دستور مملكة البحرين يخص الغرفة المنتخبة بصلاحيات رقابية أوسع بكثير مما يتيحه للغرفة المعينة. فليس متاحاً لمجلس الشورى في الشق الرقابي سوى توجيه الأسئلة إلى الوزراء.
وبالمقابل تتسع الصلاحيات الرقابية للمجلس النيابي بما يمكنه من أداء وظائف رقابية عامة وشاملة على عمل السلطة التنفيذية.
مجال الرقابة واسع أمام نواب الشعب والوظائف الرقابية تنتظر التفعيل من نواب 2006.
لقد نجح نواب 2002 في إثارة الكثير من القضايا التي ناقشها المجلس النيابي في إطار عمله الرقابي. كما نجحوا في تشكيل لجان تحقيق رقابية بشأن بعض قضايا الفساد الإداري والمالي وشهدت البحرين مناقشات مجتمعية صاخبة تفاعلاً مع ما كان يطرح تحت قبة البرلمان. على رغم ذلك لابد من الإقرار بأن مجلس 2002 لم يتمكن من الوصول بكثير من القضايا التي تصدى رقابياً إلى إثارتها ولا باللجان الرقابية التي شكلها إلى مستوى الإنجاز النهائي. كان هناك دوماً قطعٌ للمهمات الرقابية إما في منتصف الطريق أو على أبواب إتمام المهمة، وذلك عائد لغير سبب ما هو جدير بالدراسة والتقييم.
المهمات الرقابية المتاحة لنواب الشعب متنوعة تأتي على رأسها مناقشة برنامج الحكومة المطروح لإقراره من قبل المجلس. برنامج الحكومة يتطلب من النواب دراسة متأنية ناقدة منطلقة أولاً وأخيراً من مصلحة الوطن والمواطن. ولا يمكن للمجلس مناقشة البرنامج الحكومي بشكل وافٍ ومتكامل إن لم يكن النائب قد قرأه بأقصى درجات التمعن ووقف على تفاصيله وكوّن رأياً وموقفاً عن كل نقطة وردت فيه. إهمال النائب لهذه المسئولية يجعله العضو الحاضر الغائب في جلسات مناقشة البرنامج الحكومي. ولن يجدِ نفعاً ما يقوم به بعض النواب من تصفح سريع أثناء جلسات المناقشة لبرنامج مهم معني بإدارة وتسيير مجتمع بأكمله.
وثاني المهمات الرقابية للمجلس النيابي هي توجيه أسئلة إلى الحكومة ممثلة في وزرائها. ولتوجيه الأسئلة للحكومة أهداف وشروط وآليات ليس منها في شيء توجيه أسئلة هامشية بعيدة عن الهم والصالح العام للمجتمع. وليس منها في شيء تمرير أجندات معينة دينية أو عقائدية أو غيرها. وليس منها كذلك إكثار البعض من توجيه الأسئلة بغرض لفت الأنظار وجذب الانتباه لأشخاصهم. وتوجيه السؤال يحتاج مسبقاً إلى مناقشته على مستوى الكتلة التي ينتمي إليها النائب إن كان يتبع إحدى الكتل البرلمانية. كما يتطلب من النائب مسئولية المتابعة اللاحقة والمطالبة بالإجابة إن تأخرت. بل هو يتطلب متابعة التنفيذ إن اتخذ المجلس أو الحكومة قراراً تنفيذياً بشأن السؤال الموجه.
ومن الصلاحيات الرقابية المهمة استجواب الحكومة ممثلة في وزرائها، إذ ينص دستور المملكة على أنه يجوز بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء توجيه استجواب إلى أي من الوزراء عن الأمور الداخلة في اختصاصاته. وقد يتطور الاستجواب ليصل إلى طرح الثقة بالوزير وهذه صلاحية أخرى يتمتع بها نواب الشعب. ويجوز بعد الاستجواب طرح موضوع الثقة بالوزير على المجلس بناء على طلب موقع من عشرة أعضاء. وإذا قرر مجلس النواب بغالبية ثلثي أعضائه عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر الوزير معتزلاً عن تاريخ قرار عدم الثقة، وعليه أن يقدم استقالته فوراً. ولكي يتمكن نواب الشعب من تفعيل هذه الصلاحية تفعيلاً كاملاً تبرز هنا أهمية تكوين كتلة وطنية واسعة غير موالية للحكومة داخل المجلس، كما تبرز أهمية التحالفات المرحلية بين الكتل.
ومن جانب آخر فالنص الدستوري لا يجيز طرح موضوع الثقة برئيس مجلس الوزراء في المجلس النيابي (مادة 67 - أ). إلا أنه إذا رأى ثلثا الأعضاء/النواب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أحيل الأمر إلى المجلس الوطني(النيابي والشورى) للنظر فيه. وإذا أقر المجلس الوطني بغالبية ثلثي أعضائه عدم إمكان التعاون يرفع الأمر إلى الملك للبت فيه، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة، أو بحل مجلس النواب. وهنا علينا أن ننوه بأنه على رغم محدودية الصلاحية النيابية في هذا الأمر، إلا أن كونها قد تؤدي إلى إجراءات تغييرية، فهي تدخل في نطاق الصلاحيات الرقابية لنواب الشعب.
ومن أهم صلاحيات المجلس النيابي الرقابية صلاحية التحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاصاته في كل ما يتعلق بمهمات وعمل السلطة التنفيذية. ويحق للمجلس تشكيل لجان تحقيق في كل وقت أو انتداب عضو أو أكثر من أعضائه للتحقيق. صلاحية التحقيق هي الوسيلة الأقوى بيد نواب الشعب لكشف أي تجاوزات وللوقوف على مواطن الفساد الإداري والمالي. ويمكن أن يؤدي التحقيق إلى استجواب الوزراء أو رؤساء الهيئات الحكومية ما قد يوصل إلى طرح الثقة بالوزير في حال ثبوت التجاوزات في وزارته أو في أي جهة أو هيئة تابعة لها. ومن مسئولية المجلس الوصول بالتحقيق إلى نهايته وإعلان نتائجه والموقف الذي اتخذه المجلس بناء على تلك النتائج. وهنا تبرز من جديد أهمية تشكيل الكتلة الوطنية الواسعة في المجلس الكفيلة بإيصال التحقيق إلى غاياته والكفيلة بصد أي محاولات قد تبديها الحكومة لعرقلة أو إفشال مساعي التحقيق.
ويدخل حق الكلام للنائب ضمن الصلاحيات الرقابية خصوصاً إن ركّز على سياسات السلطة التنفيذية في إدارة المجتمع وعلى سياساتها الخدمية للمواطن. وليس الكلام وإبداء الرأي والملاحظات حق للنائب فحسب بل هو من أهم واجباته، كما أنه يشكل إثراء لوجوده في الجلسة وتفعيلاً لدوره الإيجابي في اتخاذ المجلس القرارات الصائبة. وبجانب حق الكلام فمن الصلاحيات الرقابية للنائب إبداء رغبات مكتوبة في المسائل العامة. وذلك يذهب باتجاه تحفيز المجلس النيابي لاتخاذ ما يلزم بشأن تلبية مصالح المواطن وحقوقه، فالرغبة المكتوبة قد تلزم الحكومة للأخذ بها وتنفيذها.
ومن الصلاحيات الرقابية إبداء النائب ملاحظات مباشرة على برامج الوزارات المطروحة على المجلس. وهنا نأمل أن يكون لمجلس 2006 دور حاسم حازم في مطالبة الوزارات بتقديم برامجها مفصلة في ضوء معطيات البرنامج الحكومي العام المطروح أمام المجلس. التهاون إزاء تقاعس أية وزارة أو تلكؤها في طرح برامجها مفصلة كان إحدى نقائص مجلس 2002. والاستمرار في التهاون يجر وراءه الاستمرار في التقاعس والتلكؤ وذلك ما نتطلع لعدم تكراره في المجلس القادم.
وتشكل مهمة مناقشة الموازنة العامة للمملكة والنظر في مشروعها وتعديلها أولوية من أولويات الصلاحيات الرقابية للمجلس النيابي. ومع التثمين المجتمعي لما حققه نيابي 2002 لدى مناقشاته لمشروعات الموازنة التي طرحت عليه، إلا أن جوانب القصور التي شابت تلك المناقشات والابتسار الذي أقرت به الموازنات لهي أمور شعر بها حتى المواطن البسيط. وهنا نتطلع لأن يتعامل مجلس 2006 بآليات حازمة حاسمة في مناقشة الموازنة بكل تفاصيلها وفي التداول مع الحكومة بشأن بنودها وفي المطالبة بتفسير ومبرر حكومي لكل بند من بنودها أو لغياب بنود يفترض وجودها ضمن معطيات الموازنة. التصدي لهذه المهمة بحاجة إلى اختصاصيين اقتصاديين حري بالناخب البحريني أن يوصل من يترشح منهم إلى هذا الموقع الحساس الذي تُتخذ فيه القرارات الاقتصادية المعنية بمصير ومستقبل البحرين. وللنائب صلاحية مناقشة الحكومة في موضوع عام قد يكون متداولاً وملموساً على الساحة المجتمعية وقد يكون طارئاً مستجداً يتطلب من المجلس النيابي تحديد موقف وربما اتخاذ قرار حياله. والأمثلة في ذلك كثيرة من قبيل انقطاعات الكهرباء أو الازدحام المروري وغيرها. أما المحك هنا فهو طرح ومناقشة الموضوعات التي تمس حياة المواطن ومصالحه وعدم إضاعة وقت المجلس في موضوعات هامشية على حساب القضايا الوطنية والمواطنية الكبرى.
ومن المهمات الرقابية للمجلس النظر في الشكاوى العامة التي تصل من المواطنين مع الحرص على إدراج الشكاوى التي تتخذ صفة الشمولية المجتمعية ومتابعتها مع الوزارات والهيئات المعنية.
أمام نواب 2006 تجربة أربع سنوات سابقة من العمل النيابي الرقابي بإيجابياتها وسلبياتها وهي تنطوي على دروس كثيرة أهمها طبيعة التعامل مع السلطة التنفيذية وماهية ردود الفعل الحكومية حيال ما يُطرح بالمجلس. ونحسب أن أول تلك الدروس هو معرفة أساليب الحكومة في التعامل مع القضايا واللجان الرقابية والوقوف على الآليات التي تتبعها لتفلت من مستمسكات الرقابة والتحقيق النيابي وتخرج منهما مثلما تخرج الشعرة من العجين.
أخيراًَ نكرر القول إن نجاح الدور الرقابي للمجلس مرهون بتوجه أعضائه نحو تشكيل الكتلة الوطنية الواسعة غير الموالية. الصلاحيات الرقابية متعددة وواسعة، ولا نقول لنواب 2006 إلا هذا الميدان يا حميدان
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ