كانت مدينة طرابلس اللبنانية الشمالية خلال الأيام الأخيرة مسرحاً لصدامات جرت تغطيتها إعلامياً بكثافة، بين جماعات سياسية وعرقية متنوعة. إلا أنه في الوقت الذي تتناحر فيه هذه الأقلية الصغيرة، تقف غالبية اللبنانيين ضد العنف، على شبكة الإنترنت وعلى الأرض.
بعد بدء الاشتباكات بفترة وجيزة، أدان ناشطو المجتمع المدني اللبناني انتشار العنف على الفيسبوك، والتويتر، والمدونات، وجرى تدوير نداءاتهم بالوحدة الوطنية، ونزع السلام في المدينة على شبكة الإنترنت خلال فترة قياسية. أوجد الناشطون، من خلال البناء على هذا الدعم العام صفحات إعلامية اجتماعية جديدة، جمع الكثير منها ما يزيد على ألف عضو.
يقف هؤلاء المواطنون اللبنانيون العاديون ليعبروا عن رفضهم للعنف، وبأنهم ينظمون أمورهم لإيقافه، وأنهم يرفضون في نهاية المطاف أن يبقوا صامتين.
نشرت صفحة جماعة الفيسبوك «طرابلس دون سلاح» مناشدة للسلطات المحلية والوطنية تقول: «...نحن مواطنون ندين انتشار الأسلحة في أحياء وشوارع مدينتنا طرابلس، نطلب من الدولة، وجميع السلطات السياسة والتنفيذية والأمنية والعسكرية اتخاذ كافة الخطوات الضرورية لتخليص طرابلس من السلاح المنتشر فيها. نعم لطرابلس خالية من السلاح!».
بعد هذه المناشدة، أعلن الكثير من الأفراد الرئيسيين إضراباً على اتساع المدينة احتجاجاً على العنف الذي أزهق عدداً من الأرواح، وعقدوا تظاهرة أمام المكاتب الحكومية في طرابلس لنشر الوعي بقضيتهم.
لوّح المتظاهرون بالأعلام اللبنانية وأنشدوا النشيد الوطني اللبناني، وطالبوا برد فوري وتجاوب مع مشاكل مدينتهم، مثل الفقر المنتشر، وانعدام الأمن وهما أمران مترابطان. كما ناشدوا الدولة بتوفير أمن أفضل، وكرروا الحاجة لنزع أسلحة الميليشيات. جمع الاحتجاج اللاعنفي معاً رئيس المجلس البلدي، وأعضاء في البرلمان عن تلك المنطقة، إضافة إلى زعماء من كافة الجماعات والطوائف الدينية وأعضاء من المجتمع المدني. كانت رسالتهم واضحة: يحتاج لبنان لأن يعود إلى حكم القانون، وتوفير الأمن للجميع في كافة أنحاء الدولة.
بوجود اقتتال طائفي يفرق طرابلس، وخوفاً من أن يكون لبنان ككل متوجّه مرة أخرى نحو العنف، تجاوب ناشطون آخرون من المجتمع المدني بسرعة من خلال مبادرات كثيرة، هذه المرة في بيروت. وعلى شبكة الإنترنت أظهر الشباب وطنيتهم بصور أوجدوها رداً على الوضع كتب تحتها «لا سُنّة ولا شيعة، لا مسيحيون ولا دروز. لبنانيون».
«خلاصنا في وحدتنا»، كان ذلك شعار آخر عرضه الناشطون على مدرجات المتحف الوطني في بيروت، حيث وضعوا كراسٍ بيضاء عليها أسماء ضحايا العنف الأخير، و وضعوا أعلاماً لبنانية على الكراسي التي لا توجد عليها أسماء، ويافطة كبيرة كتب عليها «يكفي!»، وجميعها تطالب بالسلام.
إضافة إلى ذلك شكل المثقفون مجموعات على الإنترنت ليقولوا «لا للحرب في لبنان»، «الصوت الثالث من أجل لبنان»، هو أحد الأمثلة على مجموعة لا حزبية ولا طائفية ولا سياسية على مستوى الجذور على شبكة الإنترنت تنشر وتوزع نصوصاً تحتج على العنف، والمحسوبية، وتجنيد الأطفال، وتلقيمهم أفكار الميليشيات والجماعات المتطرفة. وهي تستخدم المظاهرات السلمية في لبنان والخارج لتقول لا للعنف ونعم للسلام.
يناشد المجتمع اللبناني الدولة اتخاذ عمل حاسم ضد العنف، وتوزيع الأسلحة في المناطق الفقيرة، من خلال إرساء قواعد الأمن ودعم التنمية المستدامة، التي تستطيع المساعدة على إنهاء الفقر الذي يدفع العنف. المعوقات التي يواجهها لبنان اليوم حقيقية جداً. ولكن هذه الأعمال الجماعية من جانب المجتمع المدني اللبناني المتنوع والمتعدد الوجوه تظهر الأمل.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3595 - الثلثاء 10 يوليو 2012م الموافق 20 شعبان 1433هـ