في أدبيات علم التفاوض الاجتماعي والسياسي، هناك قصة كلاسيكية معروفة تطرح كنموذج شائع من نماذج التفاعل الاستراتيجي تسمى نموذج «معضلة السجين». النموذج مبني على قصة اعتقال سجينين للاشتباه في أنهما مشتركان في جريمة، وقد تم وضع كل منهما في حجرة منفصلة بحيث لا يستطيع الاتصال بالآخر. ودون اعتراف أحد المتهمين على الأقل، فإن السلطة القانونية الممثلة في النائب العام تخبر كل متهم بالعواقب التالية لاعترافهما:
أولاً: إذا اعترف أحد المتهمين ولم يعترف شريكه فإن الذي اعترف سيطلق سراحه لتعاونه مع السلطات، أما المتهم الثاني فسيعاقب بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات.
ثانياً: إذا اعترف كلٌ من المتهمين، فإن كليهما يعاقب بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات.
ثالثاً: إذا لم يعترف كلٌ من المتهمين فإن كلاً منهما يذهب للسجن لمدة سنة واحدة.
المعضلة في هذا الموقف تتمثل في أن أفضل الحلول يكمن في الخيار الثالث، أي عدم الاعتراف وقضاء سنة واحدة في السجن، ولكن دون القدرة على الاتصال للتنسيق بينهما، فإن هناك إغراءً كبيراً قد يتملك أحد المتهمين (اللاعبين) بأن يخدع (اللاعب) الآخر ويغيّر شهادته الرسمية ليحقق أحسن نتائج له، ويصبح مطلق السراح كما في الخيار الأول.
ومن هنا فإن استراتيجية المتهمين ستتجه في الغالب إلى الاعتراف بارتكاب الجريمة على رغم أن هذا الاعتراف من كليهما سيتسبب لكل منهما في قضاء خمس سنوات في السجن، وهو أمر غير مرغوب فيه ولكنه من الناحية العملية أفضل الاختبارات لأنه يتيح أكبر قدر من الأمان المفتقد. ففي هذه الحالة يعترف كلٌ منهما ويمضيان خمس سنوات في السجن بدلاً من أن يضع أحدهما ثقته في الآخر بعدم الاعتراف لكي يكون الناتج لكليهما سنة واحدة فقط وهذا ما يسمى بـ «عقلانية الأمان».
نموذج «معضلة السجين» في رأيي تشبه - من نواحٍ كثيرة - واقع الحال في بلدنا والتجاذب الحاصل بين قوى وطنية لديها مطالب عادلة ومحقة، وتيارات متصلبة في مواقفها في السلطة، والطرفان بحكم الأمر الواقع اختارا أن يكونا في سجن لا توجد فيه أي وسيلة اتصال وتفاهم وحوار من شأنه أن يقلل من الأضرار المحتملة. والنتيجة أن كلا الطرفين سيضطران إلى اختيار تدابير حمائية مكلفة جداً لهما، وليس بالضرورة مفيدة لكل طرف على حدة.
البحرين شهدت عبر تاريخها السياسي القريب جملة من التداعيات التي أقلقت أمنها وسببت رضوضاً عميقة على المستوى السياسي والاجتماعي سببها الأول غياب تفاوض حقيقي بين الغريمين السياسيين اللدودين أثناء الأزمات.
نستذكر معاً الأحداث التالية: الشعب البحريني ينتصر في 18 أبريل/ نيسان 1970 لعروبة البحرين لكنه يفاجأ بتجربته البرلمانية تُجهض سريعاً - بعد أقل من سنتين من انطلاقتها - بإرادة منفردة لتبدأ البلاد بالدخول في عتمة عمرها ثلاثون عاماً من القسوة والصمت أشاعتها أجواء «قانون تدابير أمن الدولة».
في التسعينيات (1994 - 1998)، وفيما البلاد تعيش على صفيح أحداثها الدموية الملتهبة، كنت في لقاء مع رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان الشيخ محمد مهدي شمس الدين (ت 2001) في يونيو/ حزيران 1998 بيروت وقال لي ضمن حديث طويل عن الأزمة البحرينية إنه سعى لمبادرة حل للأزمة التي تعصف بالبلاد، وأنه سعى مع الرئيس المصري حسني مبارك ليقودا معاً هذه المبادرة التي كان من المؤمل أن تنهي ست سنوات من الاقتتال والعنف المتبادل؛ إلا أن أطرافاً رسمية نافذة في البلاد رفضت أي مبادرة للحل وتم وأد الفكرة في مهدها.
في فبراير/ شباط 2001 تبدأ البلاد مرحلةً جديدةً بتدشين ميثاق العمل الوطني فيما سمّي حينها بـ «العرس الديمقراطي»، ليستيقظ البحرينيون ذات صباح على تغييرات دستورية في 2002 صدمت القوى الوطنية وأرست بدايةً لعمل سياسي معارض، اعتماداً على ملاحظات نقدية عميقة ضد هذه التعديلات.
وبعد عشر سنوات من التجربة البرلمانية الثانية، تجد قوى المعارضة نفسها خارج البرلمان بعد أن كانت مترددة منذ البداية في المشاركة، ثم جاءت الأحداث الأخيرة في فبراير/ شباط 2011 لتفتح جرحاً غائراً في مسيرة العمل الوطني استخدمت فيه كل المعالجات الأمنية الخاطئة إلا المعالجة السياسية لجذور المشكلة.
سمعنا عن وساطات دولية وإقليمية في الأزمة الأخيرة، ولكن الصوت الرسمي يقول «لا تتدخلوا في مشاكلنا الداخلية... فنحن أقدر على معالجتها». وفيما قوى المعارضة تدعو إلى الحوار وتنادي بوضع حل سريع للأزمة، تستمر الأبواب موصدةً أمام الجميع (مفتوحة فقط في الإعلام الموجه للخارج!) والشعب في حالة ترقب وخوف من المجهول.
مشكلة المشاكل في بلدنا، أن لغة الحوار الحقيقي والجدي مفقودة، وثقافة «التفاوض» نسمع عنها ولا نراها، وعبر عقود من الزمن كانت المشاكل السياسية المتفاقمة تزداد حدة وتتعمق لأنها تعالج بإرادة منفردة تشعل ضدها فتيل الاحتجاج والمعارضة، وتؤسس في الغالب لفصل جديد من المواجهة. والسبب دائماً يكون غياب الصوت الآخر، صوت الناس الذي لا يصل إلا عبر الحوار المنتج والتفاوض الحقيقي مع ممثلي المجتمع ونخبه السياسية.
الحوار ليس علامة ضعف كما يتصوّر البعض، والتفاوض ليس خيار المهزوم، بل هو علامة عافية للمجتمعات الحية، فمع تطورات عالم اليوم زاد حجم ممارسة المفاوضات بصورة لم يسبق لها مثيل، إذ يقدر عدد العمليات التفاوضية بنحو عشرة آلاف عملية تفاوض رسمية أو شبه رسمية في جنيف وعدد مماثل في نيويورك في العام الواحد فقط، هذا بالإضافة إلى الحجم الضخم والرسمي لعمليات التفاوض في جميع المجالات سواءً على المستوى الداخلي في كل قطر من أقطار العالم أو على مستوى التفاوض بين دول العالم وثقافاته المختلفة، ناهيك عن حجم التفاوض غير الرسمي الذي لا يمكن حصره في كل قطاعات الحياة باعتباره شكلاً من أشكال الوجود الإنساني.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3594 - الإثنين 09 يوليو 2012م الموافق 19 شعبان 1433هـ
الحوار سلاح العقلاء وضده ....هو ...
العقلاء يأخدون من الحوار طريقا لحل المشاكل ومن
لا يأخذ به فهو فاقد للعقل والارادة والرغبة في
المعالجة الحقيقية لكل مشكلة
من فقد عقله وتمكن الغرور منه والحقد والكراهية اسر قلبه لا يرى في الحوار الا هزيمته
لأن هناك طرفا لا يقبل بشعب البحرين
عدم القبول بهذا الشعب ومكوناته والتصرف في البلد كأنه عزبة لأحد الباشوات هو السبب في ذلك.
البحرين دولة بها شعب وهذا الشعب هو مصدر السلطات
طيب ما نبي نشوف هالسلطات التي الشعب مصدرها وينها لو بس هو كلام على الفاضي- الشعب مصدر السلطات وفي الواقع هو فقط لتطبق كل شيء عليه وليس له في السلطات لا ناقة ولا جمل فكيف يكون الحوار وحوار من اي نوع
حتى ربنا سبحانه حاور ابليس وهو خلق بسيط من خلقه وفي هذا البلد توجد املاءات فقط وليس حوار
وهذا سبب المصائب
عجب الدنيا
انه لمن السذاجه ان ترى تتسابق الى الحوار مع الدول الاخري وتسعى بكل ما اوتيت من قوة على الحض على المفاوضات الا انها غير مستعده للتفاوض مع ابناء شعبها
حوار؟؟
اي حوار ياصديقي وهناك من جاعل الوضع الراهن لمصلحته واثارة الفوضى وتخويف المواطنين باسم امن الدوله ؟؟؟ راحوووو الطيبببييين!!
اي حوووار ياالطيب؟؟؟؟
دام هناك المغرضون والعابثون في الوطن يمرحون وبستغلون الفرص لاذية الناس الطيبة وليس لها حول ولاقوة فلن نكون بخير.. وفوق هذا كله محميون من السلطة ... فما اظن هناك حوار ... راحوا الطيبين