يواكب ظهور الأحزاب اليمينية وبروزها بشكل ظاهر في دول أوروبية، مثل فرنسا واليونان وهولندا، أزمة اقتصادية تغطي عناوين الصحف. فقد أثار صعود اليمين مواقف معينة معادية للهجرة كانت لسوء الحظ، وعلى رغم صعوبة تقبّل ذلك، موجودة من قبل.
إلا أن أفضل القيم الأوروبية مازالت موجودة كذلك، وهي تضم التسامح والديمقراطية المعمّقة والمتأصلة وتنوعاً غنياً من اللغات والثقافات والحوار بين الحكومات وميلاً نحو الدبلوماسية المتعددة الأطراف. ومن الأمور المركزية بشكل خاص إيمان بأهمية دولة الخدمات الاجتماعية، المرتبط باعتقاد واسع الانتشار بالحاجة لحماية الأعضاء الأضعف في المجتمع.نمت هذه الميزات في أعقاب الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية والأنظمة السلطوية، وهي بالتالي يصعب تلاشيها ببساطة.
في مطلع شهر مايو/ أيار، انتخب المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند رئيساً لفرنسا بعد أن تغلّب على الرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي من «اتحاد الحركة الشعبية» الوسطية اليمينية ومارين لابان من حزب الجبهة الوطنية من أقصى اليمين. ادعى ساركوزي، المتلهف على جمع أصوات اليمين في الجولة الثانية من الانتخاب أن «لابان متكافئ مع الجمهورية»، وهو ادعاء لم يجرؤ أي من الرؤساء الفرنسيين السابقين على صياغته من قبل.
ولكن فرنسا ستكون دائماً مكان ولادة واحدة من المنظمات غير الحكومية الأكثر نشاطاً وحيوية في مقاومة العنصرية في العالم وهي «إس أو إس» (SOS Racisme) وشعارها الشهير «أبعد يدك عن صديقي». تحارب المنظمة التي تأسست العام 1984 في باريس التمييز العنصري وتولي اهتماماً خاصاً بوضع المهاجرين المسلمين إلى فرنسا، ولها نظير كذلك في مدينة برشلونة بإسبانيا.
أما في اليونان فإن نجاح الحزب الفاشي «الفجر الذهبي»، الذي يقول إنه يريد التخلص من المهاجرين في اليونان، يثير الاضطراب والخوف، ويكشف كيف يمكن للأزمة المالية الأوروبية أن تحول مواطنين غاضبين ومحبَطين إلى متطرفين. أقسم واحد وعشرون عضواً من حزب الفجر الذهبي اليمين الدستورية كأعضاء في البرلمان يوم 17 مايو/ أيار بعد حصولهم على 7 في المئة من الأصوات في انتخابات عقدت في فترة مبكرة من ذلك الشهر. وبما أنه لم يحصل أي حزب على عدد كافٍ من الأصوات للحصول على أغلبية واضحة، ولم تتمكن الأحزاب الفائزة بالعمل معاً لتشكيل حكومة، فقد تم حل ذلك البرلمان بحسب القانون اليوناني، وسيعاد عقد الانتخابات في 17 يونيو/ حزيران .
إلا أنه في الوقت نفسه، وحتى في دولة تعاني من أزمة اقتصادية خانقة ويائسة مثل اليونان، تقدم الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية الطعام والسكن للفقراء من خلال مشروع اسمه «الرسالة»، نصف المستفيدين منه من المهاجرين. تقوم الكنائس بتقديم 250.000 وجبة غذائية يومياً. صحيح أن عدداً أكبر من المواطنين اليونانيين، الذين أصيبوا بخسائر في فرص العمل وتخفيضات في رواتبهم وزيادة في الضرائب، أصبحوا يقفون الآن في الطوابير مع المهاجرين، ولكنهم جميعاً يحصلون على الطعام، ويؤمل ألا تؤدي حقيقة أن المواطنين والمهاجرين هم بحاجة للطعام في الوقت نفسه إلى توترات اجتماعية أكثر عمقاً.
تظهر الاستطلاعات الجديدة تراجع الدعم لحزب الفجر الذهبي، ما يشير إلى أنه قد لا يدخل البرلمان مرة أخرى.
بالنسبة لهولندا وعندما عقدت الانتخابات قبل ثمانية عشر شهراً، كانت رؤية شعبية حزب الحرية اليميني التابع لغيرت وايلدرز، المعروف بعدائه للمهاجرين والإسلام، وهي تزداد بشكل ملحوظ، أمراً يشكل صدمة. طالما كانت هولندا بالنسبة للكثير من الأوروبيين ملتزمة بأفكار التسامح والتعددية الثقافية. إلا أن تلك الانتخابات كانت الأولى في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بعد الأزمة المالية اليونانية، وأظهرت بالتالي أول ردة فعل للمواطنين على موجة التقشف الوليدة.
جاء حزب وايلدرز ثالثاً في عدد الأصوات التي حصل عليها ووافق على التعاون مع حكومة أقلية التحالف الليبرالي لرئيس الوزراء مارك راته، الذي تقبّل الدعم من وايلدرز للبقاء في الحكم.
يبدو هذا السيناريو الآن بعيداً، حيث إن حكومة راته استقالت في أبريل/ نيسان الماضي بعد أن فشلت في الاتفاق على تخفيضات لجعل العجز في الموازنة ضمن الحدود التي يضعها الاتحاد الأوروبي، وستجري الانتخابات الجديدة يوم 12 سبتمبر/ أيلول.
أظهرت الاستطلاعات في الشهور الأخيرة أن حزب الحرية بدأ يخسر قاعدته. ومن المثير للاهتمام أن حزب الحرية أطلق الشهر الماضي موقعاً على شبكة الإنترنت للمواطنين الهولنديين ليقدّموا اعتراضاتهم وشكاواهم ضد مواطني أوروبا الوسطى والشرقية بسبب «الإزعاج العام وتلويث البيئة والإحلال في سوق العمل».
وبشكل فوري تقريباً، اتهمته وزيرة العدالة فيفيان ريدنغ بأنه «ينادي بشكل صريح ومفتوح أن يكون الناس غير متسامحين»، وبأنه ينتهك قوانين الاتحاد الأوروبي في حرية التنقل والحركة. وتناقش ريدنغ أنه يجب حل المشاكل من خلال المزيد من التضامن.
يبدو أن هذه هي الروح الحقيقية التي تسود أوروبا اليوم. وبوجود تطورات إيجابية كهذه، هناك أمل أنها ستكون قوية بشكل كافٍ لتقاوم ضغوط الاقتصاد الرهيب والمخيف.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3585 - السبت 30 يونيو 2012م الموافق 10 شعبان 1433هـ