«ماكينة النفيش»، النيل، الإعلان عن الرئيس، والاولمبياد الخاص، وجموع غفيرة ترقص فرحاً، وطيف دوار البلد»... بهذه الكلمات أَختصرُ مشهداً رائعاً عشت تفاصيله في يوم الإعلان عن الرئيس المصري الجديد من بعد الثورة في مصر.
فقد تسلمت مكالمة هاتفية قبل عدة أسابيع من مسئولة البرنامج الصحي في الأولمبياد الخاص قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومقره مدينة القاهرة، تطلب مني المشاركة في ورشة عمل تدريبية لمدربين يقومون بمسح شامل للسمع والأذن لذوي الإعاقات الفكرية والحركية، حيث أعمل متطوعاً مع منظمة الأولمبياد الخاص الدولي منذ العام 2003.
وافقت على الفور، وكانت الصدفة الجميلة هي تزامن هذه الفعالية مع حدثٍ مهمٍ جداً، كانت مصر الثورة على وجل وترقب وانتظار لتحققه، ألا وهو إعلان نتائج انتخابات الرئاسة، وذلك في يوم الأحد الموافق 24 يونيو/ حزيران الماضي، والذي صادف اليوم الأخير من فعالية الأولمبياد الخاص.
ولأن الترقب والتوتر كانا سيدي الموقف يومئذٍ، اضطر منظمو الفعالية لاتخاذ قرار بإنهائها في وقت مبكر كي يعود جميع المشاركين إلى محال إقامتهم، لكنني قررت استغلال هذه الفرصة وهممت بالتوجه سيراً على الأقدام إلى ميدان التحرير، الذي يعد رمز مصر الثورة، كما هي ميادين أخرى في عددٍ من بلدان الربيع العربي.
منذ أن وطأت قدماي شارع كورنيش النيل، وعيناي ترقبان كل حركة وكل مشهد وكل صوت. لم يكن الوضع عادياً. كنت أرى حركة الجموع ونشوتها تزداد اطراداً مع وقع حركتي، ما جعلني لا شعورياً أزيد من وتيرة سرعتي، وتوتري، قشعريرة لم تبرح جسدي كانت تنبئني بحالة الانبهار التي كنت أعيشها.
كانت مياه النيل تتراقص طرباً على وقع أنغام الفرح، والسيارات والعربات والدراجات النارية تشاركها الرقص. كان برج القاهرة يبتسم فرحاً، اكتظت الجماهير على كوبري قصر النيل، ولم أنسَ منظر أحد الشباب المصريين وهو يخلع قميصه ويرمي بنفسه في مياه النيل ليشارك المياه رقصها على أنغام ضحكات وفرح شباب مصر وكهولها قبل أطفالها.
قادتني قدماي مع الموج البشري الهائل المتدفق إلى قلب مصر الثورة، ميدان التحرير، فشعرت بنبض قلب الأمة، وشعرت بأن مصر الثورة عائدة لا محالة لتكون هي القلب الذي إذا اشتكى، تداعى له سائر الجسد.
كانت الأعلام ترفرف مع عبق الحرية، وقد اتخذ الشباب من أعمدة الكهرباء علامات لهم، وامتلأت الأرصفة بالسجاد استعداداً للصلاة. كان بعض المصريين يبيعون المكسرات والشاي والقهوة التي لها طعم الحرية، ولكن ما شد انتباهي أكثر هو وجود ماكنة «الفشار» أو ما نسميه بلهجتنا البحرينية الدارجة «النفيش»، وكأنها أصرت على تواجدها لمشاركة الشعب المصري العظيم فرحته بانتصار الثورة وانتخاب رئيسها الذي يمثل كل المصريين.
حينها، رجعت بذاكرتي لتلك الأيام التي احتضنت جميع مكونات الشعب، وتذكرت الخيمات وأشهرها على الإطلاق الخيمة الطبية، وتذكرت شاي الحرية وماكنة النفيش...
كان المشهد غايةً في الروعة ويستحق أن يدوّنه أبرع الفنانين بريشته لوحةً عظيمةً، ويرسمه أعظم الشعراء قصيدةً وملحمة، وبضوء عدسته يغنيه أكثر المصورين احترافاً ألبوماً من صور تؤرخ للحظة التاريخية، ليفوزوا بتأريخ مرحلة جسدت الحرية والكرامة.
هنيئاً لشعب مصر الثورة... وهنيئاً لنا بمصر الثورة.
إقرأ أيضا لـ "نبيل حسن تمام"العدد 3588 - الثلثاء 03 يوليو 2012م الموافق 13 شعبان 1433هـ
رااائع
هنيئا لمصر الحرية.