العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ

ألمانيا تخشى ردود فعل على «تدنيس الموتى»

بعد تورط جنودها في فضيحة أفغانستان

حين روجت مجلة «Life» الأميركية لنفسها في الثلاثينات كتبت عبارة تقول: صورة واحدة تقول أكثر من ألف كلمة. في القرن الواحد والعشرين أيضا مازالت العبارة صائبة. لذلك لم يحتج المرء للتعليق مطولا على الصور السادية والفاضحة لما فعله الجنود الأميركيون في سجن أبوغريب في بغداد وينطبق الأمر أيضا على جرائم «إسرائيل» في فلسطين ولبنان والآن تخشى ألمانيا خسارة سمعتها بعدما نشرت صحيفة شعبية صوراً يعود عهدها للعام 2003 يظهر فيها جنود ألمان يعملون في مهمة القوات الدولية (إيساف) في أفغانستان وهم يزهون بحمل جمجمة.

في بلد مسلم مثل أفغانستان محرم تدنيس الأموات مثلما هو محرم في كل بلد في العالم. منذ الكشف عن فضيحة جديدة ترتبط باسم القوات المسلحة الألمانية تعيش برلين السياسة صدمة قوية بينما المعلقون يحذرون في الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزة من عواقب نشر هذه الصور في العالم الإسلامي إذ ان الجيش الألماني خلافا للجيشين الأميركي والبريطاني يتمتع بسمعة جيدة خصوصاً في أفغانستان، إذ يعمل الجنود الألمان في مشروعات إعادة التعمير وحتى الآن لم يجر الحديث عن صدامات بين الألمان و»طالبان» الذين يهددون بالعودة. بعد 11سبتمبر/أيلول العام 2001 أعلن المستشار الألماني جيرهارد شرودر تضامن بلاده اللا محدود مع الولايات المتحدة. أنه التضامن الذي حمل الجيش الألماني إلى أفغانستان بداية بسفر مئة جندي ينتمون للقوات الخاصة KSK ثم بعد الحرب بانتشار جنود ألمان في كابول وقندز لهدف فرض الاستقرار وإعادة التعمير.

تلطخت سمعة القوات خصوصاً حين قال مراد كونارز الشاب التركي من مدينة بريمن انه تعرض لمعاملة سيئة من قبل جنديين ألمانيين ينتميان للقوات الخاصة حين كان مسجونا في سجن أميركي في أفغانستان قبل أن نقله الأميركيون إلى غوانتنامو، إذ قضى أربعة أعوام نصف العام لأن الولايات المتحدة تأكدت من براءته وعدم انتمائه للطالبان ولا لـ»القاعدة» غير أن ألمانيا في عهد المستشار السابق شرودر رفضت تسلمه لأن بعض المسئولين قالوا ان عودة شخص من غوانتنامو يشكل تهديدا على أمن ألمانيا. في القريب ستنظر لجنة تحقيق برلمانية بهذه القضية. بعد نشر صور فضيحة تدنيس الأموات ترتبط فضيحة أخرى باسم القوات المسلحة الألمانية وهي فضيحة تعيد إلى الذكريات الصور المروعة من داخل سجن أبوغريب. هل أراد بعض الجنود استعراض طيش الشباب أم أنهم أرادوا السخرية من الضحايا؟ لكن النتيجة واحدة وهي أن نشر الصور صرف النظر عن إنجازات الجيش الألماني في أفغانستان من جهة وأن مهمة القوات المسلحة الألمانية في أفغانستان التي وافق البرلمان الألماني (بوندستاغ) على تمديدها قبل أيام قليلة مدة عام جديد، أصبحت مفعمة بالمخاطر. إذ تحذر تعليقات الصحف الألمانية من استغلال (الإسلاميين) لهذه الصور وإعلان الحرب أيضا على الجيش الألماني في أفغانستان.

وفي مسعى منهم لحصر الخسائر سارعت رموز الحكم والمعارضة لإدانة ما حصل والدعوة لمحاسبة الجنود الذين يظهرون في الصور وقال وزير الدفاع الألماني فرانز جوزف يونغ إن من ينظر إلى الصور يشعر بالخجل وأضاف» لا مكان في الجيش الألماني للذين يقومون بهذه التصرفات الحمقاء».

وتزامن نشر الصور في اليوم الذي أراد فيه وزير الدفاع الترويج للشعب الألماني عن دور القوات المسلحة الألمانية في أنحاء العالم لكن عوضا عن ذلك قامت صحيفة «بيلد» الشعبية الواسعة الانتشار بنشر صور الفضيحة الجديدة التي سببت صدمة للألمان وجعلت القوات المسلحة مثار مناقشات. وعلقت صحيفة «فرانكفورتر» الألمانية على الفضيحة: خيبة أمل السياسيين الألمان كبيرة جدا لأن ما حصل لا يتفق أبدا مع الصورة التي أرادها الألمان والسياسيون في بلدهم من الجنود الألمان في الخارج. لقد ترددت ألمانيا كثيرا قبل أن أرسلت جنودها إلى الخارج وحين فعلت كانت تنتظر أن يتصرفوا كمواطنين ألمان في زي عسكري.

ويقول هانز لاينديكر الصحافي المرموق في صحيفة «زود دويتشه» الصادرة بمدينة ميونيغ أن الصور التي أخذت خلال حربي أفغانستان والعراق تعكس وضعا متغيرا ففي السابق نشر مصورون مثل مصور الحرب الأميركي جيمس ناختواي ما يكشف عن بشاعة الحروب مثل صور جثث محترقة وأشلاء جنود ومدنيين أما اليوم يقوم الجنود أنفسهم بتسجيل المشاهد المروعة بكاميرات الفيديو وللحفظ في الألبومات الخاصة ومن الحصيلة الخاصة ظهرت على العالم صور التعذيب في سجن أبوغريب التي ظهر فيها معتقلون يتعرضون لأسوأ أنواع التعذيب النفسي والسادي وجندية أميركية تجر أحدهم مثل الكلب وآخرين عراة وآخر ينبح به كلب وجندية أخرى تشير إلى جثة عراقي كأن الضحايا لا أسماء لهم. ويشير لاينديكر إلى انتشار أشرطة الفيديو والصور التي أخذها جنود في العراق على الإنترنت منها على سبيل المثال الفيديو الخاص الذي يحمل عنوان: جنون الرماديRamadi Madness يوثق عملية لوحدة عسكرية أميركية في العراق يظهر في الفيلم جندي أميركي يلوح للكاميرا بيد قتيل عراقي وأيضا جندي آخر يركل بخشونة معتقل مقيد اليدين والرجلين.

ويقول لاينديكر ان جنود الولايات المتحدة يرسلون هذه الصور من مناطق تمركزهم في العراق إلى شركة في الولايات المتحدة تعمل بتسويق هذه الصور لعرضها واستقطاب الزبائن للنقر على صور خلاعية. حين نشرت صور فضيحة أبوغريب أجمع المعلقون الألمان على أنها من أسباب فشل المشروع الأميركي في العراق. الآن على ألمانيا مواجهة نتائج فضيحة القوات المسلحة الألمانية في أفغانستان وخصوصاً أن الولايات المتحدة طالبت برلين بالنظر سريعا بالقضية واتخاذ اللازم. انه الخوف المشترك من أن يؤدي نشر الصور في اضطرابات في أفغانستان والاحتجاج على سلوك بعض الجنود الألمان الذين فمنذ وقت لم يعد الجنود الألمان (حالة استثنائية) وبعد تسلم القوات الدولية القيادة في منطقة الجنوب لم يعد الأفغان يميزون بين الجنسيات.

وتخشى برلين أن تتعرض مراكز الجيش الألماني للانتقام ونهاية الحالة الاستثنائية إذ كان يحلو للجنود الألمان القول إن المواطنين الأفغان يعاملونهم كأصدقاء على العكس من المحتلين الأميركيين والبريطانيين. كان الأفغان يميزون بين الجنود الذين يحاربون وبين الذين يعملون في مشروعات التعمير. غير أن الكشف عن صور تدنيس ميت في أفغانستان تضع جميع جنود القوات الدولية (إيساف) الذي يشرف على عملياتهم حلف شمال الأطلسي في خطر. لذلك طلب الأمين العام للحلف العسكري الغربي هيب دو شيفر من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محاسبة المسئولين عن الفضيحة على عجل. دو فيشر أيضا يخشى ردود الفعل وقال أحد المعلقين: الإسلاميون سيستفيدون كثيرا من هذه الصور وما بالك سيحصل حين تنتشر في أفغانستان؟ وأبلغ برنهارد جيرتز رئيس رابطة القوات المسلحة الألماني صحيفة «باساور نوين بريسه» الصادرة في مدينة باساو بأقصى جنوب ألمانيا أن نشر الصور يلحق أشد خطر بالجنود الألمان العاملين في أفغانستان كما يؤدي إلى سوء سمعة ألمانيا في العالم الإسلامي كما قال إن «طالبان» و»القاعدة» سيستغلان الصور لتحريض الشارع الأفغاني على الجنود الغربيين. في المدة الأخيرة زادت الصدامات المسلحة بين قوات (إيساف) و»طالبان» وتسفر هذه الصدامات عن وقوع إصابات كبيرة في صفوف المدنيين الأفغان الأمر الذي يزيد من العداء للجنود الغرباء. يوم الأربعاء الماضي ذكرت وكالة أنباء أفغانية نقلا عن شهود عيان أن 70 مدنياً قتلوا خلال المواجهات.

حتى لو أن الجنود الألمان البالغ عددهم في أفغانستان 2800 جندي ويشكلون بعد الأميركيين والبريطانيين أكبر قوة عسكرية في القوات الدولية لكنهم لا ينشطون عسكريا في الجنوب إذ تكثر العمليات العسكرية فإنهم يضعون الشعار نفسه على بزاتهم العسكرية. و بلغ عدد قتلى الجنود الألمان 18 منهم ستة قتلوا نتيجة تفجيرات وأصيب العشرات منهم بجراح.

في الآونة الأخيرة زاد عداء المواطنين الأفغان خصوصاً في مايو/أيار الماضي بعد حادث تصادم حصل مع عربة عسكرية أميركية في كابول ثم حصلت مظاهرات احتجاج دامية بعد نشر صور كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (ص) في صحف دنماركية وغيرها في أوروبا كما حصلت مظاهرات احتجاج دامية أخرى بعدما ذكرت مجلة «نيوزويك» الأميركية أن نسخا من المصحف الشريف جرى تدنيسها في معتقل غوانتنامو. بصورة عامة هناك حال يأس من الوضع الحالي ويقول يوخين بوخشتاينر مراسل صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» في تقرير له أن الوضع في أفغانستان لم يتحسن حين كان يحكم «طالبان» على رغم وجود 40 ألف جندي أجنبي 30 ألفا منهم ينتمون لدول حلف شمال الأطلسي فإن الوضع الأمني في البلاد زاد سوءا ولا أثر للمليار يورو المخصصة لشراء بضائع كما أن الكثير من منظمات الإغاثة الدولية أجبرت على وقف نشاطاتها في هذا البلد. الفضيحة الجديدة للجنود الألمان تزيد الوضع سوءا

العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً