ان لكل حدث تموجا هذه سنة طبيعية، وأن لكل منتصر بريقا وجاذبية وهذه كذلك سنة حياتية وطبيعية، فشأن كل منتصر هو أن يصنع نصره بعض التحولات، ويخلق بعض المعادلات، ليس في الحرب فحسب، بل في كل شأن من شئون الحياة، فما ان يفوز فريق لكرة القدم بكاس العالم، حتى ترى أعلامه بيد الشباب في كل مكان، ولباسه محل اعتزاز وفخر لرواد الرياضة وكرة القدم، وما أن تعمل الماكينة الإعلامية لإظهار رمز من رموز الفن والطرب والرقص، حتى ترى الشباب والفتيات في سعي حثيث للحصول على صوره وقراءة مقابلاته، وحتى المسوقين لمأكولات الأطفال، يتفننون ويبدعون في اختيار بعض أبطال أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة، ويغلفون بها البساكيت والحلويات لأنها تعني للأطفال شيئاً كبيراً.
وما يقال عن الكرة والفن والمأكولات وغيرها، يقال عن السياسة وعن العقائد وعن كل شيء، لقد سبق وأن عانى عالمنا الإسلامي من فترة النشوة والقوة التي أحدثها البريق الناصري، وما سمي بالمد الناصري، وصرف أموالا وجهودا مضنية لإيقافه والحد منه، مع ما يوجد بينه وبين الفكر الإسلامي من مسافات هائلة.
ففي مقابلة أجرتها فضائية «الجزيرة» بتاريخ 10يوليو/ تموز يتحدث مؤسس منتدى الوسطية في المملكة العربية السعودية محسن العواجي مسجلاً موقفاً مشرفاً للمملكة في تعاونها للوقوف أمام المد الناصري والشيوعي.
وهذا يجمع عليه كل من مر على تلك الحقبة وكتب عنها في الخمسينيات 1956 إلى نهاية الستينات، فقد كانت الدول الإسلامية تستقبل جماعات الاخوان المسلمين وتنشط عمل القوى الدينية كي تقف أمام المد الناصري الذي اكتسح عقول الشباب.
وعلى موقع إسلام أون لاين في 2002/12/25 تحدث أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية بالدار البيضاء محمد ضريف عن ذلك بقوله «وقد فتح النظام السياسي المغربي أبوابه لاستقبال رموز حركة الإخوان المسلمين التي اضطهدت من قبل النظام الناصري، ففي سياق هذا الظرف يمكن القول بأنه لم تكن هناك تناقضات بين السلطة السياسية في المغرب وبين الفاعلين الدينيين، بل لقد حاولت السلطة السياسية أن توظف هؤلاء الفاعلين الدينيين لمقاومة المد الناصري».
وفي جريدة الرياض بتاريخ 1423/9/10هـ كتب عضو هيئة التدريس بكلية التربية في جامعة الملك سعود، الدكتور عادل الشدي، تحت عنوان(أسرار الهجوم على الإسلام ونبي الإسلام) فأشار أن من الأسباب هو «تنفير الغربيين من الإسلام وخاصة اثر ازدياد عدد الذين اعتنقوا الإسلام بعد أحداث سبتمبر/ايلول وقد ذكر أن أكثر من 30 الف اميركي اعتنقوا الإسلام بعد هذه الحوادث.
ثلاثون ألف معتنق للإسلام مع أن الحدث مدان من المسلمين ومرفوض من علمائهم وقياداتهم، وهو مجرد حدث مهما كانت آثاره، فكيف بما حصل في لبنان من نصر مؤزر، أليس ظلما أن لا نتوقع له تموجا في كل اتجاه ؟ ثم هل يصح أن نعتبر هذا التموّج لعب بالنار، وكأننا نؤثّم أصحابه وصانعيه، ونجعلهم تحت طائلة المسئولية، بدل أن نتعامل معه ومع تموجاته كسنة حياتية؟
إن ما يثيره الإعلام عن التحول إلى التشيع في سوريا وفي بلاد الشام عموماً، ((مبدئيا أنا أعتبره إعلاما مسيسا، غرضه إحراج سوريا ذات الغالبية السنية لوقوفها إلى جانب المقاومة وممانعتها للمشروع الاميركي، كما أنه تهويل يخدم مشروع ما يسمى بـ»التحالف السني» الذي تسعى أمريكا عبر تكريسه لصراع طائفي بين المسلمين)) حقيقته أن الشعوب في هذه المناطق تذوقت الهزيمة مع جيش الكيان الصهيوني الغاصب لكنها لفظته ورفضته وبقيت مصرة على موقفها المبدئي الرافض لهذا الكيان السرطاني البغيض، لقد كان الزمن يمر عليها بثقل وبطء شديدين، فعدوها يمعن في إهانتها وفرض الشروط عليها عبر الضغط علي حكوماتها إلى أن جاء تحرير لبنان عام2000، ثم استكمل بنصر2006، لترى شعوب الشام كما بقية شعوب العالم ثأرها وكرامتها وعنفوانها وقوتها وبسالتها تتحقق على يد المقاتلين البررة من أبناء حزب الله اللبناني.
إن ما حصل مذهل وخارق، وحلم طالت ساعات الليل عليه، والشرفاء يرفعون أيديهم بالدعاء إلى الله طلباً في هزيمة «إسرائيل» وزوالها عن الوجود، ومرت الأعوام الستة من 2000 إلى 2006، ونبرة الكبرياء والتحدي التي تواجه بها «إسرائيل» من قبل المقاومة في تصاعد واثق بنصر الله، إلى أن وقعت حرب تموز وانجلت الغبرة، وجاءت تقارير العدو(وليس العرب مع الأسف) لتعترف بواقع الجيش المهزوم الذي قهر في ماضيه جيوش الدول العربية.
جاء هذا الحدث مبهجا ومفرحا وبردا وسلاما على قلوب المسلمين في كل مكان، وانتشت روح النصر والتحدي عندهم، وبدأ التموّج الطبيعي والسؤال الطبيعي عند المثقفين والمتدينين بل وعوام الناس لتسأل عن هؤلاء الذين حققوا هذا الحلم وقدموا هذا الانجاز، وأهدوه إلى الأمة. لم يكن الجواب شحيحا، إنهم أبناء حزب الله، فكان طبيعيا أن ترفع راياتهم في كل مكان، وأن يسمى عدد كبير من المواليد باسم قائد المقاومة السيد حسن نصر الله، وأن يسمي المصريون أغلى رطب عندهم بنصر الله، وكان طبيعيا أيضا وضمن السنن الحياتية أن يؤدي ذلك إلى اقتراب أناس كثيرين من حزب الله، ومن عقيدته وفكره.
لا شك أن هناك من سيسأل عن التشيع، وهناك من سيرتضيه لنفسه مذهباً وعقيدة، وهناك من سيتمسك به، وهذه سنة الحياة وإني لا أقولها شامتاً ولا فرحاً ولا متحفزاً ولا مصارعاً، إنني هنا أقررها كسنّة، لا يصح أن نجرّم بسببها، ولا أن نصوّر وكأن همنا وعملنا في ربوع الأرض هو تحويل السنة إلى شيعة، بل كلنا مسلمون إلهنا واحد ونبينا واحد وكلمة لا اله الا الله محمد رسول الله تجمعنا وتوحدنا.
إننا لم ننتظر لا شرعاً ولا أخلاقاً ولا أخوة أن تجعل الاخبار التي يطلقها هذا وذاك عن التشيع شيخا جليلا مثل سلمان العودة الداعية والرمز الإسلامي المعروف ليفاجئ المسلمين بعباراته المفتوحة والمقلقة حين وصف ذلك (بالأمر الذي لا يمكن السكوت عليه).
لقد عهدناك وسطاً معتدلاً، وما زال الأمل معقودا على أمثالكم من قيادات الصحوة، المتجذرين بحضورهم وفكرهم في نفوس جماهيرهم وأهلهم في المملكة العربية السعودية وعلى امتداد العالم الإسلامي، أن يشكلوا المنعة من الانجرار وراء ما يخطط له السياسيون من أعداء الأمة، بمواقفهم المسئولة وكلماتهم الحكيمة التي ألفناها من أمثال الشيخ العودة
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 1515 - الأحد 29 أكتوبر 2006م الموافق 06 شوال 1427هـ