في الوقت الذي يبدو فيه أنَّ العالميْن الغربي والمسلم يتباعدان، يمثِّل النزاع الطائفي في العراق فرصة فريدة من نوعها للعالمين للعمل معًا وتحقيق هدف مشترك. والجهد التعاوني بين ممثّلي المجتمع المدني المسلم والجماعات الغربية لن يؤدّي فقط إلى حلّ مشكلة التقسيم الطائفي في العراق بل يمكنه أيضًا أن يبدأ بالقضاء على عدم الثّقة المتنامي بين العالم المسلم والغرب.
في الأسبوع الماضي، عقدت «منظمة المؤتمر الإسلامي» اجتماعًا لعلماء الدين الشيعة والسنّة الذين صاغوا بدقّة وعناية بيانًا مؤلَّفًا من ثماني نقاط يُعرَف بـ «وثيقة مكّة».
تهدف الوثيقة إلى إنهاء التقسيم الطائفي في العراق من خلال منع السنّة والشيعة من قتل بعضهم بعضا. وهذه هي المبادرة الحقيقية الأولى التي يقوم بها العالَم المسلم لوقف العنف الطائفي في العراق، غير أنّها لا يجب أن تكون الأخيرة بل عليها أن تُلحَق بمبادرات أخرى من المجتمع المدني.
كما يجب أن يُتبَع الاجتماع في مكّة بإقامة منتدى لعلماء الدين الشيعة والسنّة، مع التشديد على مسئولية إصدار فتاوى مضادّة للتحريض الذي أطلقه خليفة الزرقاوي «أبو حمزة المهاجر». ويجب أن يُرفَض تأييد كلّ تصريح يصدر عن المتطرّفين ويشير إلى الشيعة على أنّهم أحفاد «إبن العلقمي» (وزير الشيعة الذي شارك في غزو التتار لبغداد في العام 1258). كما يجب أن يرفض المنتدى التصديق على عقوبات العنف ضدَّهم وذلك من خلال الإستعانة بأقوالٍ من القرآن وعن النبي محمَّد (ص) تحثّ على الوحدة ضمن أمّة المسلمين.
ويلعب العلماء دورًا مهما لأنَّ سلطتهم وتأثيرهم بين العامّة يفوقان سلطة وتأثير الحكومة.
لولا جهود القائد الرّوحي «آية الله السيستاني» لدخلت العراق في حرب أهلية منذ زمن طويل. وبرغم التحدّيات المتكرّرة من الميليشيات السنيّة، غير أنّه حثَّ أتباعه على التريث.
ويجب أن يتمّ التوسّع في الإعلان عن البيان الصادر في خطبات الجمعة، كما يجب أن تستثمره وسائل الإعلام كفرصة للبدء بحوارات على صعيد الأمة بين علماء الدين السنّة والشيعة المعتدلين.
وعلى منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتعاون مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي يرأس «المركز الدولي للحوار» ومقره جنيف.
كما على الدول الأعضاء في «منظمة المؤتمر الإسلامي» والمتبرّعين الغربيين أن يموّلوا المركز ويقوموا برعاية مخيمات السلام السنية-الشيعية التي تضم طلاّبًا يتَّخذون «بذور السلام» مثلاً يقتدون به.
وعلاوةً على ذلك، يجب أن يُدعى المعنيّون بحلّ النزاع إلى إقامة ورشات عمل مرتبطة بالسلام، حيث يتم تعليم الشباب العراقي أساليب غير عدائية لمواجهة النزاع ويتمّ منحهم فرصة التخلص من السلوك المهين للإنسانية الذي يكنّونه لبعضهم البعض. وبالإضافة إلى ذلك، ستشكِّل «وثيقة مكّة» أساس عملية النظر في التقسيم اللاهوتي بين الطائفتيْن.
وقام علماء الدين على مرّ التاريخ بمحاولات للتصالح وكانت المبادرة الأشهر تلك التي حصلت في القاهرة في العام 1946 عندما تمَّ تشكيل «جماعة التقريب» التي هدفت إلى توحيد مدارس الفكر الإسلامي وتشريع الدستور الشيعي كمدرسة منفصلة للقوانين. وفي العام 1959، اعترف محمّد شلتوت -رئيس جامعة الأزهرالشهيرة- بالأئمّة الإثني عشرية كمدرسة منفصلة وأصدر فتوى تقرّ بذلك. غير أنَّ جماعة التقريب تعرَّضت إلى هجوم من قِبَل جماعات متطرفة سنية ووصلت إلى نهايتها في العام 1972.
فيما يتعلّق بمنظّمة المؤتمر الإسلامي، فعليها أن تعيد إحياء العملية من خلال إنشاء جيل جديد من علماء اللاهوت يكونون ملتزمين بالهدف نفسه في العراق وفي أيّ مكان من العالَم.
وباستطاعة منظمات التنمية في العراق أن تخفّف من حدّة النزاع الطائفي، فعلى المجموعات الإسلامية مثل «الغوث الإسلامي» و»العون المسلم» أن تؤسّس برامج تنمية مشتركة للسُنّة والشيعة وبالتالي تأمين موارد مالية إضافية للمجتمعات التي تتفق الطائفتيْن على العمل فيها. فسواء تمَّ تشكيل برامج أعمال عامّة أو مشاريع ذي دخلٍ ضئيل، يجب أن يتمثَّل المبدأ الأساسي خلال التنفيذ بتضمين الطائفتيْن.
ويجب أن يأتي التدخّل الغربي في هذه المبادرات على شكل مساعدة أمنية، فقوّات الائتلاف في العراق لها دور حرج في بسط الحماية على مبادرات السلام المتنوّعة المذكورة أعلاه.
أمَّا منظمات التنمية والمنافذ الإعلامية وممثّلو المجتمع المدني الآخرون، فقد تمَّ استهدافهم تكرارًا وهم بحاجة إلى حماية لكي يعملوا بفعاليّة. وبالتالي، على جيوش الائتلاف أن تؤمّن أمناً إضافيًا لممثّلي المجتمع المدني أولئك من أجل زيادة مصداقيّتها وشعبيتها ضمن السكّان المحليين.
كما على الحكومات الغربية أن ترحب بالجهد الذي بذله المجتمع المدني لإنهاء النزاع الطائفي في العراق وأن تتعهَّد بتقديم دعمها من خلال إقامة مؤتمر واهب. وبما أنَّ مبادرات المجتمع المدني لا تكلِّف الكثير، فلن تجد الحكومات الغربية صعوبة في تأمين الموارد المالية اللازمة وستحسن في الوقت نفسه صورتها عند العراقي العادي والعالم المسلم على نطاق واسع.وتتوجَّه الأنظار جميعها إلى خطّة السلام التابعة لرئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» والتي تهدف إلى توحيد الأحزاب السياسية الطائفية ضمن حكومته. ولكي تلقى الخطّة قبولاً شعبيًّا، يجب إلحاقها بمبادرات سلام متزامنة معها. كما باستطاعة إستراتيجية فعّالة مكوَّنة من جماعات غربية وممثّلين من المجتمع المدني أن تؤدّي إلى تنمية جيل ينبع من العراقيين الذي سيكونون قادرين على مقاومة السلوك التحريضي الذي تعتمده الجماعات الدينية والسياسية المتطرّفة.
مهلكة صمداني
كاتبة حرّة مقيمة في بنسفيلد، ماساتشوستس
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ