العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ

تطور الفكر والعمل الخليجي بشأن المياه... بروز حدة المشكلة المائية (3)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

استعرض المقال السابق التطورات التي حصلت في مجال الموارد المائية في منطقة الخليج العربي في فترة الثمانينات ومطلع التسعينات والحلول المطروحة لتقليص الفجوة المائية والتي تمحورت غالبيتها حول مقترحات زيادة الإمدادات المائية عن طريق جلب المياه من الخارج، أو البحث والتطوير بهدف تقليل كلفة مياه التحلية، كما تم التطرق إلى إنشاء جمعية علوم وتقنية المياه (1987) كأول منظمة علمية إقليمية غير حكومية في مجال المياه في منطقة الخليج العربي، وتم استعراض نتائج مؤتمرها الأول الذي عقد في دبي (1992) كأول مؤتمر ناقش قضايا المياه الخاصة بمنطقة الخليج، وتوفيرها لملتقى خليجي يتم فيه التحاور والمناقشة العلمية المفتوحة وتبادل الخبرات والتجارب بين المختصين من دول المجلس.

وتجدر الإشارة هنا إلى انه بحلول عقد التسعينات، وعلى رغم ارتفاع الطلب على المياه في القطاع البلدي من نحو 1 مليار متر مكعب في العام 1980 إلى نحو 3 مليار متر مكعب في العام 1990، استطاعت دول المجلس أن توفر مياه الشرب بشكل كامل في جميع مدنها من خلال إنشاء مرافق حديثة لشبكات توزيع المياه البلدية، متفوقة بذلك على العديد من دول العالم. وساعد على ذلك الاستثمارات الهائلة في قطاع المياه والتوسع الكبير الذي قامت به هذه الدول في مجال إنشاء محطات التحلية، اذ بلغت الطاقة التصميمية لمحطات التحلية في دول المجلس في العام 1990 نحو 2.5 مليار متر مكعب/العام، و بما يعادل أكثر من 06 من الطاقة العالمية للتحلية في العالم.

كما تم بموازاة ذلك تحقيق إنجاز آخر في مجال استكمال مرافق الصرف الصحي (التجميع والمعالجة) في معظم المدن الرئيسة في دول المجلس، وتم أخذ المياه المعالجة في الاعتبار كمصدر إضافي يساهم في تغطية الطلب وخصوصاً في القطاع الزراعي. إلا انه في ذلك الوقت لم تتجاوز نسبة إعادة الاستخدام أكثر من 53 من كميات المياه المعالجة في دول المجلس، وبما يمثل نحو 3 من إجمالي الطلب على المياه في هذه الدول آنذاك.

وفي الوقت نفسه تحققت في عقد الثمانينات معدلات متنامية من الإنتاج الزراعي وساعد على ذلك تقديم الحوافز والإعانات المالية الحكومية، كما ذكر سابقاً، بالإضافة إلى نشر أساليب الري الحديثة. إلا أن هذا الإنجاز كان على حساب المخزون الاحتياطي للمياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة. ففي خلال الفترة من 1980 إلى 1990 زاد معدل سحب المياه الجوفية في دول المجلس من نحو 3 مليارات متر مكعب إلى نحو 18 مليار متر مكعب، في حين لا تتجاوز معدلات التغذية لهذه المياه، على أفضل تقدير، أكثر من 5.5 مليارات متر مكعب في العام. وأدت العشوائية والإفراط في استخدام المياه الجوفية للري الزراعي بشكل أساسي إلى نضوبها وتدهور نوعيتها وتملحها في جميع دول المجلس بدون استثناء.

فعلى سبيل المثال انخفضت المناسيب المائية في واحة الإحساء بنحو 70 متراً خلال هذه الفترة وصاحب ذلك انخفاض كبير في معدلات تدفق العيون وزيادة في مستويات ملوحة المياه المنتجة، كما هبطت المناسيب المائية في حقول دولة الكويت من 40 إلى 50 متراً وصاحبها ارتفاع حاد في نسب ملوحة المياه المنتجة من هذه الحقول. وحدثت الظواهر نفسها المصاحبة للاستنزاف المفرط للمياه الجوفية من هبوط المناسيب وتدني النوعية وجفاف العيون الطبيعية في البحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وقطر.

ولقد عجل تسارع نمو الطلب بظهور اختلال التوازن بين موارد المياه المتاحة والطلب عليها في دول المجلس بشكل واضح، حيث أزداد الطلب الكلي على المياه في دول المجلس بحوالي ثلاثة أضعاف في الفترة من 1980 إلى 1990، من حوالي 6 مليارات متر مكعب إلى نحو 20 مليار متر مكعب، وبلغ العجز المائي أكثر من 14 مليار متر مكعب في العام 1990. وتم التحذير في الكثير من الاجتماعات والمنتديات والأوراق العلمية بخطورة تزايد الفجوة المائية في دول المجلس مع الوقت، وخصوصاً أن معدلات النمو للمتطلبات المائية للقطاعات المستهلكة الرئيسية (القطاعان البلدي والزراعي)، وصلت إلى أكثر من 2 سنوياً في تلك الفترة، وبما يفوق قدرة دول المجلس في تطوير مصادرها المائية بهذا المعدل وبدون ضخ استثمارات باهظة في قطاع المياه ترهق موازناتها العامة، وتتم تغطية العجز في ميزان المياه بمزيد من الاستنزاف لموارد المياه الجوفية. ولقد تم التحذير من الاستمرار في النظام اللامركزي في إدارة المؤسسات التنظيمية المعنية بالمياه السائد آنذاك في دول المنطقة، باستثناء سلطنة عمان، وسلبياته المتمثلة في تعدد الجهات المسئولة عن رسم السياسات المائية واختلاف أسلوب الإدارة بها وتضخم الميزانية والتداخل في اتخاذ القرارات. وفاقم من المشكلة عدم وجود التخطيط المدروس وعدم وجود آلية فعالة على المستوى الوطني لوضع أولويات استخدام المياه واختيار البدائل. كما برزت في هذه المرحلة بوضوح قضية نقص البيانات والمعلومات المائية، أو في بعض الأحيان وجودها ولكن عدم مشاركتها مع الجهات المعنية الأخرى بالشكل المطلوب، كإحدى المعوقات الرئيسة في عدم إمكانية صوغ أو تنفيذ السياسات المائية الوطنية، كما مثل نقص الكفاءات الوطنية المختصة وضعف قدراتها في مجالات المياه المختلفة عائقاً إضافياً.

ومع حلول عقد التسعينات، بدأت دول المجلس بمواجهة تحديات فنية واقتصادية وأمنية وبيئية جسيمة في سبيل توفير المياه الصالحة للاستخدام الآدمي ومتطلبات القطاعات الأخرى مثل الزراعة. ولقد شكل النمو السكاني المتسارع، سواء للمواطنين أو الوافدين، والذي بلغ أكثر من 6 خلال عقد الثمانينات ضغطاً كبيراً على المسئولين في دول المجلس، حيث انخفضت حصة الفرد من المياه العذبة المتجددة من نحو 390 متر مكعب للفرد في عام 1980 إلى نحو 240 مترا مكعبا للفرد في العام 1990. وبفضل التوسع الكبير في إنشاء محطات التحلية خلال هذه الفترة استطاعت دول المجلس من رفع هذا المؤشر إلى نحو330 متر مكعب للفرد في العام 1990. كما مثل عدم امتلاك دول المجلس لتقنيات التحلية وعدم تحقيقها أي قيمة مضافة لها في اقتصادياتها على رغم اعتمادها المتصاعد على هذه التقنيات في تحقيق الأمن المائي للسكان تحدياً إضافياً كبيراً. وبسبب هيمنة القطاع العام على هذه الخدمة ودعمها وعدم إمكانية استرجاع الكلف، فقد أصبحت تمثل عبئاً كبيراً على كاهل الموازنات المالية لدول المجلس.

أما بالنسبة للتحديات البيئية فقد تمثلت في التدهور المستمر للمياه الجوفية ونضوبها جراء السحب الجائر لها ونضوب العيون الطبيعية وتدهور الموائل الطبيعية المعتمدة عليها وتلوث المياه الجوفية بواسطة الأنشطة السطحية، بالإضافة إلى التلوث الناتج من عمليات التحلية للبيئة البحرية بسبب التركيز الملحي والحراري للمياه الراجعة والمخلفات الكيمائية المصاحبة لها.

أما بالنسبة لمستوى العمل الإقليمي الرسمي في وجه هذه التحديات المائية في المنطقة، فيشار إلى أن النظام الأساسي لمجلس التعاون قد نص في مادته الرابعة على إيلاء عدد من الموضوعات ومن ضمنها الثروات المائية بدول المجلس اهتماماً خاصاً، وأنشئت اللجنة الوزارية الدائمة للتعاون الزراعي والمائي، وانبثقت عنها لجان فنية، من أهمها «اللجنة الدائمة للمياه واستعمالات الأراضي» لتكون مسئولة عن وضع التشريعات المائية الموحدة لدول المجلس والتنسيق في مجالات الدراسات المائية وإقامة الندوات المتعلقة بالمياه والمحافظة عليها. كما تم تشكيل «لجنة ترشيد الاستهلاك الكهربائي والمائي» والتي تتركز اهتماماتها على استعمالات المياه للأغراض المنزلية والشرب. وعلى رغم وجود هذه اللجان المتخصصة فإن المياه في تلك الفترة ظلت تعامل كوسيلة لتحقيق الطلب وليس كعنصر اقتصادي مؤثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أن دور الأمانة العامة في هذا المجال لم يرتق إلى الدور القيادي المأمول وأقتصر على دور المنسق (سيتم في المقالات المقبلة تقييم وتحليل دور الأمانة العامة لدول المجلس في مجال المياه بشكل أكثر تفصيلياً).

من جانب آخر، وبعد نجاح مؤتمرها الأول قررت جمعية علوم وتقنية المياه عقد هذا المؤتمر بشكل دوري كل سنتين وتدوير موقع انعقاده على دول مجلس التعاون كوسيلة لنشر الوعي المائي في المجتمع الخليجي وزيادة التواصل والعمل الخليجي المشترك في مجالات المياه المختلفة. وعقدت الجمعية مؤتمرها الثاني في مملكة البحرين في العام 1994 تحت شعار «المياه في الخليج... نحو إدارة متكاملة» وشارك فيه نحو 400 مشارك. وتطرق هذا المؤتمر إلى الكثير من القضايا التفصيلية في مجالات المياه المختلفة مثل إدارة شبكات المياه البلدية ومياه الشرب وجوانبها الصحية، وأنظمة الري الزراعي، وتقنيات تحلية المياه ومعالجة الصرف الصحي، واستخدامات النماذج الرياضية في إدارة الموارد المائية، ولم تكن نتائج أو مداولات المؤتمر في مستوى حدة المشكلة المائية التي كانت تواجهها دول المجلس آنذاك، وجاءت معظم توصيات المؤتمر مكررة عن المؤتمر السابق (1992)، باستثناء التطرق إلى موضوع التشريعات والقوانين المائية الهادفة لتنظيم استغلال وحماية الموارد المائية وضرورة استكمالها في دول المجلس وتطبيقها.

وسيتم في المقال المقبل استكمال تتبع مسيرة الفكر والعمل الخليجي للمياه في الفترة ما بعد منتصف التسعينات، بعد أن بدأت المشكلة المائية تظهر بشكل حاد، وتصاعدت التحذيرات من استمرار إدارة المياه بالأسلوب القطاعي وغياب التخطيط والسياسات المائية الوطنية ونتائجه السلبية على مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في دول المجلس

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً