لم يكن الاستاذ حمد علي الرميحي رجلاً عادياً... بل كان رجلاً مميزاً، وشخصية فريدة من نوعها، جمع العديد من القيم والخصال الحميدة التي من النادر أن تتجمع في شخص واحد. فقد كان مخلصاً، محباً للخير سخياً، صادقاً، على درجة كبيرة من كرم الأخلاق وطيب المعشر. إضافة إلى كونه مثقفاً واعياً محباً للعلم والمعرفة، وكان قمةً في التواضع والنزاهة ومساعدة الآخرين.
تعرفت عليه في سبعينيات القرن الماضي حين كان يعمل مسئولاً عن التخطيط التربوي بوزارة التربية والتعليم، وكنت حينها أعمل مسئولاً بالمكتبة العامة بالمنامة، ثم رقي إلى وكيل وزارة مساعد للتخطيط التربوي حيث ضمت وكالته عدة إدارات وأقسام من بينها: التوثيق التربوي، وقسم تقنية المعلومات، إضافة إلى إدارة التخطيط التربوي. وهو يُعد المؤسس للتخطيط التربوي وإدخال خدمة تقنية المعلومات بالوزارة. كما عُرف بعطائه الجم وتطويره المستمر لجميع الإدارات والأقسام التي كان مسئولاً عنها.
وعلى رغم عظم هذه المسئولية والعدد الكبير من الموظفين والموظفات الذين يعملون تحت مسئوليته، إلا أنهم جميعاً يكنون له كل التقدير والاحترام. وأستطيع الجزم أن وزارة التربية والتعليم لم تشهد في تاريخها - على الأقل منذ أن عملت فيها أكثر من أربعين عاماً - لم تشهد إجماعاً على شخص واحد يكنّ له الجميع الحب والمودة والاحترام والتقدير كالأستاذ حمد الرميحي، الذي جمع العديد من القيم السامية، ومن بينها نبذه للطائفية بكل أشكالها. فقد كنت ملاصقاً له وشاهداً على جزء من حياته، فوجدته كذلك يمقت الطائفية ويحذّر الجميع من أن تتلوث نفوسهم بهذا الداء الخطير الذي إن حدث فإنه سيؤدي إلى تفكيك المجتمع وتخريب نسيجه الاجتماعي، وبالتالي ضياع المجتمع.
وكان ينظر إلى الجميع بعين الرحمة والشفقة، ما جعل الموظفين بوزارة التربية والتعليم يتمنون أن يكون مسئولوهم على شاكلته. إن تلك القيم والخصال التي كان يتحلى بها الراحل الكبير حقيقة لمسناها وعشناها معه فكان ابن البحرين البار. وكان إلى جانب تلك الصفات الحميدة مطلعاً، شغوفاً بالقراءة، مثقفاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. وعندما قرّر علي محمد فخرو في العام 1989 (وكان وزير التربية والتعليم آنذاك) إلزام جميع المسئولين بالوزارة من مديرين ووكلاء دخول برنامج دبلوم الإدارة بجامعة البحرين للتعرّف على أصول علم الإدارة والتعاطي مع أحدث نظرياتها... وجدته متحمساً للدراسة، وعلى دراية كبيرة بعلم الإدارة. وكنا نتبادل الكتب الإدارية التي يقتنيها كل واحد منا أو تلك المتوافرة بالمكتبة العامة بالمنامة. وقلت له ذات يوم ونحن نتحاور عن بعض النظريات الإدارية، أن دراسة علم الإدارة مهم جداً... ولكن هناك من يملك خبرة إدارية تستحق أن تدرس... وكنت أشير إليه.
كان حقاً مدرسة في العلم والتواضع وسمو الأخلاق، وكان أحد رجالات البحرين المخلصين. كان ظاهرة فريدة من نوعها لم تغرِه الدنيا بمتاعها، بل كان رجل المواقف النبيلة والقيم الصالحة التي شهد له القاصي والداني. ورحيله خسارة فادحة للمجتمع برمّته، إلا أنه لا اعتراض على إرادته تعالى وعنده نحتسبه.
لقد كان حزني عليه مضاعفاً، فإلى جانب رحيله من دار الدنيا إلى دار الآخرة حيث الخلود والراحة الأبدية، فقد علمت برحيله وأنا خارج تراب الوطن ما ضاعف من حزني عليه وترك في النفس لوعة وحسرة.
رحمك الله يا أبا علي وأسكنك فسيح جناته وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان إنه سميع مجيب.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 3597 - الخميس 12 يوليو 2012م الموافق 22 شعبان 1433هـ
راحت رجال التربية الأوائل وعشعشت الطائفية البغيضة التي أوصلتنا الى ما نحن فيه، والآتي أدهى وأمر..
جمع العديد من القيم السامية، ومن بينها نبذه للطائفية بكل أشكالها. فقد كنت ملاصقاً له وشاهداً على جزء من حياته، فوجدته كذلك يمقت الطائفية ويحذّر الجميع من أن تتلوث نفوسهم بهذا الداء الخطير الذي إن حدث فإنه سيؤدي إلى تفكيك المجتمع وتخريب نسيجه الاجتماعي، وبالتالي ضياع المجتمع.