العدد 3584 - الجمعة 29 يونيو 2012م الموافق 09 شعبان 1433هـ

ثلاث صور تسبق التفكير في حرب تركية سورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ماذا لو وقعَت حربٌ تركية سورية؟ هكذا تساءلنا وأجبنا قبل يومين، واليوم نكمِل ما بدأناه. قلنا، إن هناك مجموعة من العوامل، تلعب دوراً مهماً في صوغ العلاقات التركية السورية، سواء في السِّلم أو الحرب، أو ما بينهما. وبدأنا الحديث، عن المحدد القومي/ المذهبي. اليوم، أتحدث عن عامل آخر، وهو المحدد الجغرافي. وهو مُحدِّدٌ لا يقل أهمية عن سابقه.

فالجغرافيا، لها دور أصيل في تحديد سياسات الدول. وتركيا وسورية ليستا استثناءً في ذلك. بداية، يمكننا فهم ذلك، من خلال ملاحظة خريطة البلديْن جيداً. ما سنجد؟ سنرى أن الأراضي التركية، مشطورة ما بين قارتيْن. الأولى قارة آسيا، والثانية القارة الأوروبية. في الشق الآسيوي، فإن الأراضي التركية، تتكئ على الجغرافيتيْن العراقية والسورية (في جزئها الأكبر). وفي الشق الأوروبي تعانق الأراضي البلغارية في الأعلى، وفي الغرب تطل بوجهها باتجاه الأراضي اليونانية.

هذا الوصف لجغرافيا الأرض التركية، يمنحنا فرصة قراءة ذلك سياسياً، لفهم أوضاع الحاضر المتأزم ما بين أنقرة ودمشق، وفرصة الحرب بينهما من عدمها. فظروف أي نزاع مسلح، سيعنيه الكثير، النظر إلى الجغرافية الحدودية بين البلدين، والتي يمكن أن يشار إليه بالملاحظات التالية:

أولاً: الحدود الجغرافية بين الدول تتحكَّم في توجيه السياسة الخارجية للبُلدَان، لكنها أيضاً هي الأخرى تتأثر بالسياسة ذاتها، وتأثرها بالسياسة، يكون عبر تحميتها أو تسكينها. واليوم، الأزمة السورية، لم تعد أزمة داخلية، ولا أزمة إقليمية، بل هي أزمة دولية، وبالتالي أصبحت الحدود، بمثابة الخط الفاصل بين متحاربين خارجيين على الحدود السورية التركية، أو على تخومها. فإذا كانت روسيا، قد نصَبَت محطة للرادار في منطقة الحدود قبل أسابيع، فإن «السي آي أي» تنشط على الأراضي التركية هي الأخرى، لمساعدة المسلحين السوريين المناهضين لحكم الأسد. وهو أمر يضاعف من «عالمية» الحدود بين البلدين بشكل فاقع.

وهذا النوع من السياسات المتبادلة، ما بين الكبار، يجعل مسألة الحدود بين تركيا وسورية، أكبر من مسألة كونها حدوداً فقط، إلى حالة أقل من الحرب، وأعلى من السِّلم، وبالتالي بقاءها شبة متوثبة لأية حالة شَرَر، قد يفضي إلى نزاع دولي عندما تنفجر تلك الحدود، وخصوصاً مع وجود قاعدة طرطوس الحربية، التي يتمركز فيها الروس، ووجود قاعد إنجرليك الحربية في الجنوب التركي، التي يتمركز فيها الأميركان. لذا، فإن جميع الأطراف، تحاول أن تحافظ على هذه المعادلة الدقيقة بحذر شديد، لأن الموضوع خارجٌ أصلاً عن الثنائية البينية لصالح الصراع العالمي.

وعندما تذهب تركيا باتجاه الحرب ضد سورية، فهذا يعني أن قواعد اللعبة تغيَّرت مع روسيا وإيران، مما شجعها لخوض تلك الحرب، وما عدا ذلك، لا يمكن أن يحصل نزاع مسلح بين الجانبين.

ثانياً: طبقاً للظروف الإقليمية والدولية وطبيعة المصالح، المتحالفة أو المتنافرة، فإن الدول، عادة ما تجمعها مشتركات أزمة، تجعلها تحوِّل الحدود من أوراق ضغط من طرف ضد آخر، إلى أو أوراق تعاون بين الجانبين. فعلى سبيل المثال ولتقريب الصورة، فإن الحدود الإيرانية التركية تختلف عن غيرها من الحدود المشتركة ما بين تركيا وغيرها من الدول. فقتال إيران لحزب الحياة الحرة الكردستاني الإيراني (بيجاك) وقتال تركيا لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان يجعل من الحدود الإيرانية التركية، مجالاً مهماً للتعاون ما بين طهران وأنقرة. وقد رأينا شكل ذلك التعاون، من خلال تزييت العمل الحدودي، وجعله أكثر مرونة ما بين الجيشيْن التركي والإيراني لقتال المتمردين الأكراد، بل وقتالهما مجتمعين، داخل شمال العراق، والتي تمتلك فيه طهران نفوذاً كبيراً من خلال علاقاتها الوثيقة مع الرئيس العراقي جلال طالباني.

أيضاً، فإن توريد إيران للغاز الطبيعي والنفط إلى تركيا ووسط أوروبا، عبر الحدود التركية، جعل من الحدود بين الجانبيْن مجالاً استراتيجياً للاستثمار الاقتصادي والسياسي. هذه المنظومة من مشتركات الأزمة، غير متوافرة ما بين تركيا وسورية. صحيح أن الجانبين كانا قد وقعا عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة المهمة منذ العام 2000 إلاَّ أن موضوع حزب العمال الكردستاني لايزال محور الصراع بينهما. فالمَجَس بالنسبة لدى تركيا، لنشاط حزب العمال الكردستاني هو علاقاتها بسورية. فعندما تسوء، يزداد نشاط المتمردين الأكراد والعكس.

وكل من يلاحظ طول الحدود التركية السورية، سيجد أن النظام السوري، قادر على توفير خط أمان جغرافي يصل إلى 900 كم للمقاتلين الأكراد، وهي مساحة شاسعة، قد تسبب مشكلة للأتراك حين يبادروا في تسخين حدودهم من السوريين بالحرب. وبالتالي تركيا، لا تريد أن تتورط في مسألة نزاع مسلح ثنائي صرف، قد يسبب لها مشكلة أمنية أخرى مع الأكراد عبر الأرض السورية.

لكن قد يحدث ما حدث في العام 1998 عندما هددت تركيا بضرب سورية، انتقاماً منها لدعمها الأكراد المتمردين، وبالتالي، قد يقوم الأتراك بعملية استئصالية، لتغيير مجمل صورة الصراع، حتى ولو كان مُكلفاً إذا ما ترافق ذلك مع تزايد فرصة سقوط النظام السوري.

ثالثاً: فإنه وبالمجمل، فإن تركيا هي الرابح الأكبر عبر حدودها مع سورية. فالتوجه الذي جاء به حزب العدالة والتنمية عندما تسلَّم الحكم في تركيا، والقاضي بالتمدد المزدوج (الشرق/ العالم العربي) جعل من حدود تركيا مع سورية، فرصة سانحة جداً لأن تنفذ تلك السياسة الجديدة، عبر تلك الحدود دون غيرها. فالمنطقة بينها وبين العراق غير مستقرة، وغير آمنة، بسبب النشاط الكردي المسلح، فضلاً عن اضطراب العراق بمجمله نتيجة الهشاشة الداخلية، وهو ما يجعل من مسألة استثماره من خلال حدوده أمراً غير فعال، فضلاً عن فواصل الصحراء في الوسط والغرب العراقي. وبالتالي تصبح الحدود مع سورية، هي الأفضل كونها تفضي إلى العديد من الدول، حيث الأردن ولبنان ومنهما إلى منطقة الخليج العربي. وليس بمستغرب، أن نقرأ بأن هناك زهاء مئة ألف شاحنة تعمل في التجارة ما بين سورية وتركيا. هذا الأمر، يجعل من تركيا تتحسَّب كثيراً إلى مسألة الحرب مع سورية عبر الحدود.

صحيح أن الأزمة الأخيرة، تركت آثارها على العلاقة التجارية بين البلدين، نظراً للعقوبات المتبادلة، التي قام بها الجانبان، إلاَّ أن هذا كله، لم يجهِز على مجمل الحركة التجارية بين البلدين، وبالتالي، فإن الحرب ستعني أشياء كثيرة بالنسبة للأتراك. وعلى رغم هذا، فإن طول الأزمة السورية، قد يدفع أنقرة لأن تواجه تحدياً جديداً يقضي بضرورة الحسم، لكي لا يتكبَّد الاقتصاد التركي المزيد من الخسائر، نتيجة ذلك الصراع المتأرجح.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3584 - الجمعة 29 يونيو 2012م الموافق 09 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:17 ص

      اللعبة الدولية

      القضية السورية باتت في يد اللاعب الدولي " روسيا والصين ، وأمريكا " وما الدول الإقليمية إلا قطع شطرنج يحركها اللاعب الدولي ..
      حجر الزاوية هي مصلحة روسيا بالذات في المنطقة المطلة على البحر المتوسط من خلال المنفذ الوحيد سوريا..
      فروسيا اليوم تراهن على بقاء مصالحها في منطقة حوض البحر المتوسط ، فمتى ما حصلت عليها ، ستضحي بالنظام السوري ، وهي تستعمل الصين كسند داعم لتوجهاتها ..
      وما الدول المحيطة الإقليمة إلا قطع شجرنج تحركها مصالح الدول الكبرى ، بعضها يدعم بالسلاح والآخر بالمال

    • زائر 2 | 2:53 ص

      خبر

      مؤخرا بدأ الحديث عن اتفاق روسي غربي عن بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم لمدة عامين مقابل تدفق النفط عبر سوريا إلى اوربا وغذا صدق الخبر فهذا يعني أن حرب تركية سورية بعيد ان تحصل

    • زائر 1 | 12:16 ص

      صباح السلم والسلام يبو عبدالله

      اذا كانت الرؤيه والكلام عن حرب محدوده بين سوريا وتركيا ومن يروج ويقرع الطبول لها بامكانه اعطاء اشاره البدء وتحديد ساعه الصفر ولكن لا احد على وجه الارض يستطيع التكهن بما ستؤل اليه هذه الحرب و لايمكن تحديد زمانها ومكانها فتقاطع المصالح الدوليه في الشرق الاوسط وغليان الشعوب في معظم الدول ان لم يكن كلها يجعل من حرب في اي بلد من بلدان الشرق الاوسط فرصه لاشعال نار في هشيم ليسهل على العالم تنفيذ سايسبيكو جديده تفتت ما بقى متماسك من بقايا الامه العربيه ليسهل نهب خيراتها وليس لخاطر سواد عين العرب ديهي حر

اقرأ ايضاً