العدد 3586 - الأحد 01 يوليو 2012م الموافق 11 شعبان 1433هـ

أدباء كبار بعضهم يتنفس سياسة وبعضهم يتجنبها! (1)

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

من الأدباء الكبار في الخريطة العربية الذين قُدِّر لي أن أباشرهم في أكثر من مناسبة؛ عبر لقاءات صحافية أحياناً ولقاءات عامة وخاصة أحياناً أخرى؛ وخصوصاً على هامش جائزة صاحب الأعمال والشاعر الإماراتي الراحل سلطان بن علي العويس مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ وربما تصدر في كتاب، أذكر منهم، محمد مهدي الجواهري، ألفريد فرج، سعدي يوسف، سعدالله ونّوس، المؤرخ العراقي علي جواد الطاهر، جبرا إبراهيم جبرا، حنا مينا، إحسان عباس، فدوى طوقان، وغيرهم كل أولئك يظلون في اللبِّ من الذاكرة العربية والإنسانية في الوقت نفسه. الالتقاء بكل تلك الأسماء، بعضها قدّمته في أمسيات شعرية، كما حدث في أمسية الشاعرين الجواهري وسعدي يوسف، وهي الأولى لهما بحسب علمي، على الأقل في منطقة الخليج العربي، لا يمكن أن يكون عابراً، ليس فقط لثراء حضور تلك الأسماء وأثرها البالغ في الثقافة والأدب العربي؛ ولكن في اكتشاف الجانب الآخر لتلك الشخصيات. الجانب الذي من الصعب أن يتضح ويبرز بعيداً عن مباشرتها، عبر تفاصيل من الصعب الإحاطة بها من دون تلك المباشرة، وهي تفاصيل ليست بمنأى - بشكل أو آخر - عن إنجاز كل منهم.

كنت في آخر العشرينيات في بعض تلك اللقاءات وبعضها على مشارف العقد الرابع.

أن تكون صحافياً يعني ألاّ تتردّد في الاقتحام والفضول؛ ولكن ضمن ضوابط وحساسية وتوقيت يجب ألاّ يغيب. والمزاج له دوره أيضاً. أن تفهم خريطة مزاج الذي تريد لقاءه واستدراجه للكلام. الكلام على ما أنجز، أو استدراجه في تفاصيل لها لمستها فيما تم إنجازه.

الكبار من الأدباء في الحرج من أمزجتهم وخصوصاً مع تقدم العمر. لا يمكن اقتحام وفك أسوار تلك الأمزجة تحت بند سبق صحافي أو سبق لقاء.

محمد مهدي الجواهري

الجواهري، وفي مقهى بهو الـ «هوليدى إن» بالشارقة، بمعية ابنه فرات، الناقد الكبير والمؤرخ إحسان عباس، أستاذ النقد وخريج جامعة هارفارد، عبدالواحد لؤلؤة.

وصول الجواهري عبر مطار دبي تطلب استنفاراً بحكم وزن الرجل في خريطة العرب وخريطة وادي عبقر... الرجل وقتها تجاوز التسعين. في هذه السن تتحكم العقاقير الطبية في هدأة الجسد والنفس. لم ينسَ الوفد المرافق للجواهري أياً من حقائبه باستثناء حقيبة عروس لا يمكن للشاعر التسعيني أن يعرف طريقه إلى النوم من دون عروسه. إنها حقيبة أدويته التي رافقته لأكثر من عقدين أينما حل وارتحل. استرداد الحقيبة من قسم الشحن بمطار دبي وكانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً إلا قليلاً، كان مدخلاً للقاء حصري معه. تم نشر جزء منه في مجلة «الشباب والرياضة» في ملحقها الثقافي وهي مجلة زميلة لصحيفة «البيان» الإماراتية التي تصدر في دبي.

على هامش اللقاء كان الجواهري مهووساً بالحديث عن عبدالكريم قاسم. كان يراه النموذج الأوحد في تجارب الحس القومي العربي. كأن أهم من عبدالناصر بمراحل كان عراقياً بالدرجة الأولى وقومياً بالدرجة الثانية فيما كان يرى عبدالناصر قومياً بالدرجة الأولى ومصرياً بالدرجة الثانية!

سعدالله ونّوس

سعدالله ونّوس في معرض الكتاب بسوق الحمْرية في دبي وتساؤلات مقلقة... وكتاب «المستقبل لهذا الدين» لسيد قطب وتمتمته بأن الإسلاميين قادمون.

كان ذلك محصّلة قراءة مع واحد من أهم كتاب المسرح في العالم العربي وترجمت أعماله إلى لغات عالمية. في الطريق من الشارقة إلى دبي هدوء الرجل الذي عرفت عبر كلام أصدقاء لم يتح لي استدراجه إلى كلام أو حديث عبر الطريق التي لا تستغرق أكثر من 20 دقيقة. المدينة وقتها (دبي) لم تكن متغوّلة بامتدادها. في معرض الكتاب كان يتفحص العناوين كنت أتوقع منه شراء إصدارات لكتاب على توافق معهم. انتشل كتاب «المستقبل لهذا الدين» لسيد قطب. ونّوس وبطبيعة تعامل النظام السوري معه ووضعه تحت المراقبة الدائمة، عدا الحمولات النقدية التي حوتها أعماله المسرحية للأنظمة الشمولية في العالم عموماً، على رغم أنها كانت تتوجه بشكل أو آخر إلى شمولية النظام الذي يعايش تفاصيله وبشكل يكاد لا ينافسه في شموليته أحد، كأن ينأى بنفسه عن أي استدراج صحافي يشير إلى طبيعة تعامل النظام معه، وهو الذي أتيحت له فرص أن يكون ضيفاً أو لاجئاً ومن بعدها مواطناً في كل من فرنسا والسويد وسويسرا عدا دول أخرى دعته إلى أن يكون أحد رعاياها؛ لكنه ظل متشبثاً بمشروعه في ظل مكنة قمع لا تبقي ولا تذر.

حنا ميْنا

صاحب روايات البحر من دون منازع في الرواية العربية حنا ميْنا يوم أن حط في «هوليدي إن» الشارقة وورطة تموين مزاجه. كان يتحدث عن البحر وكأنه أحد أبنائه الذين لم ينجبهم. يمكنك اكتشاف أنه متشكك حتى في الإماراتي باعتباره جاسوساً لنظام حافظ الأسد. كان متحفظاً بشكل مزعج ومقلق في الوقت نفسه. لا يحبذ الحديث في السياسة. يحب أن تستدرجه إلى أي بحر شئت؛ خلا بحر السياسة. كيف أنجز هذا الروائي الذي بدأ حياته حمّالاً في أرصفة ميناء طرطوس «حكاية رجل شجاع» من دون أن يتعرض إلى استجواب نوايا من قبل أقسى وأعنف جهاز استخبارات في الشرق إذا استثنينا جهاز صدام حسين؟

فدوى طوقان

الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، يوم أن حطت رحالها في الإمارات على هامش جائزة العويس ضمن الفائزين بفروعها، كانت تفيض أمومة. أمومتها أكثر شفافية من نصوصها. كانت رؤية قفز فيها المشروع الشعري إلى آفاق تجاوزت غنائية الجيل الأول، وما رافق تلك الغنائية من وقف المشروع الشعري لجلهم على قضايا أممهم في لغة لا تتجاوز المكان والحس والقضايا نفسها. أجمل انشغال لحظته من طوقان تفرسها في «الكندورة» (الثوب) الإماراتية وبساطة تطريزها. كانت ترى في ذلك نصاً آخر لإنسان هذه الأرض حتى فيما يرتدى ويلتقي به الناس والبشر.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3586 - الأحد 01 يوليو 2012م الموافق 11 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:50 ص

      رائع جدا

      ما اجمل الابحار في نفوس هؤلاء الادباء الكبار

اقرأ ايضاً