إن التقرير الأخير الذي نشرته منظمة «مراسلون بلا حدود» بشأن وضع حرية الإعلام في جميع الدول يثير مخاوف جدية، إذ إن البراهين تدلل على أن الإعلام يسير في اتجاه واحد وهو؛ إعلام مقيد بلا حدود، ينشر معلومات السلطة المغلوطة ولا يمكن أن يخرج ما سوى ذلك خارج الحدود، وإلا كان مصير الإعلاميين توسد اللحود!
ولعل وضع الدول العربية في الترتيب الذي أعدته «مراسلون بلا حدود» يزيد من المخاوف التي صاحبت ظهور السلطة الرابعة (الصحافة) التي عانت من تبعات السلطة وتسلطها وخضعت وامتثلت لأوامرها ردحا طويلا من الزمن، ولاسيما في الدول النامية التي لم تكن لتسمح بأي انتقاد بحجة الحفاظ على الأمن الوطني.
التصنيف الذي أعدته المنظمة يضع البحرين في موقع يجعلنا نضع أسئلة كثيرة، فمن بين 168 دولة، تحتل البحرين المركز 111، أي انها ضمن الدول التي تتذيل الترتيب! إن هذا الموقع المتراجع لا يشمل الصحافة فقط، بل إنه يمتد إلى بقية أجهزة الإعلام، فعلى رغم الطفرة الكبيرة في الصحافة البحرينية فإن الإعلام المرئي والمسموع لايزال يعاني من التبعية للسلطة ولا يوجد ما يسمع غير صوت السلطة، كما أنه لا يوجد ما يرى غير صور السلطة، ولكن ذلك لا يمنع نشوء محطات مستقلة في المستقبل القريب.
على أية حال، لنعد إلى بعض الدول العربية التي يعتقد كثيرون بأنها مثال يحتذى في حرية الصحافة أو الإعلام بصورة أشمل، فمصر تحتل المركز 133، ما يعني أن السلطة تضع الإعلام تحت يديها وتتأبطه وتمنع أي انتقاد صريح ضدها، ولدينا مثال واضح وهو الانتخابات الرئاسية السابقة التي شابها غموض ما بعده غموض، إلا أن الصحافة لم تتطرق إلى ذلك، بل إن أجهزة التلفزة بثت صور الفرح والاحتفال وهو على عكس ما حدث في كثير من مناطق مصر. ولم تشأ السلطة الفلسطينية أن تبتعد كثيرا عن مصر الجارة، فاحتلت المركز 134 على رغم الحاجة الماسة إلى السلطة لتوجيه الإعلام نحو نشر الحقائق وتبيان حقيقة ما يجري داخل الأراضي المحتلة إلا أن الإعلاميين يواجهون الأمرين ولا يمكن لهم أن ينتقدوا السلطة ولا يسلطوا الضوء على ما تراه من خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها بأي طريقة كانت!
وهناك دولة عربية خليجية تتوجس منها «مراسلون بلا حدود» خيفة على سلامة الصحافيين، وهي تحتل المركز 161. وترى المنظمة أن الأحوال لا تسر كثيرا داخل حدودها، فمن يستطيع أن ينتقد السلطة أو يتمكن من أن يضع سؤالا واحدا لأحد المسئولين، ولربما كان هذا هو الوضع السائد في كثير من الدول العربية التي ترى أن إشباع بطون عيالها الجياع أجدى من البحث عما ينشده من تراهم «متبجحين» بالحقوق السياسية والمدنية وحقوق الإنسان!
ولم تسلم الدول الكبرى من التصنيف الذي يفضح ـ في بعض جوانبه ـ الممارسات القمعية ضد الصحافيين والإعلاميين، فالولايات المتحدة سقطت 9 مراتب عن تقرير المنظمة نفسها في العام 2002 لتحتل المركز 53، وذلك بسبب ما وضعته حكومة بوش من قيود على الإعلام بحجة الحفاظ على الأمن الوطني، وشن الحكومة الأميركية حربها المزعومة ضد ما تسميه «الإرهاب».
وبحسب «مراسلون بلا حدود» تعد كوريا الشمالية وإريتريا وتركمانستان أكبر منتهكي حرية الصحافة في العالم. وللعام السادس على التوالي منذ تدشين دليل «مراسلون بلا حدود» في العام 2000، تأتي كوريا الشمالية على رأس القائمة. فتحت حكم كيم جونجيل، يخضع الإعلام لسيطرة الدولة خضوعا كاملا، وفي تركمانستان، يشير حادث وفاة الصحافي أوجولسابار مورادوفا إلى أن سيبارموراد نيازوف (قائد البلاد) ينوي استخدام القمع بشتى أنواع الوسائل ضد من تسول له نفسه انتقاده أو حتى تقديم النصح له. وفي إريتريا، تمت تهيئة السجون لاحتضان الصحافيين لمدة تزيد على خمس سنوات، وإذا لم تتمكن السجون من مسح فكرة النضال وانتقاد السلطة فإن الاغتيال أو الحكم بالإعدام كفيل بذلك، فمن البساطة بمكان أن تصدر المحكمة حكما ضد أي صحافي بتهمة النيل من السلطة أو التحريض ضد النظام وحينها فإن المشنقة هي المصير المحتم للباحثين عن الحرية!
يا لها من أنظمة رائعة، فلتحيا الصحافة الحرة في حدود ما تبغيه وتشتهيه السلطة، ولتحيا السجون التي تنتظر من تسول له نفسه تقديم المشورة أو النصح للنظام، ولتحيا الغياهب التي تهيأ لإعادة تأهيل تلك العقول الطامحة لإحياء ما أماته الدهر في نفوس الناس، وليحيا الإعلام المقيد بلا حدود لأنه الوسيلة المثلى لقيادة الشعوب‡
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1516 - الإثنين 30 أكتوبر 2006م الموافق 07 شوال 1427هـ