ماذا يعني أن تنسى؟ ماذا يعني أن تتذكّر؟ ما هو حجم تأثير أي منهما عليك من حيث النسيان والتذكّر؟ أسئلة لا تغيب عن أي منّا في تفاصيل حياة لا تخلو من الاثنين. وفي اللغة، نِسْيان، مصدر نسِيَ، وصار في طيّ النسيان أي اضمحل ذكرُه. وأكثر ما يمثل صعوبة للإنسان أن تحتويه تلك المساحة (النسيان)؛ وخصوصاً إذا ما كان موضوعه مسّاً بقيمته وكرامته والإمعان في إهانته.
أن تنسى في حدّك العاطفي الضيّق. أن تنسى ضمن ما يمكن نسيانه شيء لا تملك أن تدّعي عدم قدرتك عليه. الوقت والزمن كفيلان به؛ لكن نحن في صدد ما مسّك ومسّ من حولك من صنوف الامتهان للكرامة والغلظة والتجاوز في التعامل والاستعراض في الحطّ من قيمتك، مع ما يرفد ويدعم كل ذلك من منابر تهلّل وتكبّر وتطبّل وتبرّر وتدعو إلى المزيد. حتى النسيان ضمن كل ذلك لا خيار له في أن ينسى!
في تفشّي الوشايات من عدم موضوع، هكذا للوشاية فحسب، وفي الاستهداف من أجل الاستهداف، لن يلومك أحد حين تجنح بخيارك في اتجاه أن تكون ناقماً وحاقداً على كل ما ومن تسبّب في ذلك. ذلك أقلّ حقك في الشعور والموقف مما حدث. البعض سيجد ذلك صفاقة وقلّة حس، وإذا لم يخجل؛ سيجد في ذلك ارتباطاً بأكثر كلمة باتت تبعث على القرَف والغثيان (أجندات خارجية)؛ حتى لو كادت روحك أن تُنتزع في مختبرات الاستفراد بها؛ إذ لا يعلم بمداخلها ومخارجها إلا الله، عليك أن تصبر وتحتسب وتتجنّب الفتن ما ظهر منها وما بطن كي تكون مواطناً صالحاً؛ عدا ذلك أن موضوع الخيانات لها أولُ ولكن لا أحد يجزم بإمكانات تحديد نهايات لها! وبعد ذلك عليك أن تنسى!
الأطراف التي تسبّبت في انتهاك قيمتك وكرامتك، هي التي تطالبك بالاعتذار ولو في صورة نسيان ما حدث لك! من دون ذلك تظل مصدر قلق ومصدر إنتاج لمزيد من الإهانة والانتهاك واستباحة كل حق توهّمتَ أنه لك! مثل ذلك ليس توهّماً أو ادّعاء أو تجرؤاً. إنه واقع قائم ولا يمكن التغافل عنه أو القفز عليه في أية صورة من الصور وتحت أي تبرير كان. يمكن معاينته في وجوه الذين كانوا ضحايا تلك الإهانة والاستباحات، وهم بالمناسبة ضيوف تطول إقامتهم، ولا تقتصر على عادات العرب في ثلاثة أيام يبذل فيها المضيف كل ما يملك من أسباب وفادة وقيم ترحيب وحفاوة. إنه ترحيب وحفاوة من نوع آخر! ثم إنه يُراد لك أن تنسى كي يتم استئناف الأدوار نفسها عليك، وربما في صور وأشكال وزوايا ومداخل أكثر ابتكاراً. إذا نسيت لن تكون على حين غرّة مما سيطولك بعدها من ابتكار وتطوير وإعادة إنتاج ما حدث لك. ذلك أمرٌ تحرص عليه الجهات التي لا ترى تذكّرها إلا في نسيانك.
حين تنسى، تتيح لمن استباح حقك في الكرامة والحياة ومارس عليك كل أصناف الإهانة والسادية ألاّ يسأم أو يشعر ذات تحوّل أنه سيحال إلى متحف أو جهة قضائية ستقتص لك منه. هذه الكتابة لا مزاج لها في السخرية بقدر ما تتقصّى مدى الاستهانة بالكائن البشري إلى هذه الدرجة من الصفاقة وبرود الأعصاب وانعدام الدم.
المشكلة أن الذين لم يطلهم شيء من ذلك الجحيم؛ بل العكس من ذلك، كان بمثابة جنّات وفرص لن تتكرّر بما تحقق لهم من امتيازات وخيرات يتوهّمونها، باتوا يحدّدون ويلعبون على أكثر من وصايا عشر. مع كل ما يتم رصْده وقراءته نتحدث هنا عن آلاف الوصايا التي يجب على جهات الإهانة والحطّ من قدْر الإنسان وقيمته أن تأخذ بها لا لكي تحصّنها وتضمن استمرارها فحسب؛ بل ستضمن امتيازاتها والخيرات أيضاً!
لكن في النهاية، من يحدّد موضوع النسيان أو التذكّر؟ من طاله كل ذلك؛ أم من مارسه؟ ذلك أمرٌ أو سؤال هو في مرمى الاتهام أيضاً هذه المرة، وعلى من يصرّح به أن يمهّد نفسه كي يكون موضوع إهانات ضمن خطط لا تُنسى وتريد لأطراف موضوعها أن ينسوا كل ذلك.
كأنَّ النسيان بكل ما يحصل ويتم إقراره باعتباره أمراً طبيعياً، ليس من حق الإنسان في محيط لا يتورّع عن استلال الأرواح كما يستلّ شوكة من قدمه كي يشعر بسكينة واستقرار، وفي الوقت نفسه، كأنَّ التذكُّر إهانة لكل تلك الممارسات وفضح لها وتعرية!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3603 - الأربعاء 18 يوليو 2012م الموافق 28 شعبان 1433هـ
النسيان
مقال جميل معتاد للأستاذ جعفر
النسيان مطلوب إذا ما حدث كان غفلة وتم تدراكه
أما إذا كان مخططا نابعا عن توجه فكري وترصد نفسي فلن ننسى
ربما اصالح ولكن لن أنسى من سلب حقي وإذا صالحت فعن اقتدار وإلا فلا
آثار خالدات على خطوط ... الذكريات
آن لنا أن لا ننسى ونلقي بأيامنا للظلام البهيم ، وغوائل الزمن ،وعوادي الأيام .
فهناك سيطرة ،
وهناك استغلال ،
وهناك ... هناك
هناك أجواء مُلبّدة بغيوم التضليل والأوهام والفساد والإرتباك .
وهنا ... للتذكّر و للذكرى
آن لنا أن نؤمن بأنفسنا في ميادين العمل والنضال .
؛لنعرج في معارج عدل الله
نحو سماء التقدم والخلاص من " النسيان "
فزمان الحق
جميل يستطيل .
وتحياتي لكم ... نهوض