العدد 3585 - السبت 30 يونيو 2012م الموافق 10 شعبان 1433هـ

ما لا يعرفه الكواكبي

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

يبدو أن المرحوم الشيخ عبدالرحمن الكواكبي (مفكر وعلامة سوري ورائد من رواد التعليم، ومن رواد الحركة الإصلاحية العربية وكاتب ومؤلف ومحامٍ وفقيه شهير، وهو مؤلف الكتاب الفذ «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، توفي في العام 1902) يبدو أنه لا يعرف جيداً معنى «الاستبداد» ولا «الاستعباد»! كما يعرفه ويفقهه ويتقنه وعاظ السلاطين ومشايخ الحكومات ومثقفو السلطات وكتابها وفقهاؤها الذين وجدناهم في الماضي من السنين، ولاسيما في عام الثورات العربية (2011). يعرفون الاستبداد والاستعباد بمنظور أخرق جديد: «الشعوب هي المستبدة وهي الجائرة وهي الإرهابية»!

وحتى نشخص الخطأ الجسيم، بين فهم المرحوم الكواكبي للاستبداد والاستعباد، وبين تشخيص ومفهوم (بضع عباقرة وفطاحلة في عصرنا اليوم) من وعاظ سلاطين العرب وأبواقهم «الدينية» مع فارق 110 سنوات، دعونا أولاً نعرف من هو المستبد في نظر الكواكبي، فهو يقول: «المستبد (...) يرى نفسه كان إنساناً فصار إلهاً».

«كواكب» الحكومات المستبدة اليوم، إسلامية، عربية أم غيرها، ألا وهم الأبواق التي تسخر الدين وتتلاعب بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من طبقة «وعاظ السلاطين الخبيثة» لتخدير وخداع وتضليل الأمة، ينظرون إلى استبداد واستعباد منشأه ومصدره الشعوب التي تطالب بحقوقها وتدافع عن كيانها ووجودها. فهي – أي الشعوب – مستبدة وظالمة ومتآمرة وضالة، أما المستبدون فهم الضحايا والمساكين والمظلومون وممن يتوجب على الشعوب أن (يخفوا عليهم شوي... حرام).

هل الأمر مستغرب؟ أبداً، فقد سمعنا خطباً وتصريحات وفتاوى وصلت إلى حد أن يصف أحد المفتين حركات التحرر في الوطن العربي بأنها مؤامرة من أعداء الإسلام لنشر الفوضى في الدول العربية، وتوعد آخر بالنار والويل لمن يخرج حتى على الفسقة والدكتاتوريين من الحكام! وحرم آخر بشدة المظاهرات المطالبة بالحقوق، ولعل الكثير من القراء يتذكرون تلك المرأة الشهيرة المعالجة بالقرآن الكريم التي تواجدت خارج قاعة محاكمة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ورفعت لافتة: «مبارك من نسل النبي (ص)، وهو من الذرية النبوية وجده مبارك له مقام في كفر مصيلحة، وأنه ظل مع السيد البدوي حتى وفاته»! فيما لم يتأخر آخر من مثقفي مبارك على قناة فضائية من إضافة عبارة (رضي الله عنه) حين يذكر المخلوع!

حين شخّص المرحوم الكواكبي داء الاستبداد السياسي، قبل أكثر من قرن، قال إن أقبح أنواعه استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، ويقول إن الله خلق الإنسان حراً قائده العقل فكفر وأبى إلا أن يكون عبداً قائده الجهل، ويرى أن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، وأن تراكم الثروات المفرطة، مولد للاستبداد، ومضر بأخلاق الأفراد، وأن الاستبداد أصل لكل فساد، فيجد أن الشورى الدستورية هي دواؤه.

هنا، استعان المرحوم الكواكبي بجملة رائعة من بين ما تكلم به بعض الحكماء ولاسيما المتأخرين منهم في وصف الاستبداد ومنها: «المستبد يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم».

لكن الكواكبي في الوقت نفسه، يعرف دور علماء الأمة، فهو يقول إن «المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلها. والحق أبو البشر والحرية أمهم، والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئاً، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا، وإلا فيتصل نومهم بالموت»!

ولعل الكواكبي كان يرى من زمانه وقتذاك شاكلة وعاظ السلاطين اليوم فيقول: «تواسي فئة من أولئك المتعاظمين باسم الدين الأمة فتقول يا بؤساء: هذا قضاء من السماء لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء، فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول، واربطوا قلوبكم بأهل السكينة والخمول، وإياكم والتدبير فإن الله غيور».

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 3585 - السبت 30 يونيو 2012م الموافق 10 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 4:14 م

      واحد من زود حبه قال هالكلام

      واحد من زود حبه للحاكم الظالم قال له :"خذ حتى ترضى؟؟.. ويلي ويلي يا استاذ سعيد.. جافيته شلون هالريال المؤمن يخاطب ملك زمانه بكلمة خذ حتى ترضى وطبعاً بعض الناس يقولك اي شنقايل.. شي عادي.. حاكم ونقول خذ حتى ترضى.. بس اهوه يدري ان الحاكم الظالم لين اخذ عمره مايرضى الا اذا طفاه ملك الموت طفاي..

    • زائر 17 | 4:12 م

      وما العيب في القول رضي الله عن الحكام العرب

      فعلاً الموضوع شيق والردود شيقة واحسن كلام من اخي زائر رقم 15 شفيها يقول عن مبارك رضي الله عنه؟ ما فيها أي شي.. طبعأً الأخ لم يقرأ القرآن الكريم :"ولا تركنوا الى الذين ظلموا".. ثم العالم كله سنة وشيعة يعلمون أن هناك اشراف وسادة من نسل النبي عليه افضل الصلاة والسلام موب بس العماعم السودة.. وموب لكل من هب ودب.. لكن الحكام.. كل من هب ودب يقتل ويظلم ويفجر ويصير نقول عنه رضي الله عنك يا عدو الله ورسوله وعدو الإنسانية.. شي حلو عقيدة روعة

    • زائر 16 | 3:31 م

      لو كان فعلهم تخدير لكفى ولكن تحريض على القتل

      يعشقون رؤية الدماء تسيل بين ابناء المسلمين.. أنا كسني معتدل أرى ان الخدعة الكبيرة والخطيرة هي ملء قلوب ابناء السنة من صغرهم بأن الشيعة يشتمون الصحابة وام المؤمنين عائشة، ولا يقولون بعض الشيعة بل يقولون كل الشيعة بلا استثناء واكتشفنا أن هذا خطأ.. هناك من يشتم لكنه ليس من أسس ومباديء المذهب الجعفري، وهناك من الشيعة من يحرض على السنة ويعتبرهم نواصب لا يحبون أهل بيت النبوة.. يأتي وعاظ السلاطين ليستفيدا من هذه الخطة ويشعلوا الأوضاع على الدوام دون توقف

    • زائر 15 | 3:03 م

      وما المعيب

      استاذ ديننا الاسلامي دين التسامح فلا عيب ان قلت لك ( الله يرضى عليك ) نتمنا من الله ان يرضى علينا .. أما بخصوص مبارك من نسل النبي و صدام من نسل البني انظر حولك وسترى اصحاب العمائم السود كل من هب ودب لبس العمامة السوداء

    • زائر 14 | 1:18 م

      السلطة وتغير النفس

      قبل ان يكون في السلطة والحكم يتكلم عن الديمقراطية والعدالة والمساواة ومحاربة الاستبداد وحينما يستلم السلطة شوف الماسئ منة ولنا في حكم المالكي في العراق دليل دلك فهو يصارع حتي اقرب التيارات لة الصدرين والحكيم والجعفري وتعرف لمادا لانهة استبدادي من البداية وجاءت بة المخابرات الامريكية

    • زائر 13 | 7:16 ص

      طاعة ولاة الأمر واجبة والوقوف في وجه الغلاة شرع

      اللهم احفظ ولاة امورنا وانصرهم على من يعاديهم ويكيد لهم فإنك يا أرحم الراحمين امرتنا بطاعتهم.. طاعة ولاة الأمر أيها الأخ الكاتب سعيد محمد واجبة في وجه الغلاة ومن يريدون بالأمة شراً، وما العلماء الأفاضل الا صلحاء الدين في الدنيا والآخر ةوعلى ايديهم يهتدي الناس، فاتركوا عنكم الغمز واللمز فما نحن نعيشه من عدالة وأمن ورخاء وسخاء انما هو بفضل من الحاكم العادل الذي لم يشرك بالله ولم تتلطخ يداه بالدم..
      (مسامحة يا جماعة يالس اقص على روحي..كل ذلك بسببك اخ سعيد جننتني)

    • زائر 12 | 7:13 ص

      لا يعصون الحكام لكنهم يعصون الله سبحانه وتعالى

      نعم اخي الكريم بومحمد لقد امتعتنا بهذا الطرح الجميل الشيق.. اخي بومحمد عندنا في الوطن العربي والإسلامي هذه الفقاعات من الكواكب المظلمة ممن يخدعون بني الإسلام بوقوفهم مع الظلام من الحكام فهم على استعداد تام وكامل لأن يعصون الله سبحانه وتعالى لكن لا يعصون الحكام الظلمة الفجرة.. ومع شديد الأسف يتبعهم من مفترض أن يكون من بني الإسلام المؤمن الذي يفعل ما يرضي الله ويصدق هؤلاء المشايخ

    • زائر 11 | 6:16 ص

      الاستبداد


      ليس شرطآ ان يأتي الاستبداد وفرض الراي من سلاطين

    • زائر 7 | 3:16 ص

      الله يرزق الجميع لزيارة بيت الإمام علي عليه السلام في الكوفة .

      هذا تعديل مني صاحب التعليق رقم 5 زائر رقم 6 .

    • زائر 6 | 2:56 ص

      أنا أسميهم علماء جمع العقارات و الفلل و الأموال .

      أنا أعرف الكثير من العلماء في الخليج يا زعم أنهم علماء دين , يملكون قصور ما أنزل الله به من سلطان , كأنهم أمراء و ملوك و ليسوا علماء دين .
      و في علماء يملكون فنادق راقية في مكة المكرمة و المدينة المنورة .
      الله يرزق لزيارة منزل أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب عليهما الصلاة و السلام في الكوفه و هو كان يحكم الأمبراطورية الإسلامية .
      لكنه عليه الصلاة و السلام طلق الدنيا بالثلاث .
      يا ريت بعض علمائنا علماء البلاط يطلقون الدنيا طلقة واحدة و تكفي .

    • زائر 5 | 1:54 ص

      مهم للقراءة وفهم واقع الحكام

      اول شي احب اشكر الأخ الأستاذ سعيد محمد على هذه المقالات الجميلة ذات المعاني العميقة، ثاني شي احب انصح اخواني واخواتي القراء جميعاً أنهم كلهم يحاولون قراءة كتاب طبائع الاستبداد وهو متوفر على النت في مواقع عديدة.. طبعاً المقال فتح شهية الكثيرين وهناك أشياء جداً مهمة في الكتاب، لكن تعليقي على طرح الاستاذ سعيد اقول.. العلماء اخواننا الراشدين.. منهم الصادق ولا نريد غير الصادق ومنهم الطائفي والحاقد والمنبطح للحكومات وهذا فاشل لا محالة

    • زائر 4 | 1:39 ص

      روعة روعة روعة

      تسلم استاذ سعيد على هذا المقال الذي اختصر مسافات ومسافات ومسافات في عالمنا العربي والإسلامي ولكن مااريد أن أقوله هن ان ابناء الاسلام اصبحوا يكتشفون بسهولة وعاظ السلاطين ويرمونهم بالخزي

      اختك ام فيصل

    • زائر 3 | 12:38 ص

      مقال رائع

      مقال رائع ولكن يااستاذ كان عليك ان تذكر ما ذكرة الكواكبي عن شخصية المستبد فكلها نجدها اليوم في عدة زعماء

    • زائر 2 | 12:35 ص

      رجال محسوبين على الدين وبكم دينار يبيعون الدين والدنيا والآخرة

      لأن بعضهم يلتحق بسلك التعلم الديني لفشهله في الحياة فماذا يتوقع من هؤلاء
      اين ما وجد المال فهم عبيد له، ومن اكثر من يملك الاموال هم اصحاب السلطة الذين يسخّرون كل شيء لمآربهم.
      وهذا النوع من علماء الدين يطلق عليهم علماء البلاط فقد باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم

    • زائر 1 | 10:21 م

      سلمت يداك

      كتبت ..فأبدعت ... سلمت يمناك يا ابا محمد
      حقيقة ان شيوخ البلاط عريقون في تاصلهم ... فهم موجودون منذ قدم التاريخ.
      لايهمهم ان يقلبوا الحق باطلا و الباطل حقا في سبيل ابقاء عروش سلاطينهم.. اكثر ما يضحكني فيهم ان لهم ازدواجيات في الخروج عن الحاكم.. فهذا يصح الخروج عليه ... و ذاك لايصح ... وهذا الخروج عليه خروج عن المله.. وهذا كافر واجب قتاله... ايظنون الناس حمقا مثلهم حقا؟؟؟

اقرأ ايضاً