أن تكون إيرانياً وطنياً تحب مصالح بلدك السيادية ووحدة أراضيه فلا يمكن إلا أن تكون قلقاً مما يعد لجارك العراقي من مخطط تمزيق وتفيت وفتنة واسعة النطاق وبعيدة المدى!
كذلك الأمر إن كنت سورياً وطنياً... أو كنت سعودياً وطنياً... أو كنت مَن كنت من جيران العراق! هذه هي المشكلة الحقيقية للعراق مع جيرانه ولجيران العراق مع حكام العراق الحقيقيين!
فلو سكت الإيرانيون بعد اليوم على ما يخطط للعراق من مزيد من التدمير والضياع والتمزيق باسم الفيدرالية والأقاليم واللا مركزية والتعددية والديمقراطية والتنوع العرقي والديني والطوائفي وما شابه من المقولات البراقة والجميلة الكثيرة التي تطلق في عراق اليوم على خليفة نبذ العهد الدكتاتوري والاستبدادي البائد، فإن ايران التي نعرفها اليوم لن يبقى منها اثر خلال اقل من عقد من الزمان!
الأمر نفسه ينطبق على السعوديين وكذلك السوريين والمصريين وأقطار ودول أخرى على مقربة من نار العراق المشتعلة والحاملة معها فتائل التفجير المتعددة!
إن التعاطي مع الملف العراقي من قبل الجيران بالطريقة التقليدية السابقة لم يعد مقبولاً بعد ظهور نتائج تحقيقات لجنة جيمس بيكر الاميركية وقرار القيادة المركزية العسكرية الأميركية بإجراء تغييرات استراتيجية في معالجة هذا الملف!
فالاتهامات المتكررة من جانب قادة الولايات المتحدة لكل من سورية وإيران بأنهما المسئولتان عما يجري من عنف داخل العراق سيتم تعميمها بعد اليوم على سائر الجيران، كما سيتم تصعيد الاتهامات باتجاه كل من طهران ودمشق تحضيرا للانتقال بالمعارك ودورات العنف إلى خارج العراق!
إنها السياسة القديمة المعروفة نفسها بتصدير الأزمات إلى خارج دوائرها الحقيقية كلما ضاقت السبل بالقوى المهيمنة. هكذا حصل في نهاية الأزمة الكورية في الخمسينات، وهكذا حصل في نهاية الأزمة الفيتنامية في السبعينات!
ولما كان «الهروب» أو «استراتيجية الخروج المطمئن والمنظم» كما يسمونه من العراق قادم لا محالة بعد تفاقم الوضع هناك وتراكم الأخطاء الاستراتيجية فإن لجنة بيكر كانت واضحة في تحميلها العراقيين وجيرانهم نتائج كل شيء!
إنها سياسة توريط الجميع وتوزيع نتائج الفشل الذريع على كل المعنيين بالملف العراقي حلفاء كانوا أم أصدقاء أم أعداء، وإن كان سهم الأخيرين سيبدو مضاعفاً!
المهم هو ألا ينجو أحد من عواقب الكارثة وتداعياتها، إذ إن خروج القوات «المحررة» بأقل ما يمكن من خسائر من الآن فصاعداً مادامت الاستراتيجية الجديدة تقضي بترك العراقيين يتحملون المسئولية بكل جدية هذه المرة وبالتهديد والوعيد إن قرروا المجادلة أو المشاكسة أو المناكفة!
وأما الجيران فإن الخطط بشأن ادخالهم في دوامة «الدمقرطة والفدرلة» وحق الأقليات في المشاركة في السلطة وتوزيع الثروة من المركز إلى الأطراف أكثر من جاهزة لهم ولن ينجو منها أحد اذا ما قرر اغماض عينيه عما يجري في العراق أو ظن للحظة أن مصالحه القومية العليا في رؤية العراق ضعيفاً أو مقسماً أو غارقاً في ظلمات دولية داخلية!
ليس البديل عن ذلك بقاء السلطات المركزية لبلداننا غافلة أو متغافلة، ناسية أو متناسية ما يجري من ظلم أو إجحاف أو تهميش لأطياف كثيرة من الشعب الواحد والموحد في كل قطر من الأقطار الآنفة الذكر، أبداً ليس هذا هو الحل! بل العكس تماماً فالمطلوب ابعاد المنافقين من المستشارين وطردهم من مناصبهم الحالية واستدعاء أو بالأحرى طلب المشورة من الناقدين القادرين على «ابكاء» القيادات واحراجها ووضع النقاط على الحروف والاصبع على الجرح فيما تعاني منه بلداننا حتى نسد الثغرات التي ينفذ منها العدو الخارجي ونسحب البساط من تحت أرجل المتآمر الداخلي وبالتالي تعميم ثقافة «ان الحل يأتي من الداخل وعلى يد أهل الوطن والبلاد وعشاق الحرية الحقيقية».
نعم عشاق الحرية الحقيقية الذين لا يخافون الا الله ولا يمالئون أحداً في السلطة وأعينهم «مليانة» اصالة وكرما وعطاء ولا يبحثون عن فتات موائد الحكام! وحب الوطن بالنسبة لهم فعلاً من الايمان وليس من أجل مآرب أخرى.
إن تجربة «تحرير» العراق و»تحرره» من الاستبداد والطغيان والظلم والقمع والاجحاف عن طريق إطلاق يد الأجنبي فيه لتفعل ما تشاء وكيف تشاء، أعادت تأكيد ما يفترض أنه معروف في الأمثال الشعبية الشهيرة «ما حك جلدك غير ظفرك».
كما أعادت التأكيد أن مقولات التعددية والديمقراطية والحكم اللامركزي وتوزيع الثروة العادل والقبول بالآخر من دين أو عرق أو طيف أو طائفة لن يحصل عن طريق أعمال العنف والقوة والحرب وخصوصاً من خارج الدائرة الطبيعية المترابطة، بل إن خيار الحرب على العراق وتفكيكه وحل سلطاته وغزوه أشاع ثقافة متناقضة تماماً مع كل تلك المقولات، وهي تكاد تطيح بكل مقومات الطوائف والأعراق والأديان والقوى والجماعات في العراق وليس العراق باعتباره وحدة سياسية جغرافية تاريخية فحسب!
إن المقولات الآنفة الذكر لا تنمو ولا تترعرع ولا تنضج ولا تتقدم إلا في فضاء سلمي وسليم وفي إطار صيرورة أو «سيرورة» اجتماعية طبيعية تحركها وتشغلها وتفعلها الحاجة الواقعية والطبيعية للناس في الزمان والمكان إلا في اللحظة التاريخية المناسبة!
حذارِ إذاً من مخطط «عرقنة» المنطقة ومن «فدرلة» العراق ولتتوحد كل الجهود من أجل إعادة وصل ما انقطع ما بين العراقيين إن أمكن ومنع انفراط عقد مجتمعات الجوار العراقي واجبار المحتل على الرحيل قبل تعميم الفتنة واشاعتها‡
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1513 - الجمعة 27 أكتوبر 2006م الموافق 04 شوال 1427هـ