لا أحد يشك في قدرة أبناء هذا الوطن الأوفياء، في إفشال المشروعات الطائفية البغيضة، التي أعدتها وحاولت تنفيذها في أوساط المجتمع مجموعات تتبنى أيدلوجيات إقصائية، وثقافات غير إنسانية في مجملها وتفاصيلها، التي يقصد منها ضرب الأسس والمرتكزات الإنسانية، والتلاحم الوطني الذي رسخه الآباء والأجداد منذ وجودهم على هذه الأرض الطيبة، فالفشل الكبير الذي منيت به تلك التجمعات والمجموعات الكارتونية التي تعيش بعيداً عن طموحات وآمال الشعب، والتي تجهل كنهه، وماهيته الوطنية والإنسانية والأخلاقية، جعلها تفصح عنه بوضوح في منتدياتها وتجمعاتها التي تلاشى سريعاً بريقها المصطنع، وكُشف زيفها مبكراً لكل المكونات الاجتماعية.

نقولها بكل صراحة ومن دون مجاملة لأحد، إذا كان هناك فضل في فضح وإفشال هذه الحالة السلبية والبعيدة عن أخلاقيات أبناء هذا البلد، وأقصد المشروع الطائفي البغيض، فالفضل يرجع للشعب بمكوناته المذهبية المختلفة، وتياراته الوطنية، الذين أثبتوا بكل جدارة ضبط نفوسهم، وكظم غيظهم في أحلك الظروف، لعلمهم الأكيد، وإدراكهم الكامل، أن الاندفاع وراء فكرة البغض والكراهية الطائفية هو مطلب لكل من يريد إضعاف هذا الوطن نفسياً، ومعنوياً، واجتماعياً، وسياسياً، وأن التجمعات الطائفية التي حملت على عاتقها مشروع تفتيت المجتمع عن طريق ضربه تحت الحزام بقوة، وكان همها الوحيد التسلق على أعناق أبنائه للوصول إلى مآربهم الشخصية.

نباهة إنسان هذا الوطن أسهمت في تعرية كل الأفكار الهدامة التي تنادي بالتفرقة الطائفية، فالعالم الإنساني بمختلف اتجاهاته الدينية والسياسية والاقتصادية يشيد بوعي وإدراك هذا الشعب، ويغبطه تارة، ويحسده تارة أخرى على عمق العلاقات الاجتماعية والوطنية والإنسانية التي يتحلى بها منذ الأزل، وعرف أن الصعاب والخطوب والمصائب، والبلايا الكبيرة والصغيرة لا يمكنها مجتمعة أو متفرقة خدش علاقاته الإنسانية، فهو أقوى من كل رأي أو فعل، أو سلوك يريد له الشر.

فقد أثبت للبشرية أن حاسة الخير عنده قوية جداً، ومناعته ضد الأمراض الطائفية التي تؤدي إلى إسقاطات نفسية بمستوياتها المختلفة ليس لها حدود، وأن أولئك الذين صعَّدوا من نبرتهم الطائفية في الأزمة السياسية بأعلى درجاتها، وعملوا جاهدين لجر الناس إلى منحدر طائفي خطير جداً، مستخدمين كل الوسائل المتاحة لهم، وبذلوا المال والجهد من أجل إنجاح خطتهم، غير عابئين بمصلحة الوطن والمواطن، هاهم يختلفون على مصالحهم الشخصية، وقد جرى هذا الاعتراف على ألسنتهم بقصد أو من دون قصد، وبان حجم اختلافهم على مصالحهم الشخصية بكل وضوح لعامة الناس، ووضح جلياً في تقريرهم الأدبي الأسباب التي أوجدتهم الساحة السياسية، وحقيقة ما كانوا يفعلونه في الوطن وفي مكوناته الفاضلة، وكشفوا عن مقاصدهم الخطيرة على رؤوس الأشهاد وفي الصحافة، من دون أن يبدوا تأسفاً لهذا الشعب المسالم.

إن ما حدث من فشل كبير لمشروعهم الطائفي البغيض، الذي يستهدف الطائفتين الكريمتين على وجه الخصوص، يجسد بوضوح الآية الكريمة في قوله تعالى (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ) سورة الرعد(17)،من المؤكد أنهم يعلمون يقيناً أن التفرقة الطائفية، والبغض والحقد، وبث روح الكراهية بين مكونات المجتمع ليست أهدافاً سامية يرتجى منها منفعة للناس، ويعلمون أن المنفعة الحقيقية لهذا الوطن هي ترسيخ الروح الإنسانية والوطنية، في نفوس الأجيال في مختلف الأزمان، وفي جميع الأحوال والظروف، وجعلهم كالجسد الواحد كما هم، همهم واحد، وفرحهم واحد، ومشاعرهم الإنسانية واحدة، وهمومهم الوطنية واحدة، وأمنياتهم وآمالهم وطموحاتهم واحدة، وأهدافهم التنموية واحدة، ورسالتهم الإنسانية واحدة، ومصيرهم واحد. ويعلمون أن التجسيد الحقيقي للإرادة الإلهية تلزم جميع العرب والمسلمين الاعتصام بحبل الله، وتنهيهم عن التفرق والتشرذم، ولكن النفس الأمارة بالسوء إذا ما تغلبت على بقية النفوس الخيرة، تصيب من يهرول بخطوات واسعة لتحقيق مصالحه الخاصة بالعمى، وتجعله لا يرى إلا بين قدميه.