أَلا لا يجهَلنَ أحَدٌ عَلينَا
فَنَجْهَلَ فَوقَ جَهلِ الجَاهِلينَا
الفَرزدَق
هَكَذا، ومن دُونَ سَابِقِ إنذَار يَخرُجُ «المِغوارُ» مِنْ كَهفِ عُزلَتِهِ الأسوَد، ليرتَدي بُردةَ الأتقِياءِ المُصلِحين. الأكثَرُ مِنْ ذَلِك، أَتَى الضَبْعُ «الليليُ» مُتَبِجِحاً بدَوَلةِ القَانُون، دَولةُ القَانونِ نَفسهَا التي لمَ تَطلهُ أحكَامُهَا ومُؤَسَسَاتَها عَلى فَحيحِ قَلمِهِ الخَرِب المُختبئ خَلفَ جِلدِ الأفعَى ذات الجَرَس، دَولةُ القانونِ التي مازَالت تَسمَحُ لَهُ بِارتزاق الكِتابةِ بالبخسِ مِن الذَاكرةِ والمَال.
يَحِقُ لـ «الضَبعِ» أن يَصِفَ المُعارضةَ بأَنَها بِلا «أجِندة»، بلا «خطة واضحة واستراتيجيةٍ وطنيةٍ مُحددة»، ذلكَ أنهُ عَايَش الأجِنداتِ السِريةَ، ونَفَذَ الخططَ، وسَاهَمَ في الاستَراتيجَياتَ الوَطنيةِ بِكفَاءةٍ لم تكشِفهَا سِوى عاصِمةُ الضبَابِ التي يَخَافُهَا.
وفي ظلِ غِيَابِ «أخلاقياتِ المُعَارَضَة» كَمَا يَنُشُ الضَبعُ الذي قَارَبَ عَلى الاستِوَاء (النَشيشُ: صوتُ الَلحمِ في القِدر)، وفي ظِلِ «أحكَامِ القَضَاءِ الضَعيفَة» تَستَأسِدُ المُعَارَضَة بِتقريرٍ يَصِفُهُ الضَبعُ بـ تَقريِر «الكَذِب والتَزوير». وَيَغفلُ الشِريرُ - متعمداً - أنَ البَحرينِ كُلهَا تَستَأسِدُ ضِدَ مَنْ لا أخلاقَ لهُم، ولاَ ذِمَةَ. أتَى «الضَبعُ» الشِريرُ فَجأةً، خَرَجَ في وقتِ اختباءِ بقيةِ الضِبَاعِ، خَرَجَ ليُعَلِمَ أبناءَ البَحرينِ دُروسَاً في الإنسَانَيةِ، دُرُوسَاً لم يَتَذَكرها حِينَ كَان يَضعُ إمضَاءَهُ عَلى أَورَاقِ مَقصَلةِ أبنَاءِ جِلدَتهِ، هَا هَو الضَبعُ مُختَالٌ بِمَا اكتَرى بهِ إنسَانيتَِه. ويَكَادُ يُنشِدُ عَلى مَسَامِعِنَا نشِيدَنا الوَطَني إمعَانَاً في إنسَانِيتِه التي سَحَقتهَا الدَنَانير.
يَعِيبُ الضَبعُ عَلى المُعَارضَة صَمتَها عَلى «أصحَاب البَيَانات». وتحديداً، تِلكَ التي تَنَالُ مِنه، وَمِن بَاقي القَطيعِ الذي أَتَى مِنه. أَيُهَا الضَبعُ، لمَ تَكُنْ رُمُوزُ المُعَارَضَةِ مَنْ نَحَرت «سُمعَة الوَطن»، لَم يَأتِ العَفَنُ إلاَ مِنك، وَلمَ يَعِرفِ الشَيطانُ أَرضَنَا الطَاهِرةَ إلا حِينَ وَطَأ قَلَمُكَ الدَعِي ورَيقَاتِهَا.
أيَهَا الكَائِنُ الَلَيليُ الذَي خَرَجَ عَلينَا مِنْ خَرِبَتِهِ الرَخِيصَة، لَيسَت أُولى أوُلويَاتِ المُعَارَضَةِ اليَومَ أَنْ تُحَدِدَ الخَط الأَحمَرَ بَينَ المُعَارَضَةِ والخِيَانَة، الأَولَوِيةُ القُصوَى أَن تَكُونَ وبَاقِي فَصيلِ الفِتنَةِ والتَآمُرِ عَلَى البَحرينِ خَارجَ الخَطِ الأحمَرِ، فَي اتجاهِ الخِيانةِ. فَصَمتُ الصَامِتين عَن الضِبَاعِ التي تَنهَشُ في البَحَرينِ وأَبنَائِهَا هُوَ الِخيَانةُ الحَقيقيةُ في حقِ الوَطن.
الأدعِياءُ عَلى الوَطنِ ليسُوا في مَدَينةِ الضَبَابِ، وَلا في أَيِ مَدينةِ أُخرَى، هُمْ هُنَا، بَينَنَا، سَلْ عَنهُم تُرابَ الأرضِ، تَعرِفُهُم الأرضُ ومَنْ يَمشُون عَليهَا، سَل عَنهُم الأَطفالَ والأجيالَ التي لَم تُولَد بَعد، سَل مَنْ شِئت، لَيسَ سِراً أَمرهُم، تَقرِيرُهُم، غاب عن الضباع غَضَنفُرُهَا الأسطُوريُ وتَوَارى، وها هي تَقتَاتُ فُتَاتَ الأَرضِ وَرَقَةً وَرَقَة.
ليسَ دَعِياً مَنْ يُطالبُ بِحَقِه، «الدَعِيُ» هو من يَعجزُ عَنِ الحَيَاةِ إلا أَنْ يغتَال/ يُهَمِّشُ/ يَقمعُ/ يَسرِقُ/ يَمنَعُ/ يَسحَقُ/ يمحَقُ/ يَبتَلعُ/ يَحرِقُ آخرهُ الذي لا يَحمِلُ لَهُ إلا الأُخُوةَ في الحَيَاةِ والوَطَن.
عُد لكَهفِكَ.. لم يعُد في القَلبِ متسع لمَزيدٍ مِنَ الجُرح.. عَلّنَا نَنسَى بِالتَقَادُم، فَيَجِدُ القَلبُ مُتَسَعَاً لَك
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1513 - الجمعة 27 أكتوبر 2006م الموافق 04 شوال 1427هـ