قبل يومين تساءلنا عن النظام السوري. لماذا بقي متماسكاً لغاية هذه اللحظة على أقل تقدير؟ خلصنا إلى العديد من المعطيات. بدأنا بملاحظة تكوُّن الطبقة السياسية السورية الحاكمة (الأوليغارشية) وكيفية نموها المتعاظم في الدولة السورية، ما بعد العام 1971، ونشوء منظومة المصالح الخاصة بها. وهو ما شكَّل ما أسميناه بـ «الولاء البراغماتي» المتبادل بينها وبين الحكم. وقلنا، أن هذا التلازم في المصالح ما بينها وبين النظام، هو الذي جعلها وفيَّة له، ومتمسكة به.
اليوم، نتحدث عن الوعاء الذي تخلَّقت فيه تلك الطبقة السياسية، والتي وجَدَت نفسها من خلاله حاكمة، ألا وهو حزب البعث العربي الاشتراكي، كملاحظة ثانية، يمكن الاعتماد عليها في تفسير بقاء النظام السوري متماسكا رغم الثورة الشعبية ضده، والمصحوبة بضغوط إقليمية ودولية هائلة. وهو الحزب الذي ساهَمَ بشكل أساسي في تماسك تلك الطبقة المحتكرة للسلطة، وبالتالي تماسك النظام السوري نفسه.
هنا، نتساءل: كيف تحوَّل حزب البعث إلى عامل أساسي من عوامل تماسك النظام الدموي في سورية، طيلة أربعة عشر شهراً، هو عمر الثورة السورية؟ أولاً، يجب أن نعلم، أن البعث في سورية هو أسبق من النظام السوري الحالي، والذي تدشَّن فعلياً بمجيء حافظ الأسد إلى السلطة في 22 فبراير من العام 1971. فوثائق البعث تشير، إلى أن السابع من إبريل 1947 هو تاريخ انطلاق حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، بالرغم أنه امتداد طبيعي لحركة الإحياء العربي بزعامة ميشيل عفلق وصلاح البيطار، والتي أصدرت بيانها الأول في فبراير من العام 1941، بل إن قصاصات قديمة لطلب انتساب لحزب البعث، بيَّنت أنها ممهورة بعام أسبق من بيان الإحياء.
في كل الأحوال، فإن خلاصة تلك الملاحظة، هي أن البعث في سورية كتنظيم سياسي شمولي حديدي قد ألقى بظلاله على النظام السياسي، الذي هو بالأساس منبثق منه. فمن السذاجة أن يقول البعض أن النظام في سورية شيء وأن البعث هو شيء آخر، بل هما من ذات السِّنخ.الفارق هو أن الحزب في سورية أوسع من النظام، وبالتالي هو الذي يستوعبه، وهو الذي يحتويه. هذه العلاقة التنظيمية بين الحزب والنظام، جعلت الجزء (النظام) يتصف بما يتصف به الكل (البعث) من حيث حديديته وشموليته.
وكما قلنا من قبل، فإن الأحزاب تلعب دوراً خفياً لتكوين الولاءات، وهو ما حصل ويحصل في سورية اليوم. فالبعث هناك يلعب دوراً مهماً في تكوين الأطر والقواعد في جميع المحافظات والمدن والقرى السورية، فضلاً عن المؤسسات والجامعات والهيئات بشكل صارم، سواء على مستوى الانضباط الحزبي، أو عن طريق التسلسل الهرمي للمنتسبين والقيادات، عبر شبكة مقعدة جداً من الاتصالات واللقاءات والمؤتمرات.
عندما تريد أن تتفحَّص خارطة البعث في سورية، فإنك ترى حقيقة النظام والهيكل الحديدي للأحزاب التي عرفها العالم. فترى الأمين العام ومساعده، والقيادة القومية والأمين القِطري، ومساعده، والقيادة القِطرية وقيادة الفرع وقيادة الشعبة وقيادة الفرقة وأمين الخلية، وهناك مؤتمر ومجلس قومي، وهناك مؤتمر قِطري ولجنة مركزية، ومؤتمرات للفروع والشعب والفرق. هذه التقسيمات الحزبية الصارمة، جعلت سورية كلها مخطوفة من البعث، الذي شكَّل هو الآخر أذرعاً أمنية واستخباراتية دموية، تقوم بإرهاب الناس، وتطويع ميولهم ورغباتهم.
اليوم البعث في سورية (وكما كان في السابق) هو كالسَّماء، يُغطي كلَّ شيء. لا توجد مؤسسة ولا نشاط ولا حركة شبابية أو رياضية أو تجارية أو سياحية أو حتى دينية إلا والبعث له يدٌ طولى فيها. بل حتى المنافع التي من المفترض أن ينالها كل مواطن سوري مستحق، كالمناصب السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية، باتت تقدم للبعثيين كأشخاص لهم الأولوية في نيل كل شيء، وبالتالي فإن ذلك الانتماء ساهم بشكل كبير، في قولبة مفهوم المواطنة السورية، عبر جعلها في مرتبة أدنى من البعثية، التي هي الأكثر حظوة وقرباً لنيل المنافع العامة.
أيضاً، قام البعث السوري، بعملية راديكالية في منتهى القسوة، عندما جعل الانتماءات السورية المختلفة (سُنَّة، علويون، اسماعيليون، مسيحيون، شيعة، أكراد، تركمان) مفلوحة بالكامل ببذور العقيدة البعثية. لذا، فقد جعل قاعدته الحزبية، من قياديين ومنتسبين (والذين يتجاوز تعدادهم الثلاثة ملايين بعثي) لا تؤمن إلاَّ به وبأدبياته، متناسية أيَّ انتماء آخر، سواء كان قومياً أو طائفياً. وقد يستغرب البعض عندما يكتشف أن النظام السوري، ليس محمياً من الطائفة العلوية فقط كما يُعتقد، أو كما يُشاع، وإنما هو محمي بالأساس من قطاعات عريضة وواسعة من الطائفة السُّنية، والتي ينتمي إليها أكثر منتسبي «الشِّبِّيحَة» كما يُطلق عليهم في الإعلام، وهم لموالون بشدَّة إلى النظام السوري ولشخص رئيسه بشار الأسد نفسه.
وقد ذكر ذلك صراحة أحد الكُتَّاب السوريين، عندما تحدَّث عن شِبِّيحَة حلب والقحمانية ودير الزور والمنطقة الشرقية وكيف أنهم سُنَّة وليسوا علويين والذين بالمناسبة هم أيضاً انتسبوا إلى التشبيح ولكن بنسبة أقل، نظراً لتعدادهم الأصغر من مجموع الشعب السوري (10 بالمئة من مجموع السكان). كما تحدث عن مموليهم من التجار السُّنة، سمَّاهم بالإسم. (راجع مقال على ملحم بصحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 4 يوليو الجاري). هذا المشهد، يعطي انطباعاً عن مدى شراسة البعث في غسل الأدمغة من خلال التعبئة الحزبية والامتيازات والمنافع لكي تبقى متعبِّدة به وبمسلكه الحزبي الحديدي، وبالتالي يحافظ على بقائه وسطوته في السلطة.
هذا الأمر فعله حزب البعث في العراق أيضاً إبَّان حكم صدام حسين. فـ 68 بالمئة من بعثيي العراق هم من الطائفة الشِّيعية. بل إن ما كان يُعرَف بفدائيي صدام كانوا في أغلبهم شيعة. بل إن أكثر من أربعين في المئة من استخبارات نظام صدام حسين كان منتسبوها من الشيعة.
في المحصلة، فإن وجود البعث في سورية، كمكوِّن ووعاء حزبي صارم، ويمتلك مقدرات البلد وأغلب الامتيازات يعتبر عاملاً أساسياً من عوامل استمرارية النظام السوري وبقائه. وربما يعطي ذلك الأمر، مخاوف إضافية، لحقبة ما بعد الأسد، وهو ما يمكن الحديث عنه بشكل تفصيلي لاحقاً.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ
متى يفكر حكام الخليج في تامين امنهم بانفسهم
ان الامر خطير جدا عدم دراسة الواقع من قبل الحكام العرب وسد النوافذ مع الرياح ان سفارات الدول العربية لايهما الاحفلات والسهر التقارير الاسترايجية لاهم لهم بها اين سورية ذاهبة وتصحيح الامور كان ليس شانهم الضغط الذي عان منه السوريين التحالف مع ايران والتوغل بها كان الكرت الاحمر وان بلاد تنهار بدون اي سديوقف التحالف مع حزب الله وايران الامن العربي مباع روسيا والكره البعيد الامد من الاسلام والحروب وروسيا تريد اخذ تار الهزيمة في افغستان والانتقام نظام ذات خطوط عنكبوتية تاريخة تفكره واهداف بعيدة الامد
رداً على تعليق رقم تسعة
البعث في العراق بقي متماسكاً في ظروف احلك من ظروف البعث السوري اليوم ، ولو لا أن الحرب اسقطته بطريقة مباشرة لأخذ فترة اطول يعلمها الله ليسقط ، و ما نظن انها بقصيرة.كلاهما مجرم لكن شمولية الحزب لا يمكن الأستهانة بها.
للزائر رقم 4 إليك مع التحية
أنت لا تريد أن تبقى الموجة على البحرين لأن هناك كثيرين يكتبون عن تلك الموجة ولكنك لا تريد لتلك الموجة ان تتجه صوب سوريا النازفة بفعل دموية هذا النظام
تضارب المصالح
بين الدول الكبري وكون سوريا دولة غير نفطية هما عاملان مهمان في صمود النظام السوري. الخلاصة هذا تحليل جيد للاوضاع في سوريا فهي كطبيعة البشر في كل مكان الهدف المزايا والهبات ودعكك من قول طائفة او دين او طبقات إجتماعية . حبذا لو تطرق الاستاذ محمد في مقالاته وكتب لنا عن تنظيم الاخوان المسلمين الذي هيئت له الاقدار ان يحكم مصر بمحض الصدفة.
ويبقى السؤال قائمًا: هل سيعيد اصدقاء سوريا الجولان؟
انها المصالح فقط و السيطرة و حماية اسرائيل
العراق وسوريا
اذا كان حزب البعث هو سبب تماسك سوريا حتى اللحظة، لماذا لم يفلح ذلك في العراق والجميع يعلم انه بعد حرب الخليج الثانية سقطت
شكرا
مقال رائع جدا اخي الكريم
سبب صمود النظام السوري
الشعب السوري [اغلبه يعلم ان هذه مؤامرة دولية اقليمية لتدمير بنية الكيان العسكري الاقتصادي في مواجهة الكيان الصهيوني، كما ان الادوات الداخلية هي عناصر غير مقبولة من الشعب السوري، النظام السوري سوف يسقط عندما يكون هناك تدخل عسكري من الدول الغربية بتحالف امريكي كما تم في ليبيا وهذا يحتاج الى غطاء دولى من مجلس الامن، وما دامت روسيا والصين تعارضان هذا المشروع فسيظل النظام السوري صامدا وسوف يكون هناك المزيد من الصحايا، والحل هو في الحوار البناء بين المعارضة والسلطة لانقاذ الشعب السوري من هذه المعضلة
الله يكفينا شرهم
الى كل من يتوهم بسقوط نظام الاسد في سورية المقاومة والصمود فهو خاطي لان الشرفاء المخلصين من الشعب السوري مع النظام قلبا وقالبا ماعدا قلة بسيطة من الخونة والعملاء في مايسمى الجيش الحر اللي نهايتهم ان شاء الله قريبة
يتبع
لقد عرف عن السوريين انهم وطنيين وربما لا ننسى ثورتهم على الاتراك العثمانيين في القرن الماضي واليوم مع شديد الاسف يتحالف جزء من السوريين مع الاتراك الذي قاموا بطردهم في السابق
سؤال للكاتب
استاذ محمد لقد تابعت موضوعك السابق وموضوع اليوم عن سوريا وانني اشيد بهذا التحليل الراقي والعلمي ولكن لدي سؤال آخر لو سمحت لي وهو ان صمود سوريا ليس مرجعه فقط المنافع التي يحصل عليها من هم في السلطة أو بسبب تحزب السوريين بل ان هناك عامل آخر وهو وطنيتهم هل تستبعد هذا من وجهة نظرك ؟؟
الكل يعرف من وراها
اترك عنك تحليلات سوريا ولا تفر الموجه لسوريا
خلك بالبحرين ا لانه سوريا الكل يعرف من وراها
هذي بختصار
معروفه لانه وراها روسيا وايران
ما طاح لانه روسيا تدعمه والصين وهذلين الدول الكبار لهم ثقلهم بالمنطقه
وما تقدر الدول الكبيرة تتدخل وتحاكم بشار
وبشار والي معاه يدرون اذا طاح بشار بتروح عليهم من جذي ثابتين معاه
ولكن النظام قاعد يضعف بشكل تدريجي وسوريا راحت فيها الالاف على مجرد مقعد
سوريا الله حاميها
سوريا الله حاميها
مراقب ...
أخي الفاضل .. ليس حزب البعث كما صورته بهذا الحجم العملاق من التأثير .. نعم هناك عدد كبير من المنتسبين له لكن إنتسابهم للمصلحة والفائدة فقط اما الولاء الحقيقي فلا يؤمن به أكثر من 2% من جميع منتسبيه على تقديري الشخصي فهو كالشيوعية في الصين حبر على ورق .. أما نظام بشار لم يسقط إلى الآن وذلك لأن القوى الكبرى لا تريد إسقاطه إلا بعد ان يصل حال سوريا حكال العراق الآن بما في ذلك أمريكا وأوربا . فلا بد من سوريا مدمرة وضعيفة ومتناحرة داخليا بما يخدم مصالح وامن إسرائيل .. وليس بسبب وجود حزب البعث أبدا ..