صوّت البرلمان الفرنسي اخيرا بفارق شاسع ليجعل من نكران المجزرة ضد الأرمن التي ارتكبها الأتراك العثمانيون عملاً إجراميًا، ما أثار سخط تركيا وزاد من شكوكها تجاه الاتحاد الأوروبي.
تعهّدت تركيا المسلمة، التي سعت لعشرات السنين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ويتم التفاوض حاليًا عن إمكان حصولها على العضوية، بالثأر ضد فرنسا التي قد تعيق مليارات الدولارات في المقابل، حتى لو يتمتّع الطرفان بحرية التعبير.
جاء التصويت في نفس اليوم الذي نال فيه أورهان باموك، القاص التركي المعروف، جائزة نوبل للأدب.
إنّ التهم بـ»تشويه سمعة تركيا» ضد باموك بعد تكلّمه علنًا عن مقتل مليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى، وعن 30000 كردي، قد أُسقطت في مطلع هذه السنة خلال قضية اعتُبرت كاختبار لمدى التزام تركيا بالإصلاحات التي يقودها الاتحاد الأوروبي.
يتناقض الحدثان تمامًا في قلب تركيا المعاصرة، اذ غالبًا ما تتعارض مطامح الاتحاد الأوروبي الديمقراطية والمائلة إلى الغرب مع التاريخ.
تصنّف الدولة الملتزمة كليًا بالعلمانية – عضوا كليا في تحالف الناتو العسكري – نفسها كرابط أساسي بين الشرق والغرب، ولكن لا يزال على أوروبا أن تتقبّلها على هذا النحو.
يرى الكثير من الأتراك التصويت المتعلّق بالمجزرة – مسألة ساخنة – كمجرّد عائق إضافي لإبقائهم خارج الاتحاد الأوروبي الذي يضم 25 عضوًا.
«يصعب كثيرًا على الأتراك أن يتقبّلوا ذلك: حتى أنّ الأتراك ذوات الثقافة الفرنسية يتخلّون عن فرنسا» يقول سامي كوهن كاتب في الشئون الخارجية في صحيفة «ميلييت» «يخشى العديد منّا أن يؤدّي ذلك إلى إنتقاد الإتحاد الأوروبي أكثر وأكثر والتي سوف تقول: <كفى؛ علينا التخلّي عن هذا الإتحاد الأوروبي».
اقترح صانعو القانون الأتراك قبل يوم من تصويت البرلمان الفرنسي مسوّدة قانون مضادة من شأنها الإعتراف بـ»مجزرة ضد الجزائريين» ارتكبتها قوات الاستعمار الفرنسية سنة 1945.
كما يقوم الصحافيون الأتراك بإبراز دور فرنسا الرئيسي في مجزرة رواندا سنة 1994 كونهم يسعون حتى إلى النطاق الأخلاقي.
يقول المحلّلون انّ التصويت الفرنسي يسعى إلى دعم القوميين الأتراك والذين يعارضون عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تراجع الدعم لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من نحو 70 إلى 50 في المئة حاليًا.
لكي تصبح قانونًا، يجب أن يقرّ مجلس الأعيان الفرنسي المسوّدة، الأمر الذي ليس مؤكّدًا، ويوقّع عليها الرئيس جاك شيراك. قد يتضمّن العقاب سجنًا لمدّة سنة، و45.000 يورو (56.500$) غرامة، نفس الجزاء المترتّب على الكتب الفرنسية لنكرانها محرقة اليهود.
استهدفت إحدى الصحف التركية في عنوانها الرئيسي السمعة الفرنسية إذ إنها مركز حقوق الإنسان والعدالة، متلاعبة بالشعار المشهور في فرنسا: «حرية، مساواة، غباء».
قال وزير الشئون الخارجية التركي عبدالله غول في تصريح له «لقد تلقّت العلاقات الفرنسية التركية التي تطوّرت في غضون قرون من الزمن ... ضربة قاسية اليوم نتيجة الادعاءات الكاذبة غير المسئولة والصادرة عن السياسيين الفرنسيين الذين لا يدركون النتائج السياسية لأعمالهم».
وحذر غول قبل التصويت، «إذا تم إقرار هذه المسوّدة، لن تخسر تركيا شيئًا وإنما فرنسا هي التي ستخسر تركيا»، «ستتحوّل فرنسا إلى بلد يسجن الناس الذين يعبّرون عن آرائهم».
أصبح التصويت مسألة سياسية في فرنسا، حيث تعارض الغالبية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وحيث يعيش 400.000 شخص من أصل أرمني، وحيث ستجري الإنتخابات الرئاسية بعد سبعة أشهر، بلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى تركيا خمسة مليارات دولار سنة 2005.
خلال زيارة قام بها إلى أرمينيا الأسبوع الماضي، صرّح شيراك بأنه لا يجب السماح لتركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا في حال اعترفت رسميًا بأنّ مقتل أكثر من مليون أرمني، الذي حصل في نهاية سنوات الإمبراطورية العثمانية، يشكّل «مجزرة».
على رغم وصف الحكومة الفرنسية للتشريع فإنه «غير ضروري وتوقيته غير مناسب»، قال شيراك انه على تركيا أن تعترف بالمجزرة قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
في حين أسف المسئولون الرسميون في الاتحاد الأوروبي لذكرهم بأنه لا ينطبق هكذا معيار للمجزرة على تركيا، يزداد الاضطراب في أوروبا بشأن تقدّم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. يُعتقد أن تلك المخاوف البارزة في فرنسا هي السبب في رفض الفرنسيين للدستور المُقترح من قبل الاتحاد الأوروبي العام الماضي.
«بذلت فرنسا كل ما بوسعها لتعرقل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي»، وسعت «إلى نوع من الثأر» ضد تركيا منذ سقوط دستور الاتحاد الأوروبي، يقول سيفي طاشان، مدير معهد السياسات الخارجية التركية في أنقرة: «إذا سياسيًا، كلّما أساءوا إلى تركيا، كان ذلك أفضل».
يقول الأرمن إنّ 1.5 مليون شخص قضوا سنة 1915 خلال أوّل مجزرة مرتّبة في القرن العشرين، على رغم أنّ المؤرّخين غالبًا ما يحصونهم بمليون واحد.
تشير تركيا رسميًا إلى أنّ نحو 300.000 أرمني قضوا في نزاع مقاوم تسبّب بمقتل عدد مماثل من الأتراك، حين انحاز الأرمن إلى الجيوش الروسية الغازية خلال الحرب العالمية الأولى.
في حين صرّحت تركيا عن استعدادها لفتح ملفاتها للمؤرّخين، تم تكليف عدد كبير من الكتّاب والأكاديميين الأتراك الذين عارضوا النسخ الرسمية للأحداث، مستخدمين أحيانًا كلمة «مجزرة»، بذم الدولة عبر المدّعين المتشدّدين.
برز باموك من بين الذين اعتمدوا تلك السياسة، والذي دقّقت رواياته في ماضي تركيا الإمبريالي بغية استكشاف التناقضات والمعضلات في تركيا المعاصرة.
لقد أثنى اقتباس جائزة نوبل على العمل: «في بحثه عن الجوهر الكئيب لمدينته الأم، اكتشف باموك رموزًا جديدة لتصادم وتشابك الثقافات». في شباط/فبراير 2005، أخبر باموك صحيفة سويسرية بأنّ «30.000 كردي ومليون أرمني قضوا في تلك البلاد ولا يجرؤ أحد على التكلّم عن ذلك.
«ما قلته ليس إساءة، إنها الحقيقة»، قال باموك خلال محاكمته. «ولكن حتى لو كان خطأ؛ صحيح أم خاطئ، ألا يملك الناس حق التعبير عن أفكارهم دون التعرض لهم؟»
سكوت بيترسن
كاتب في صحيفة «كريستين ساينس مونيتور»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1515 - الأحد 29 أكتوبر 2006م الموافق 06 شوال 1427هـ