غداً يبدأ اللقاء التشاوري في لبنان الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري. فكرة اللقاء لجأ إليها بري بعد أن وصلت الثقة بين الأطراف إلى درجة متدنية.
الفكرة شكلت المخرج ولكنها كما تظهر الأمور لن تنجح في ايجاد حل للازمة التي تفاقمت بعد العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان. فالعدوان زاد المشكلات واضاف اليها مجموعة نقاط من الصعب تجاوزها حتى لو توافقت القوى على مسلمات منها عدم الانجرار إلى الشارع.
الأزمة اللبنانية أكبر من هذا البلد الصغير وهي اساسا ليست لبنانية في بعض وجوهها لاعتبارات تتعلق بالمنطقة والمحيط والسياسة الدولية. فالبلد يقع اصلا في دائرة مضطربة ومهددة من «اسرائيل»، كذلك يواجه مشكلات اقليمية لا يقوى على تجاهلها ولا يملك الامكانات لاحتواء سلبياتها.
فكرة التشاور التي اقترحها بري لقيت التجاوب من محتلف الأطراف، ولكن مختلف الأطراف لم تجد فيها الحل. فالكل يدرك أن الازمة كبيرة حتى لو ظهرت الاختلافات في وجهات النظر تحت عناوين محلية مثل تعديل الحكومة أو مناقشة قانون الانتخابات وغيرها من نقاط طالبت قوى «14 آذار» ادخالها لتوسيع دائرة الحوار. فهذا الطرف الذي يطلق عليه فريق الأكثرية حاول نقل جدول الاعمال من سياق محلي إلى اطار يشمل بعض الجوانب الاقليمية والحساسة التي ينص عليها القرار الدولي 1701.
المالطبة بالتوسيع لقيت الاعتراض من قوى «8 آذار» وتمسكت بالنقطتين (الحكومة وقانون الانتخابات)، كذلك فعل الجنرال ميشال عون الذي أعطى موافقته المبدئية وترك جوابه النهائي معلقاً لمعرفة ردود فعل الاطراف الأخرى.
إذاً وقبل أن يبدأ «اللقاء التشاوري» اخذت القوى المعنية بالحل تشكك بامكان توصل الأطراف إلى تفاهم يمنع انزلاق لبنان إلى مواجهات سياسية في الشارع. فكل فريق قرأ مضامين الدعوة من زاويته محاولاً تغليفها باللون الذي يناسب توجهاته. فالجنرال اعتبر نفسه انتصر في معركة لم تقع أصلا. وقوى «14 آذار» تعاملت مع دعوة بري بدهشة واستغربت تمسكه بالجدول الذي طرحه والمدة الزمنية التي اقترحها. ولكنها لم ترفض الدعوة من ناحية المبدأ. واشترطت بعض النقاط التي يمكن الانطلاق منها لفتح ملفات اغلقت خلال فترة العدوان أو بعده.
صورة غامضة
حتى الآن لم تتوضح استعدادات الأطراف ومدى تجاوبها مع خطة بري لانجاح اللقاء التشاوري. فرئيس مجلس النواب كما ظهر في مؤتمره الصحافي الأخير متخوف من المجهول ويرى أن دعوته فرصة أخيرة لانقاذ البلد من الانهيار. ورأي بري يبدو أنه تحول إلى وجهة نظر عامة تقول بها مختلف الأطراف. فالكل خائف والكل يتجه نحو التهدئة ولكن هذا الكل غير متفاهم على برنامج موحد أو خطة بديلة وبالتالي يتمسك كل فريق بجدول أعماله على رغم معرفته أن الفريق الآخر لن يقبل به.
لذلك ترجح المصادر المطلعة على خلفيات الدعوة احتمال فشل الأطراف في التوصل إلى تفاهم بسبب وجود عناصر كثيرة تشكل قاعدة الأزمة ولكنها غير مطروحة للعلاج. فالأكثرية ترى أن هناك الكثير من النقاط التي يجب ادراجها على جدول الحوار حتى يكون التشاور المطلوب على سوية الأزمة. والمعارضة على انواعها تجد في الحوار مجرد مسافة زمنية تؤجل انفجار الأزمة ولكن احتمال الانفجار غير مستبعد.
ولأن كل فريق خائف من الآخر وافق على مبدأ التشاور بينما يرى أن امكانات الخروج بتصور مشترك تحتاج إلى توازنات غير متوافرة الآن في الواقع اللبناني. فالأكثرية غير قادرة على الدفاع عن مواقعها أو على الأقل لا تستطيع أن تحول افكارها العامة إلى برنامج عمل. والأقلية تملك القوى القادرة على خلخلة الاستقرار ولكنها لا تستطيع أن تنقل الدولة إلى المكان الذي يتناسب مع مشروعها. وبسبب هذا التوازن الزئبقي ابدى بري حذره من سلبيات الفشل وتمنى على الأطراف أخذ دعوته على محمل الجد وإلا سيدخل البلد في دهاليز المجهول.
توقعات بري ليست أمنيات. فالمخاوف حقيقية وليست كلاماً يقال للتخويف. فالقصد من دعوته لم يكن نتاج قناعته باحتمال التوصل إلى الحل فهو الأكثر ادراكاً من غيره لتلك العقبات التي يصعب تذليلها في بلد بلغت فيه الاستقطابات الطائفية والمذهبية مرحلة خطيرة.
بري كان يدرك أن دعوته للتشاور لن تتوصل إلى حل ولكنه غامر بالمسألة حتى لا يتحمل لاحقاً مسئولية الفشل. فالفشل في حال حصل وهو المرجح ستتحمل مسئوليته كل الأطراف المشاركة في اللقاء أو المقاطعة له. ولذلك كان لابد من التشاور لإعلان الفشل وتحمل كل الأطراف المسئولية.
الفشل هو المرجح
فشل اللقاء التشاوري هو المرجح، والنتيجة يمكن معرفتها من الآن لأسباب مختلفة منها أن القوى السياسية التي تتشكل منها الأزمة لا تملك القدرات الكافية لحلها حتى لو تم الاتفاق على توسيع جدول أعمال الحوار أو شاركت الأطراف على أعلى مستويات التمثيل. فالأزمة كبيرة وممتدة ولا يمكن اختزالها بنقطة أو بعشر نقاط. فهناك موضوعات داخلية تصعب السيطرة عليها وهناك موضوعات خارجية تحتاج إلى توافقات دولية وإقليمية لمعالجتها. حتى الأمم المتحدة فشلت في احتواء المشكلات اللبنانية وهي مشكلات احتاجت من مجلس الأمن التحرك عشرات المرات وأصدر بشأنها سلسلة قرارات دولية من دون فائدة. كذلك فشلت جامعة الدول العربية في تقديم تصور للحل وهي دخلت أكثر من مرة في تصادمات كادت أن تقوض ما تبقى من مسمى التضامن العربي ومع ذلك لم تنجح الأطراف في وضع مشروع يسهم في حل الأزمة.
الفشل هو المرجح لأنه يملك عناصر قوة أكثر من عناصر النجاح. فإذا كانت محاولات الجامعة العربية للتفاهم اصيبت كلها بالفشل، وإذا كانت قرارات مجلس الأمن لم تنجح في التوصل إلى حل للأزمة، فكيف يمكن توقع النجاح لفكرة التشاور لمدة 15 يوماً في وقت تتخوف الأطراف من المجهول ولا تتردد كلها في تجربته.
الكل يعلم ماذا يعني فشل اللقاء التشاوري والكل أيضاً مستعد للمغامرة وغير مستعد لتقديم تنازلات جزئية تنقذ ما تبقى من أشكال دولة وأشلاء وطن. فالفريق الأكثري يدرك أن عدم التوصل الى صيغة بشأن الحكومة يعني أن البلد سيدخل في استقطابات سلبية قد تطيح بأركان الدولة. والفريق الأقلي يدرك أن قانون الانتخابات يحتاج إلى مشاورات تتجاوز المدة الزمنية التي حددها بري في دعوته ومع ذلك لا يمانع في خوض تجربة حوارية لن تنتهي إلا في طريق مقفل من كل الجهات.
الأزمة اللبنانية تفرعت فعلاً إلى أزمات. ولبنان عاد من جديد إلى ساحة مفتوحة ومكشوفة أمام احتمالات سلبية كثيرة لا تقوى الأطراف المحلية على احتواء تداعياتها. وهذا الانفتاح والانكشاف المعطوفان على عقول مقفلة سيؤديان إلى الاحتكام إلى لغة الشارع.
دعوة بري جيدة ولكنها مجرد رفع عتب. وتلبية الفرقاء الدعوة وترحيب كل القوى المعنية بها لا تعنيان أن مسار اللقاء يتجه نحو التوافق. فالكل ينتظر. وهناك من يلعب في الوقت الضائع، وهناك من يراهن على الشارع، وهناك من يراوغ ويدعي المسكنة، وهناك من يستعد لممارسة هواية اللعب بالنار. فالكل يناور ويدور حول المشكلات والحلول لأنه يعلم بأن لا فائدة من الحوار واللقاء أو التشاور.
هذه هي حقيقة الأمر ولأن الحقيقة مرة فإن الأطراف توافقت على عدم اعلانها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ