تتقاطع على قسمات وجوه الفقراء والمساكين شوارع وحارات تلك الأماكن التي لا نصيب لأهلها؛ لا في طرق مرصوفة، ولا بيوت مصفوفة. إنما هي كومة من العمارات المتراصة على مساحة من الأرض! والمكومة على تخومها وأطرافها، أنفاس البشر فوق بعضها بعضا، محدقة عيون الفقراء إلى من يقبض على المال والثروة ويسرف أشد الإسراف، ويبذخ بسفاهة ما بعدها سفاهة مما يقبضه من عرقهم وكدهم... ناظرة - تلك العيون - إلى صاحب المعالي (الباشا) المتحكم في مصائر الناس، هو وأسرته والطغمة المحيطة، والذين حولوا البلاد إلى «عزبة» خاصة بهم. وهم يسيرون على معالم طريق شرعنة العهر السياسي؛ بالاستعداد لتوريث الذل وقسوة الحياة وتجديد المآسي جيلاً بعد جيل!
توريث لا يقل عن «الهرقلية» أو «القيصرية» التي أفضت، بعد العهد الراشدي، إلى ولادة نظريات الاستبداد، وتأطير وشرعنة وشيوع فكرتي «الجبر» و «الإرجاء»، وساعدت السلطة السياسية في ذلك الوقت على استنباط مفاهيم الاحتقار السلطوي لإرادة الأمة، وتسفيه عقولها، واحتقار قوام دينها وشورى أمرها. وبدأ التوريث، وهو توريث لا يقل عن تصرف آخر «البشوات» في عزبته الخاصة، يهتم فيها بـ «البقر» ما يفوق اهتمامه؛ إن كان هناك أدنى اهتمام، بالبشر! هكذا هو التوريث لا حدود له ألبتة. يبدأ بمثال «العزبة» الخاصة، وينتهي بتفضيل البقر وبقية الدواب على بني البشر!
عجباً من هكذا حكام لا ينظرون إلى نعوش تنتظرهم، إذ سيحصد الموت أعمارهم كما حصدت خيل «مسلم (مسرف) بن عقبة» أرواح خيار أمة محمد (ص) يوم الحرَة بمدينة رسول الله (ص). حينها تطوى أعمارهم في قبور تعتصر ضلوعهم فيها شر أعمالهم. كان عليهم إمعان النظر بتوريث النعوش بدلاً من العروش الزائلة؛ ألا والله فإن النعوش هي الميراث الباقي!
«عطني إذنك»...
حان وقت التغيير، ورؤية الأشياء كما هي وليس، كما يريدها البعض! فالمشهد السياسي، وآلام الوضع الاقتصادي الضاغط الذي تعاني منه الأمة، لا يحتمل التسويف والتأجيل أو لي عنق الحقيقة، وحان الوقت لاتخاذ خطوة إلى الأمام من أجل نيل الحقوق الشعبية‡
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1513 - الجمعة 27 أكتوبر 2006م الموافق 04 شوال 1427هـ