الحقيقة التي يحاول البعض إخفاءها وطمسها مستميتاً، أن هذا الشعب العريق بأصله، الكبير بصفات وشمائل أخلاق أهله، عصيٌّ على الفرقة، صلبٌ في مواجهة الشدائد، لا يتقبل الدخلاء ولا ينزل عند رواياتهم المزيّفة عن الآخرين، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعيش منقسماً على نفسه، وله مواقف يسطّرها التاريخ بإجلال وإكبار، جسّدت واقع الوحدة الوطنية ومتانة الروابط والعلاقات الاجتماعية على مدى عقود طويلة من الزمن.
في بيوت وأحياء البحرين القديمة، قصص يصعب عليّ حصرها، ومصاهرات وصداقات يصعب على الذاكرة أن تختزلها، ولكنها تعبر في طياتها عن حالات إنسانية تنعدم فيها النزعة الذاتية، حالات تترفع عن الخطاب المذهبي، تمقت الخطاب الإثني الإقصائي، لا تعرف أبجديات العزل والتهميش والتخوين وتقسيم البشر على أساس موالٍ أو معارض.
حالات لمواطنين تجمعهم البساطة والطيبة لا اللهجة والمعتقد، وجدوا أنفسهم بعد الأحداث الأخيرة محشورين قسراً في خضم المحاصصات السياسية بكل ما فيها من مصالح واندفاع لإثبات وجود هذا الطرف أو ذاك على حساب علاقاتهم الوثيقة ببعضهم البعض التي لم تنشأ بين الأمس واليوم، وليست بهذا القدر من الهشاشة حتى يسهل كسرها وثنيها.
يتندورن على ذكريات الغوص والبحر، وحكايات رواها أجدادهم في المقاهي والأسواق، لايزال عبقها يعطر المكان، وتأثيرها يتجدد عبر الأزمان، يتمنون ألف ألف مرة أن تعود عقارب الساعة للوراء، علّها تنسف كل ما يجري من محاولات لتشطير البشر وتفريقهم.
أحد الزملاء الأعزاء، روى لي حكاية جميلة - عايشها بنفسه - تعكس أصالة الإنسان البحريني، ففي فترة الأحداث من العام الماضي (2011)، كان يتردد على طبيب - من الطائفة الأخرى - متخصص في جراحة المناظير بمجمع السلمانية الطبي، أشرف على تشخيص ومتابعة وضعه الصحي، وكان حريصاً على التواصل معه والاتصال به حتى بعد انقضاء فترة العلاج، وكان تعامل الطرفين قائماً على أساس إنساني، فالأول مواطن يعاني من عارض صحي وينشد الشفاء منه، والثاني مواطن أيضاً تحتم عليه وظيفته التجرد من كل الانتماءات الفكرية والسياسية وأداء واجبه بمنتهى الأمانة، فلا حواجز ولا قيود ولا خوف حال دون إتمام العلاج.
المريض حرص على أن يشكر الطبيب شخصياً، وراح يتحدث عن الاهتمام والرعاية اللذين لاقاهما دون خوف من تأنيب أو ملامة من أحد، رغم أن ما يقوله قد يتعارض مع الفكرة التي ترسخت عن إهمال علاج فئة من المجتمع من قبل الأطباء في مجمع السلمانية الطبي على خلفية الأحداث، وخشية الكثيرين على هذا الأساس من طلب العلاج في هذا المرفق الحيوي المهم، فيما الشواهد على أرض الواقع تؤكد أن أغلب البحرينيين من جميع المكونات - حتى وقت كتابة هذه السطور - يترددون على «السلمانية» للعلاج.
من المؤسف أن كثيراً من مثل هذه الأفكار فُرضت على الناس من أجل إقناعهم بأنهم يختلفون فيما بينهم، فإن لم يكن ذلك من باب البحث في أصول وجذور البشر للتشكيك في وطنيتهم، والحديث عن مواطنين أصليين وآخرين يعود أصلهم لدول مجاورة، فمن باب المذهب والتقسيم الطائفي.
وأبسط صور ذلك، تشجيع ثقافة المقاطعة الطائفية لمنتجات وبضائع وماركات عالمية معينة، والامتناع عن تلقي العلاج في العيادات الخاصة لعدد من الأطباء، وتجنب شراء الخضراوات والفواكه إلا من مناطق محددة، وعدم دعم محلات سوبرماركت بأي شكل من الأشكال، بل بلغ الحد إلى عدم تناول طعام مع زميل في العمل من طائفة ما لأنه يشتري مستلزماته واحتياجاته من محل مقاطع؟!
لو كتب لأجدادنا أن يبعثوا من قبورهم ليروا حالنا السيئ الذي وصلنا إليه، لما تمنوا البقاء في هذه الحياة ساعة واحدة، فالقيم والمبادئ والأخلاق الرفيعة التي نشأوا عليها، أسمى من أن يزعزعها كاتب صغير أو يحرف مسارها خطيب من على المنبر، فهي ثوابت أرسخ من الجبال في نفوسهم، تنمو وتكبر وتزهر على أساس متين، يستمد قوته من العيش المشترك والمصير الواحد الذي يجمع كل البحرينين في خندق واحد.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3585 - السبت 30 يونيو 2012م الموافق 10 شعبان 1433هـ
ماذا كسبنا
احترم واعقدر حرص الكاتب ولكن لماذا لا تذهبون الى لب الموضوع ؟ من تسبب في ذلك ؟ لماذا لا تعترفون بان ثقافة الدوار والسلوك الطائفي لمكون واحد في الوطن تسبب في تلك المصيبة ، لماذا تتهربون من ذكر ذلك ؟ كيف نتصالح اذا لم نتصارح
زرّاع الفتن والانشقاقات وعذاب الله الموعود
إذا شدّد الله وغلّظ في جرم وجناية اصحاب الفتن ووصف ذنبهم بأنه اشدّ واكبر من القتل! تصوروا الفتنة وصفها الله في آيتين منفصلتين بأنها أشد واخرى اكبر من القتل، والغريب ان البعض يمارسها وهو مهووس وفي غاية النشوة ولا يعي انه يرتكب كبيرة من الكبائر سوف تخسره آخرته.
اي مسلم هذا الذي يسمع كلام الله وتحذيره من امر ما ثم يسعى ويولغ بممارسته غير عابئ ولا خائف من ذلك المستقبل الذي ينتظره.
انا لم اكن اصدق ان هناك من شعب البحرين سيمارس هذا الدور من دون خوف من الله ولكنه حصل