قد يبدو من حيث عدده الرتبيّ أمراً عادياً فهو التاسع في تاريخ حركة النهضة الإسلامية التونسية، لكنه الأوّل وبشكل علنيّ وفي ظلّ ظروف وحيثيّات لم تعرفها الحركة منذ تأسيسها: نعم يأتي هذا المؤتمر - الذي أنهى أشغاله مع كتابة هذه الأسطر - وقد تربّعت الحركة الإسلامية على السلطة في ظلّ ائتلاف حكوميّ تمثل فيه حركة النهضة المكوّن الرئيسي: ائتلاف صار محطّ أنظار الداخل والخارج بين معجب وناقد بحكم التباعد الإيديولوجيّ النسبيّ بين مكوّناته لكن ما قد تفرّقه الإيديولوجيات أياماً توحده السياسة والمصلحة العليا للوطن يوماً ما، ذلك ما اجتمعت عليه حركة النهضة مع المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتّل.
كما تزامن انعقاد هذا المؤتمر التاسع لحركة النهضة مع الصعوبات العديدة التي تمرّ بها الحكومة الانتقالية المؤقتة والامتحانات الصعبة حيث لا تكاد تنجح في واحدة حتى تتعثر في الأخرى ولا يشفع لهذا التعثّر سوى صعوبة بدايات الإصلاح والبناء بعد عقود من الفساد. وأخيراً وليس آخراً يتزامن المؤتمر مع احتداد الصراع مع المعارضة الموسومة بالعلمانية من جهة وكذلك حالة المد والجزر مع التيارات الإسلامية الأخرى والراديكالية منها بالخصوص.
هكذا وبعد عقود من العمل السريّ والإقصاء والتهميش والاضطهاد تجد الحركة نفسها في الحكم وهي تعقد مؤتمراً من الحجم الثقيل بحضور ما لا يقل عن 500 صحافي من الداخل والخارج فضلاً عن شخصيات سياسية وفكرية محلية وعربية ودولية... لكن إلى أيّ مدى يمكن أن يكون هذا المؤتمر التاسع فرصة لحسم قضايا جوهرية تؤرق الحركة: هل الحركة حزب ديني أو مدني؟ أين هي من حلم البداية؟ ما مدى قدرتها على تجديد الخطاب الديني في تونس الآن بالذات؟
لا يختلف اثنان أن تونس التي شهدت أوّل ثورات الربيع العربي لاتزال محلّ اهتمام السياسيين والدارسين مغرباً ومشرقاً؛ فالتجربة الديمقراطية الوليدة من رحم ثورة شعبية سلمية والتي بوّأت انتخاباتُها الحرة والمستقلة حركةَ النهضة موقع الصدارة في الخريطة السياسية بالبلاد وجعلتها في قلب المعركة السياسية تبقى محطّ الأنظار بين مستبشر بها خيراً ومتوجّس منها خيفة، ويكاد يجمع الكثير من المحللين أن نجاح تونس في تجربتها الديمقراطية وبمشاركة الطيف السياسي الإسلاميّ هو مفتاح نجاح للتحولات التي حصلت في شمال إفريقيا خاصة.
من هنا جاء الاهتمام بحركة النهضة وبمؤتمرها التاسع حيث لاتزال تؤكد الحركة أنها حزب مدني ذو مرجعية إسلامية تؤمن بالتعددية ولا تقصي الآخر وأنها مع الحل الإسلامي لكن بمراعاة ظروف الناس ومقتضيات التدرج كي لا يخاف أو ينفر المسلمون من الحل الإسلاميّ. وهذا ما يردنا إلى حلم البدايات المتمثل في قيام الدولة الإسلامية التي تحكم بشرع الله وذلك ما يفهم من وثيقة 1986 في ما يسمى بـ: «الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي»، لكن اليوم صار مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية عند قيادات النهضة وخاصة الموجودين في أعلى هرم السلطة أشمل من أن يكون مجرد حدود وأحكام بل هي مقاصد كلية محورها فكرة الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأمّا إذا تحققت شروط تطبيق الشريعة في مجتمع عادل وحرّ فلا مناص حينئذ من تطبيقها.
أما على مستوى الخطاب الديني في تونس والآن بالذات فهو مدعاة للقلق فلطالما تميز الخطاب الديني التونسي منذ أكثر من قرن بالتسامح والانفتاح ولعل اختيار الشيخ ابن عاشور عنوان تفسيره للقرآن «التحرير والتنوير» خير دليل على ذلك ثم تبعه وعلى غراره زمرة من العلماء والمفكرين جعلوا من تونس منارة للفكر الحر المنفتح المغتذي والمعتز بأصوله الإسلامية، غير أن موجة من التشدد تصاعدت أخيراً وجعلت الخطاب الديني يمرّ بامتحان صعب حيث تجاوزت بعض الجماعات الإسلامية المحسوبة على التيار السلفي حدود القول إلى الفعل فأربكت تحركات بعض رجال السياسة وعطلت بعض الأعمال الفنية ومنعت بعض المثقفين من إلقاء محاضراتهم وأربكت تبعاً لذلك حسابات حركة النهضة وزجّت بها في امتحان صعب بين ضرورات الديمقراطية وضوابط الدين من منظور «ما» وهو ما يدعو الجيل المستقبلي للحركة ومفكريها وعلى رأسهم الشيخ «الحكيم» راشد الغنوشي، البالغ من العمر 71 عاماً ورئيس حركة النهضة منذ سنة 1991، والذي يصفه المراقبون بأنه رجل «الوفاق» بين الجناحين المعتدل والمتشدد داخل حركة النهضة إلى مزيد إعمال الفكر من أجل ترشيد الخطاب الديني.
هكذا لاتزال الحركة في حاجة إلى من يكشف عيوبها وأخطاءها أكثر من حاجتها لمن ينفخ في صورتها ويوهمها ويتوهّم معها أنها على صراط مستقيم تخيّلاً أو محاباة، بل لعل من نقاط قوة الحركة الوعي الداخلي بأنّ ما تنجزه في الممارسة لم يرتقِ بعد إلى مستوى المأمول وذلك ما صرّح به أكثر من مسئول حكومي من حركة النهضة. ولكن بالمقابل لا يجب إنكار الأعمال المهمة التي تحققت إلى حدّ الآن خاصة على المستوى الاقتصادي ومقاومة الفساد أو إيقافه على الأقلّ. فأي مستقبل لحركة النهضة بعد إعادة انتخاب الزعيم التاريخي لها راشد الغنوشي رئيساً للحركة كما هو متوقّع؟ وأيّ مكان لها في الحياة السياسية بتونس بعد أن مارست السلطة؟ وإلى أي مدى هي قادرة على الاستفادة من أخطائها ولمّ شمل العائلة الإسلامية السياسية في تونس والارتقاء بالخطاب الديني إلى ما ينتظره التونسيون؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3601 - الإثنين 16 يوليو 2012م الموافق 26 شعبان 1433هـ
حركة النهضة
ربما الأحرى أنها بين ضغط الديمقراطية والدولة المدنية من جهة وضغط الأحزاب السياسية الراديكالية الإسلامية
فعلا هي في وضع لا يحسد عليه
تجربة رائدة
تجربة الحركة الاسلامية في تونس رائدة ونتمنى لها التوفيق
وهي في كل حال تتعلم من أخطائها
وصف دقيق لوضع تونس
تزامن انعقاد هذا المؤتمر التاسع لحركة النهضة مع الصعوبات العديدة التي تمرّ بها الحكومة الانتقالية المؤقتة والامتحانات الصعبة حيث لا تكاد تنجح في واحدة حتى تتعثر في الأخرى ولا يشفع لهذا التعثّر سوى صعوبة بدايات الإصلاح والبناء بعد عقود من الفساد. وأخيراً وليس آخراً يتزامن المؤتمر مع احتداد الصراع مع المعارضة الموسومة بالعلمانية من جهة وكذلك حالة المد والجزر مع التيارات الإسلامية الأخرى والراديكالية منها بالخصوص.
مؤتمر مهم استرعى انتباهنا
هنيئا لتونس بهذه الديمقراطية ونرجو أن تكون الحركة الاسلامية في مستوى المامول
صحيح تونس في صلب اهتماماتنا في المشرق
لا يختلف اثنان أن تونس التي شهدت أوّل ثورات الربيع العربي لاتزال محلّ اهتمام السياسيين والدارسين مغرباً ومشرقاً؛