واضح جدا رغبة الجانب الرسمي الملحة لوصول المرأة البحرينية إلى قبة البرلمان.
وعمليا يمكن الاستدلال على هذه الرغبة التي تنطلق بخطى ثابتة بالكثير من الشواهد الحاضرة، وبأي شكل من الأشكال من الدورة الأولى، لولا تعثر النتائج في المرة السابقة وبشكل أكبر في الدورة الثانية. بدا مشهد دعم الجانب الرسمي للمرأة أكثر إصراراً وصموداً هذه المرة، وفي مقدمتها برنامج التمكين السياسي للمرأة الذي تبناه المجلس الأعلى للمرأة، اذ اخذ هذا الدعم حيزا كبيرا من التركيز والاهتمام والحضور الإعلامي.
فبعد سلسلة من الانجازات التي حققها الجانب الرسمي للمرأة البحرينية خلال السنوات السابقة وفي مقدمتها تقليد المرأة حقائب وزارية رئيسة في مجال الخدمات كوزارة الصحة وبعدها وزارة التنمية - بعد فصلها عن وزارة العمل -، وأيضا تواجدها بدرجة وزيرة من خلال رئاسة الجامعة الوطنية الوحيدة (جامعة البحرين) وأمانة المجلس الأعلى للمرأة، بالاضافة الى تسلم المرأة البحرينية رئاسة جمعية الأمم المتحدة، ووصولها إلى منصب قاضية كأول إنجاز من نوعه على مستوى الخليج العربي، وممارستها العمل السياسي من خلال وجودها في مجلس الشورى سابقا، ومجلس الشورى المعين، يتجه النظام إلى إكمال رحلة الانجازات والتي في مجملها تحسن الصورة الخارجية للمملكة وتعزز دور المرأة البحرينية في كل المجالات باعتبارها شريكا جديرا بتحمل المسئولية الوطنية جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل.
لقد حققت المرأة البحرينية أيضا الفوز المحقق في الدخول الى المجلس النيابي للدورة الحالية، وربما كان اختراقها له قبل الرجل أيضا، وإن كان من خلال التزكية لا من خلال ممارسة العملية الانتخابية. لكن تبقى الفائزة نفسها تستحق ذلك بجدارة بعد ان أدارت حملتها الانتخابية في الدورة السابقة، ولعلها المرأة الثانية من النساء الثماني اللواتي رشحن أنفسهن في الدورة الأولى، فغالبيتهن كما يبدو عليهن يستشكلون إعادة التجربة مرة أخرى.
يذكر أنها في الدورة الأولى تأهلت للجولة الثانية وكانت قاب قوسين أو أدنى للفوز، لكن خطواتها الأخيرة تعثرت دون ان نعرف السبب الواضح لضبابية المشهد. يبدو أن لدى الأخت لطيفة هذه المرة من الضمانات والتطمينات ما يكفيها مؤونة التردد في ممارسة العملية الانتخابية من جديد، والا لا يمكن للمرء ان يلدغ في جحره مرتين.
أتصور بأن هناك كوتا تكتيكية صيغت لصالح المرشحة وتم تنفيذها لضمان فوز مرشحة واحدة على الأقل، ولعل أكثرها سهولة ويسر الدائرة السادسة التي ترشحت فيها الأخت الفائزة، فالكتلة الانتخابية فيها بسيط جدا حتى لو أدارت حملة انتخابية فان ذلك لن يكون صعب المنال، اضف الى ذلك ان غالبيتهم ينتمون إلى عائلة واحدة، وعملية التنسيق معها واردة جدا وليست مستعصية، وهذا ما كنت استشرفه شخصيا من البداية، وهو أن امراة ستصل بالتزكية وأخرى بإذن الله ستصل بالانتخاب.
بعد أن صدقت نبوءة الكثير من النخب السياسية المراقبة للوضع السياسي، وتحققت الإرادة الرسمية وعلى مستوى الانجاز بدات تنتصر في الكثير من الأحيان على الإرادة الشعبية وإرادة القوى السياسية قاطبة بدليل استحواذ الرجال في كل الجمعيات السياسية بلا استثناء على كل المقاعد الانتخابية باستثناء واحد هنا أو هناك من نصيب المرأة وهناك تكتيكات معينة يسعى من خلالها إلى الترويج لها من باب البحث عن التنوع أو محاباة المرأة بل أحيانا التعذر بأنه لم يتم الحصول على الدائرة المناسبة لنزول المرأة بهدف ذر الرماد في العيون. على كل حال، يبقى المجتمع البحريني ذكوريا حتى النخاع ولا مجال للمواربة، والأدلة خير شاهد وبرهان على كل ما ندعيه.
الأمر لا يقتصر على جمعية بعينها فكلهم في الهواء سواء فيما يتعلق بالمرأة، فالمرأة على كل حال أجندة مؤجلة، ونستطيع أن نقول بأنهم كلهم في ظلم المرأة وممارسة حقوقها السياسية سواء يزيد عند البعض ويقل عند البعض الآخر، ولكنهم يتساوون في النهاية بظلمهم إلى المرأة ويتعللون في ذلك إلى التعقيدات الميدانية وغيرها من أمور وكأن التعقيدات الميدانية لا تأتي الا حينما تكون المرأة مرشحة، وحينما يكون الرجل مرشحا فإن التعقيدات تنعدم على رغم ما نشاهد وما نتابع من أمور عجيبة غريبة يختلط فيها الحابل بالنابل كل ذلك بغياب المرأة، لا بل نستنكر ونندهش إذا كانت المرأة أحد أبطالها، برغم أنها تعيش في نفس المجتمع وفي نفس الواقع.
نعم التعقيدات الميدانية موجودة وستظل كذلك، ولن تذوب بملء إرادتها ولا بد من حلحتها عبر برامج مدروسة لا السكوت عنها.
بعد أن شاهدنا رأي العين في الخطوات الايجابية العملية التي تخطوها الحكومة اتجاه تمكين المرأة خطوة تلو الأخرى، ألا يحق لنا في المقابل أو في البعد الآخر أن نتساءل عن موقعية المرأة الحقيقية لدى التنظيمات الشعبية التي تشترك معهم في كل الخطوات من التأسيس والاشهار إلى لحظة تنفيذ البرامج على الأرض، والتي لا يمكن تمرير برامجها وخططها اصلا الا من خلال المرأة أو إننا نغالي في طرحنا؟
قد أطلت في التفاصيل من دون أن أطرح سؤالا منطقيا، هل تفكر التنظيمات الشعبية في محور تمكين المرأة سياسيا ؟
أم أنها تتجاهله وتقفز عليه أو تلتف من حوله بغرض استحقاقات معينة ؟ مراقبتنا للعملية الانتخابية أفرزت العديد من النتائج ربما من بينها أنه لا يوجد إلى الآن إرادة شعبية واضحة المعالم باتجاه مساعدة المرأة للوصول إلى المواقع السياسية، وفي ظل عدم وجود كوتا رسمية للمرأة البحرينية تمكنها من الوصول سيكون صعبا جدا وصولها بل ان فكرة تمريرها ستكون محفوفة بالمخاطر التي لا يمكن للتنظيمات الشعبية دفع ثمنها وأن كان بخسا، على رغم أن هناك الكثير من الفرص قد فوتت كان من الأجدى الاستفادة منها لتعويض عدم وجود قرار دستوري بشأن الكوتا من خلال تحالفات سياسية مدروسة، حتى وإن كان ثمنها كبيرا ولكن ممكن تحقيقه على الأرض، بحيث تستطيع ضمان نجاح المرأة إذا كان هناك اتفاق على المبدأ والعنوان، أما بالتزكية كما فعلت الحكومة وسجلت هدف على الجانب الشعبي، أو حتى من خلال العملية الانتخابية، وربما ذلك يكون أفضل وله زخم أكبر للتنظيم الذي سعى إلى ذلك وأظن بأن المفاتيح كانت موجودة وتمت إضاعتها، ولعل عزاءنا الوحيد أن نقول المرة القادمة نستفيد أكثر من هفواتنا وليست من أخطائنا
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1515 - الأحد 29 أكتوبر 2006م الموافق 06 شوال 1427هـ