بعد اشتداد القتال في العاصمة السورية دمشق وبعد استماتة عائلة الرئيس بشار الأسد التي تحكم البلاد منذ أربعة عقود من أجل الصمود في وجه انتفاضة متنامية واجهت دائرته المقربة هزة قوية بانفجار أودى بحياة عناصر رئيسية فيها.
في مركز دائرة الأسد يقف بشار الذي ورث الحكم عن والده في العام 2000 ويرى أنه يحارب مؤامرة حيكت ضده وضد سورية ويعتقد أصدقاؤه وأعداؤه على السواء أنه ينفصل عن الواقع بشكل متزايد. ومن حول الأسد دائرة ضيقة من أفراد عائلته وعشيرته ومؤسسة أمنية معظم أفرادها من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها. في هذه الدائرة يتولى هشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي مسئولية التنسيق الأمني وكان داود راجحة يتولى منصب وزير الدفاع وآصف شوكت زوج شقيقة الأسد منصب نائب رئيس أركان القوات المسلحة.
وقال التلفزيون السوري إن راجحة قتل في انفجار الأربعاء الذي استهدف مبنى الأمن القومي في دمشق أثناء اجتماع عدد من الوزراء والأجهزة الأمنية. وذكر تلفزيون «المنار» أن شوكت قتل في الانفجار. كما ذكرت مصادر أمنية أن بختيار يخضع لعملية جراحية إثر إصابته في الانفجار نفسه. وقال التلفزيون الرسمي السوري في خبر عاجل «التفجير الإرهابي الانتحاري الذي استهدف مبنى الأمن القومي بدمشق وقع في أثناء اجتماع وزراء وعدد من قادة الأجهزة المختصة». ومن شأن التفجير أن يحدث هزة قوية في دائرة الأسد المقربة التي تضم أيضاً المستشار الأمني، علي مملوك ورئيس المخابرات العسكرية، عبد الفتاح قدسية إضافة إلى محمد ناصف خير بك وهو مسئول مخضرم من عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار.
قال أيمن عبد النور الذي عمل مستشاراً لبشار الأسد حتى العام 2007 وأصبح الآن من الشخصيات المعارضة إنه يعتقد أنه حتى الأشخاص الذين يحبون الأسد يشعرون الآن أنه لم يعد بمقدوره توفير الأمن وأنه عديم الفائدة ومنفصل عن الواقع. وأضاف أن الأسد يرى نفسه نبياً مرسلاً من الله لحكم سورية وإنه يستمع إلى متسلقين حوله يقولون له إنه هدية من السماء. وقال إن الأسد مقتنع بأنه على حق وبأن من يعارضه خائن. وذكر أن العديد من اصدقائه المقربين ومستشاريه نأوا بأنفسهم عنه أو نفوا أي صلات به. وقال سياسي لبناني قريب من الدائرة الحاكمة في سورية إن الأسد يتولى قيادة وحدة عسكرية لإدارة الأزمات ويتخذ كل القرارات اليومية من انتشار وحدات الجيش إلى المهام الموكلة للأجهزة الأمنية بالإضافة إلى تعبئة الشبيحة الذين اتهموا بارتكاب سلسلة من المذابح خلال الشهرين الماضيين. ومن أبرز عناصر دائرة الأسد المقربة ماهر الأسد الشقيق الأصغر لبشار وثاني أقوى رجل في سورية والذي يقود القوات الرئيسية المؤيدة للنظام. وقال السياسي اللبناني إن ماهر ضالع بشكل مباشر في المواجهة على الأرض ويتولى مسئوليات عسكرية مباشرة. ويقول محللون إن الدائرة المقربة بدأت تدرك أنها تواجه أزمة خطيرة.
وقال السياسي اللبناني إن اللهجة المستخدمة أصبحت أكثر واقعية لأن وضع النظام وصورته تضررت. وأكد عبد النور أن لا يوجد اتجاه ذاتي في طريقة عمل وحدات الحكومة سواء فيما يتعلق بقصف أحياء المعارضة من قبل عربات ماهر المدرعة أو قتل الشبيحة لقرويين وقال إن كل الوحدات تعمل تحت قيادة بشار وكلها تربطها ببعض صلات قرابة. ولكل منطقة في سورية قائد شبيحة خاص بها. ويقود شبيحة لهم صلات بالأسد العديد من المدن المركزية. وقال بشار الأسد البالغ من العمر 46 عاماً الشهر الماضي إن سورية في حالة حرب وأمر حكومته ببذل كل ما في وسعها لتحقيق النصر على المعارضين الذين يصفهم بالإرهابيين. وقال الأسد وهو طبيب عيون سابق «عندما يقوم الجراح بقطع وتنظيف وبتر هل نتهمه بأن يديه ملطخة بالدماء أم نشكره لإنقاذ حياة المريض؟»، ويعتقد بعض المراقبين لدهاليز السياسة في سورية أن محاولة الأسد إحكام قبضته على قواته لن تحميه بالضرورة من الإطاحة به من الداخل إذا بدا أنه لا يمكن له الانتصار عسكرياً. وقال باتريك سيل الذي كتب سيرة لحافظ الأسد «الأسد رجل في الواجهة لمؤسسة أمنية كبيرة تضم 300 ألف جندي في الجيش النظامي. لديه زمرة صغيرة تزوده بالمعلوما ت، لكن من الممكن أن يقوموا بانقلاب عليه ويبقى هذا تهديداً كبيراً».
وبعد 16 شهراً من اندلاع الانتفاضة في سورية وصل الصراع إلى كرسي الحكم في دمشق. وتتقاتل القوات الحكومية وقوات المعارضة بشراسة من يعرف ماذا سيحدث له إن هو خسر المعركة. وقال السياسي اللبناني القريب من دائرة الحكم في سورية إن الوضع في سورية هو إما أن تقتل وإما أن يقتلك آخرون. وقال دبلوماسي غربي «يقاتلون كالذئاب». وعلى الرغم من تعذر التحقق مما يحدث على الأرض بسبب استبعاد وسائل الإعلام المستقلة إلى حد كبير من العمل في سورية يرى مراقبون أن الصراع تحول الآن من انتفاضة في بلدات وقرى فقيرة إلى حرب أهلية وصلت إلى شوارع العاصمة. وأصبح الصراع أيضاً حرباً بالوكالة بين روسيا وإيران اللتين تدعمان الأسد من ناحية والسعودية وتركيا وقطر التي تمول وتسلح المعارضين السوريين من ناحية أخرى. ويشمل المعارضون الآن الجيش السوري الحر وهو مجموعة من المنشقين عن الجيش انضم لها شبان سنة وجهاديون ينتهجون أسلوب تنظيم «القاعدة» وأعضاء في الإخوان المسلمين وليبراليون سنة يطالبون بالديمقراطية. ويجرى تهريب الأسلحة عبر الحدود من لبنان وتركيا والعراق والأردن.
وعلى الرغم من سيطرة المعارضين السوريين على بعض المناطق فإن المعارضة السياسية السورية في الخارج مازالت تعاني من انقسامات وتفقد نفوذها. وفي الوقت ذاته تفقد الحكومة قدرتها على بث الخوف. وارتفعت وتيرة الانشقاقات بين كبار الضباط والمسئولين في الأسابيع القليلة الماضية لكن العمود الفقري للجيش لم يتأثر بسبب تضامن العلويين معه. وقال دبلوماسي غربي كبير «النظام السوري يغرق ببطء. لا أعرف الجدول الزمني لكن أصبح من الصعب على الدولة السيطرة على البلاد. الأمر أشبه بعربة إطفاء تذهب لإخماد حريق فتجد حريقاً في مكان آخر». وأضاف «الجيش منهك والحكومة تحت العقوبات وهناك تآكل للسلطة». وانشق العديد من السنة عن صفوف الشرطة والجيش وأجهزة الأمن أو امتنعوا عن الذهاب إلى أعمالهم. ويقول سكان إن معظم رجال المرور وأفراد الشرطة في نقاط التفتيش هم من العلويين الذين يمكن التعرف عليهم من لهجتهم. وتقع مسئولية الدفاع عن عائلة الأسد أساساً على الكتائب التي يقودها ماهر الأسد. ويقول سكان إن الإشارة الوحيدة على وجود الحكومة في المدن التي تقع على حدود العاصمة ومشارف دمشق هي الدبابات وناقلات الجند المدرعة التي تتمركز على الطرق الرئيسية. ولم يعد هناك أي وجود لشرطة المرور أو غيرها من الشرطة. ولم يصدق السكان أنفسهم حين رأوا المعارضين يقفون في نقاط التفتيش ويغلقون شوارع ويشتبكون من القوات الحكومية في دمشق. وقال أحد السكان عبر الهاتف «قبل أيام قليلة كنا نقول إنه أمر مستحيل. هذا مؤشر خطير». وقال سوريون في اتصالات هاتفية إن القوات الحكومية تخشى دخول بعض مناطق المعارضين وتستخدم المدفعية وطائرات «الهليكوبتر» لقصف مواقع المعارضة.
ويقول مراقبون للوضع في دمشق إنه على الرغم من تراجع قوة السلطات السورية فإنهم يشكون في أن يتمكن المعارضون المزودون بأسلحة خفيفة من هزيمة جيش تدعمه دبابات روسية وناقلات جند مدرعة وطائرات حربية. وقال سيل «اهتز ثبات الأسد ونظامه كثيراً لكن هناك شكوكاً في إمكانية إطاحة المعارضين به للاسباب التالية: حماية روسيا وانقسام المعارضة والعزوف عن التدخل العسكري». لكنه أضاف «لا يمكن لنظام البقاء للأبد... لا يمكنني أن أرى تسوية سلمية في الوقت الحالي. أرى جموداً دامياً والمزيد من إطلاق النار والمزيد من القتل. تزداد عمليات الخطف والقتل وأخذ الرهائن والتطهير العرقي». وأضاف أن أجهزة الأمن التابعة للأسد لن تتخلى عنه إلا إذا شعرت أنه سيكون لها دور من بعده. ورغم الفوضى والفشل الذي شاب جهود السلام الدولية حتى الآن يقول دبلوماسيون غربيون إن تدخلاً عسكرياً على غرار ما حدث في ليبيا أمر غير مطروح بسبب التعقيدات السياسية والخوف من اندلاع صراع شامل في المنطقة. وقال السياسي اللبناني «ليبيا مختلفة عن سورية... روسيا لها دور على الأرض وتدعم الأسد. وتقدم إيران الكثير من المساعدات المالية والعسكرية لنظام الأسد». وأضاف أن روسيا وإيران لا تمدان الأسد بالأسلحة وحسب وإنما تزودانه بأجهزة للتشويش على اتصالات الجيش السوري الحر. وينصب تركيز الولايات المتحدة وقطر والسعودية على محاولة حض كبار المسئولين والضباط في سورية على الانشقاق عن دائرة الأسد لإضعاف قبضته على السلطة. وقال الدبلوماسي الغربي «سيشعرون عند نقطة ما أنه لا سبيل للخروج وإن عليهم القفز من السفينة قبل أن تغرق». ويقول العديد من المراقبين إنه في غياب التدخل العسكري الخارجي فإن الصراع قد يتطور إلى حرب أهلية شاملة تضعف عائلة الأسد أكثر وتدخل لاعبين جدداً إلى الساحة وتفرض نقلاً للسلطة تحت إشراف دولي. وقال أيهم كامل من مجموعة أوراسيا «لم يفقد النظام السيطرة بالكامل. سننتقل إلى حرب أهلية. أصبحت المعارضة أكثر قوة وقدرة على المستوى المالي والعسكري بمساعدة السعودية وقطر وتركيا». وأضاف «سيصبح النظام أضعف تدريجياً... سيأتي التغيير بطريقتين... إما بحدوث تغير في ميزان القوى في الصراع أو بحرب أهلية طويلة أو بتسوية يجرى التفاوض عليها وخطة انتقال دولية ترعاها الولايات المتحدة وروسيا». وقال «حتى إذا ذهب بشار فإن هذا لا يعني أن أحداً سيتولى السلطة» في إشارة إلى سقوط سورية في فوضى طائفية. وقال مواطن سوري «تغير السؤال الذي يطرحه سكان دمشق. لا يسألون إن كان النظام سيسقط بل يسألون متى سيسقط؟».
العدد 3604 - الخميس 19 يوليو 2012م الموافق 29 شعبان 1433هـ
بو حسين
اللهم انصر المجاهدون الاحرار \r\nاللهم زلزل بشار وأركانة وزدهم زلزله \r\nمع هذا الشهر الكريم يأرب