يواجه العالم الإسلامي هجمةً دوليةً من الفوضى الأمنية والأوضاع السياسية القلقة في أكثر من بلد، بالإضافة إلى العلاقات المعقّدة في داخل بلدانه بفعل التدخل الأميركي لدى بعض السائرين في الخط السياسي للولايات المتحدة الأميركية، تحت تأثير بعض العناوين المثيرة، كالتطرّف والاعتدال، اللذين يراد للتجاذب فيما بينهما إيجاد حالٍ سلبيةٍ ضد الدول والمنظمات المعارضة سياسة الاستكبار العالمي... فهناك العدو الصهيوني الذي يتابع عملية اجتياح القرى والمدن بالطائرات التي يغير بها على المدنيين، والصواريخ المتحركة في أكثر من موقع في الضفّة وغزة، والتي تحصد في كل يوم المزيد من القتلى والجرحى، وتدمّر المنازل الآمنة، وتشرّد أهلها، تحت تأثير اتّهام المقاومة بأنها استطاعت تهريب الأسلحة الجديدة لإيجاد حالٍ من المواجهة العسكرية للعدو، بما يمثّل الخطر على مواقعه، على الطريقة اللبنانية في مقاومة المجاهدين له، الأمر الذي جعل الحكومة الصهيونية تخطط لهجوم جديد ضد أهالي غزة، ولاسيما بعد ضمّها الفريق اليميني الصهيوني الذي يتبنّى تهجير المواطنين الفلسطينيين من الأراضي المحتلة في الـ 48.
ويبقى المجتمع الدولي - بقيادة أميركا - في حال تواطؤ مع سياسة العدو، وصمت عن مجازره وخططه في توسيع مستوطناته في الضفة الغربية والقدس من خلال مصادرة الأراضي الفلسطينية.
أما العرب، فإنهم لا يحركون ساكناً إزاء هذه المخططات الاستيطانية العدوانية، بل إنهم تحوّلوا إلى دول منفتحة على العدو في استقبالهم مسئوليه، وفي التبادل التجاري، من خلال إلغاء المقاطعة الاقتصادية، وإرباك الواقعين الفلسطينيين السياسي والاقتصادي، والمشاركة في فرض الحصار الاقتصادي على الحكومة الفلسطينية المنتخبة؛ لأنها لم تعترف بـ «إسرائيل» دولةً مهيمنةً على فلسطين، ولم توافق على الاتفاقات غير المتوازنة معها.
ومن المؤسف أن المسئولين في السلطة الفلسطينية، لايزالون يرفضون حكومة الوحدة الوطنية؛ لأن «إسرائيل» وأميركا واللجنة الرباعية الدولية ترفضها؛ لأنها لا تريد لحكومة «حماس» أن تبقى في نطاق المسئولية... وهي تسعى إلى تحقيق ذلك، لقيام حالٍ من الفوضى الأمنية والسياسية التي قد تؤدي إلى حرب أهلية داخلية، ما يجعل المخلصين يناشدون قادة الشعب الفلسطيني وفصائله المجاهدة وفعالياته الشعبية، ألا يسقطوا أمام الخطة الاستكبارية الخبيثة التي لا تفكر إلا في تحقيق الاستراتيجية الإسرائيلية التي تصادر القضية الفلسطينية وطموح الفلسطينيين إلى تأسيس دولتهم التي تمثل القدس عاصمتها الشرعية.
ويبقى العراق الذي يواجه فيه المحتل الأميركي المشكلات الكبيرة، بفعل الخسائر الكثيرة في جنوده يومياً، وإرباكات سياسته، وانعكاس ذلك في شكل سلبي على إدارته في الداخل، ولاسيما في الانتخابات النصفية المرتقبة التي يمكن لها أن تؤثّر بشكل كبير في إدارة بوش الذي لم يستفد من شعاراته الاستهلاكية في الحرب على ما يسميه الإرهاب؛ لأنه أغرق شعبه في الوحول السياسية والأمنية، في الوقت الذي يرسل مندوبيه، وخصوصاً وزيرة خارجيته، إلى المنطقة الآسيوية لمعالجة مشكلة كوريا الشمالية، أو إثارة قضايا المنطقة، وخصوصاً محاولة توجيه الاتهامات إلى سورية وإيران بـ «إثارتهما الأوضاع العراقية في مواجهة الوضع المعقَّد الذي يزيدانه سوءاً»، بحسب زعم الرئيس بوش؛ لأنهما لم تخضعا إلى ما يريده من تأييدٍ لخططه الاحتلالية والتوسعية في المنطقة، هذا بالإضافة إلى التدخل السافر والخفي في لبنان لمصلحة «إسرائيل» التي لاتزال تواصل اختراقاتها السيادة اللبنانية براً وجواً، من دون أن يسمح للقوات الدولية باعتراضها، كما لاحظنا في تراجع فرنسا عن تهديدها بقصف الطائرات الإسرائيلية تحت الضغط الأميركي.
ومن الملفت أن الأمم المتحدة لم تقرّر حتى الآن مشروع وقف إطلاق النار، بل بقيت المسألة في نطاق وقف الأعمال العسكرية، بفعل الضغط الأميركي الذي يحاول بطريقة وأخرى إصدار قرارات جديدة لتغيير مشروع اليونيفيل، ليتحول إلى قوة عسكرية ضاربة ضد المقاومة في لبنان لنزع سلاحها، وحركة سياسية تعمل على النفاذ إلى الوضع اللبناني الداخلي بحجة تحقيق مشروع المجتمع الدولي الذي يستهدف إلحاق لبنان بعجلة السياسة الأميركية، بفعل بعض القوى الداخلية والخارجية.
إنَّ الم شكلة التي تعاني منها المنطقة الإسلامية والعربية تتحرك لاستقرار المو قع الصهيوني والخط الأميركي على حساب مصالح الشعوب، وهذا ما نلاحظه في العراق الذي تتدخل الإدارة الأميركية في إرباك حكومته لكيلا تنجح في مشروعها في المصالحة الوطنية، وفي حلّ المشكلات المستعصية في البلد، وتتدخّل أيضاً في تهديد الخطط الوطنية فيه بالفوضى الأمنية والسياسية، وفي إعطاء الغطاء الأمني للإرهاب الذي يستحلّ دماء العراقيين.
أما أفغانستان، فإنها لاتزال تعيش في الفوضى الأمنية والسياسية، بفعل مشروعات الحلف الأطلسي الذي تقوده أميركا، من دون أن يجد الشعب الأفغاني أية قاعدة للاستقرار والانفتاح على المستقبل الحرّ الآمن، وستستمر المشكلة في العراق وأفغانستان مادامت أميركا لا تملك تحقيق ما تعتبره انتصاراً، في إخضاع المنطقة إلى مصالحها الاستراتيجية على الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية.
ومن جانب آخر، إننا نتابع الحرب الدائرة في الصومال، والمشكلات المتنوعة في السودان، بفعل التدخلات الدولية التي لا تريد لتلك المنطقة الاستراتيجية الاستقرار الذي يمنح الشعب الفقير الجائع المحروم الحياة الكريمة. ويبقى لنا أن نطلق الصوت عالياً لدى الشعوب الإسلامية والعربية، بأن تأخذ بمنهج التخطيط في الانطلاق من قاعدة الاستقلال في إدارة أمورها وتأكيد حريتها، واستثمار مواقع القوة عندها، ومواجهة الاستكبار العالمي بالمواقف الصلبة القوية المنفتحة على الحرية والعزة والكرامة.
أما لبنان، فإنه يقف على حافة ما يشبه الهاوية سياسياً واقتصادياً، إذ بات الوضع فيه مفتوحاً على التطورات الخطيرة القادمة من المنطقة، من دون أن تنطلق حركة سياسية وطنية فاعلة من الداخل في التفاهم على قاعدة المستقبل الحرّ السيّد الذي لا يخضع إلى وصاية دولية أو إقليمية، ولاسيما بعدما حصل اللبنانيون على قوة العنفوان في الانتصار على العدو الصهيوني في المعركة، على رغم الثمن الكبير الذي دفعوه، مما تدفعه الشعوب الحرة من أثمان الحرية، الأمر الذي جعله في موقع القدوة للشعوب الإسلامية والعربية، وأسقط أسطورة العدو الذي يَقْهَر ولا يُقهَر ويَهْزِم ولا يُهزَم.
إن المطلوب هو مشاركة حقيقية في إيجاد صوغ عملية للخروج من المأزق الداخلي، بحيث تنطلق من ضرورة الاستماع إلى ملاحظات كل الأطراف، من خلال تقبل الآخر والحوار معه، لا على أساس تسجيل النقاط، بل تجميع النقاط لمصلحة البلد.
ولذلك، فإنّنا مع الإسراع في القيام بخطوات عملية واقعية على صعيد حلّ مشكلة الحكومة في ظلّ تعقيد الأطروحات المختلفة في شأنها، وكذلك على صعيد قانون الانتخابات وإخراجه من الأدراج، من أجل قانون انتخابي عادل قد يسهم في الحل. إننا نريد للبنان أن يخرج من عمق المأزق الذي تعيشه المنطقة، فيبتعد عن متاهات المجهول أو المعلوم المحظور الذي يخشاه الجميع
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1513 - الجمعة 27 أكتوبر 2006م الموافق 04 شوال 1427هـ