة من الزمن في الأماكن التي يعملون فيها، ولكن ذلك لم يحصل، بل على العكس تم التعامل معهم كمتدربين، رغم أنهم أنهوا مرحلة التدريب العملي المقررة للحصول على شهادة البكالوريوس، وذاقوا مرارة البطالة لسنوات. وكثيرون منهم عملوا في مؤسسات المجتمع المدني واكتسبوا الخبرة منها كمتطوعين، ولديهم الدراية الكافية بمتطلبات تخصصاتهم وواجبات عملهم.
ربما استطاعت البحرين من خلال هذا المشروع أن تثبِّت أقدامها كإحدى الدول الرائدة التي بادرت بتخصيص موازنات لتوظيف الجامعيين العاطلين، ولكنها في الواقع لم توجد حداً لمعاناتهم، فها هي العقود تتجدد كل عامين بالشروط ذاتها، وبدلاً من أن تشتمل على بند يحدد فترة زمنية للتثبيت، تحولت الصيغة إلى «أولوية التثبيت»، أي أن المسألة مؤجلة إلى أجل غير مسمى حتى يحين موعد فتح باب التوظيف في الوزارات والمؤسسات الرسمية، رغم اعتماد هذه الجهات على طاقة هؤلاء الجامعيين واعترافها الصريح بكفاءتهم وقدرتهم على العطاء.
ملفات العاطلين الجامعيين نقلت إلى وزارة العمل في الآونة الأخيرة، إلا أن صفة «تمكين» لا تزال عالقة بالعاطلين الجامعيين، حتى باتت تمثل إحراجاً كبيراً بالنسبة لهم، إذ توحي هذه الصفة بأنهم متدربون غير مؤهلين للعمل، في حين أن ما يقدمونه من أفكار وتصورات لتحسين مخرجات العمل وتطوير الآليات والإجراءات، تفوق قدرات الكثيرين ممن يعملون لسنوات ولم يبادروا قط لتطوير وصقل مهاراتهم بالتدريب والاحتكاك بأصحاب الخبرات، ولم يسعوا لتقديم مقترحات تسهم في القضاء على السلبيات وتعزيز نقاط القوة في مؤسساتهم.
الجامعيون العاطلون يعملون على أمل استشراف مستقبل أفضل، والحصول على وظيفة ملائمة تحفظ كرامتهم وتوفر لهم مصدر رزق يعينهم على تلبية احتياجات عوائلهم، غير أن هذا الأمل بات قابلاً للانكسار، لهشاشة الوعود المتكررة بتثبيتهم، والتي لا تصمد كثيراً مع تتابع الأيام وتوالي السنين.
ما أسوأ أن يعمل الإنسان وهو مثقل بتبعات الإحباط وانعدام الثقة في الحصول على التقدير الذي يتناسب مع حجم الجهد الذي يقدمه، إذ يجد نفسه يلهث وراء السراب معتقداً أنه ماء من شدة العطش، وما أن يقترب لا يجد سوى العدم.
والمرء المحبط مهما كان ذا حظوة من العلم والثقافة والخبرة، فإن معدل إنتاجه يتباطأ ويتلاشى وقد يصل إلى نقطة الصفر، فيصبح وجوده يشغل حيزاً من الفراغ، ولكن لا يشغل حيزاً من التأثير.
البحرين تنتج خيرة الطاقات البشرية المؤهلة والمتدربة والتي تمتلك محصلة علمية وعملية، بشهادة كبرى الدول التي تقدم عروضاً لاجتذاب هذه الكفاءات، بينما تركن هنا وتهمش، وتترك للنسيان والإهمال.
الجامعيون لا يتطلعون إلى رصد موازنات إضافية لتمديد فترة مشروع إعادة تأهيلهم وتوظيفهم، فهم ليسوا بحاجةٍ إلى إعادة تأهيل، وليس لديهم المزيد من الوقت ليهدروه من أعمارهم، وكل ما يتطلعون إليه أن تستغل هذه المبالغ في إيجاد فرص عمل لهم، وتثبيتهم في مواقعهم التي قضوا فيها أكثر من ثلاثة أعوام متتالية، بدلاً من تركهم في حلقة مفرغة بدايتها أمل ونهايتها ألم.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3609 - الثلثاء 24 يوليو 2012م الموافق 05 رمضان 1433هـ
من عند. حيله فل يحتال
كل هذه الإجراءات للهروب من الشكله الاساسيه،بعدها سيصحوا الجميع علي مشكله يعصي حلها. نسيت ظاهرة معلم الفصل .......