خلال تنقّلي الكثيف بين وضمن مجموعات الأخصام في الصراع العربي الإسرائيلي، لاحظت نموذجًا متّبعًا لدى جميع الجهات: ميل حتى صانعي السلام والديبلوماسيين لخلق التحالفات ضد أحد بغية استبعاده. لا تشكّل “فرّق تسد“ استراتيجية امبريالية وحسب، وإنما هي طبيعة إنسانية. نسعى لكي يتم إرغامنا على التفكير من وجهات نظر الأخصام والأحلاف على حدّ سواء، كما أشار المحلّل النفسي الشهير فاميك فولكان في أعماله التطبيقية. على المقاربة البديلة أن تتمثّل بعدم استثناء أحد قد يُصبح مفسدًا فيما بعد. على الجميع أن يستفيدوا كي لا يتبقّى للمتطرّفين من كلّ حزب ذريعة سياسية لأفعالهم.
فلنوضّح ما لا يمكنكم فعله بعد الآن. لا يمكنكم عقد اتفاق مع القادة العلمانيين الفلسطينيين الذين ليست لديهم منفعة واضحة على الغالبيات الفلسطينية. الجميع يندفع لدعمها ببرامج عدائية: السوريون والإيرانيون ومجموعة اللاجئين الفلسطينيين وجميع من في العالم العربي والمسلم تقريبًا. لا يمكنكم تهميش الفلسطينيين وعقد اتفاق مع سورية. لن يسمح كل من إيران وحزب الله بذلك، وكما قال بشار الأسد أخيرًا، كلّ ما ستحدثونه هو ثورة فلسطينية داخل سورية. حتى أنه لا يمكنكم عقد اتفاق مع سورية/ لبنان والفلسطينيين لأنّ إيران قد تكون مفسدة.
إنّ الاعتقاد بأنكم تستطيعون ببساطة التفرقة والسيادة على محور سورية/ إيران من دون أن تدفع كل من الولايات المتحدة و»إسرائيل» ثمنًا مقابل ذلك، هو كمعاملة الأخصام بازدراء فكري. كما أنه لا يمكنكم عقد اتفاق علماني لا يطرح إطار النزاع وكيفية دعمه من قبل ملايين المسلمين في أنحاء العالم، ليس في عصر «القاعدة» والسلفيين. لا يمكنكم عقد اتفاق مع الفلسطينيين المقيمين الذين يستبعدون اللاجئين. لا يمكنكم إحضار الإسرائيليين إلى طاولة الحوار من دون الكونغرس والرئاسة الأميركية، كما لا يمكنكم فصلهم عن دولة «إسرائيل» لأنّ المجتمع اليهودي الأميركي لن يسمح بحصول ذلك. ولا يمكنكم عقد اتفاق مع الإسرائيليين العلمانيين على أمل أن يرحل الإسرائيليون القوميون المتدينون من دون اللجوء إلى العنف. فبدلاً من ذلك، يجب أن يرتبط السلام باستمالة جميع الأطراف بعيدًا عن مخلّفات العلاقات البشرية المدمّرة.
لقد اقتربت كل من القيادة الفلسطينية العلمانية والقيادة الإسرائيلية المعتدلة كثيرًا من أهدافها في كامب ديفيد وطابا في العام 2000. وإنما ما لم يتم تضمينها هي المطالب السورية والمطالب الإيرانية ومطالب الفقراء الفلسطينيين ومطالب المحافظين المسلمين ومطالب العرب أو الفلسطينيين الإسرائيليين ومطالب المتزمّتين الإسرائيليين واليهود.
لقد أفلح الذين لم يحضروا إلى كامب ديفيد في تدمير التقدّم الذي حصل من خلال أساليب سياسية وعنيفة مختلفة، بما فيها المستوطنات وتمويل الانتحاريين وحملة عالمية من الكره لليهود واستبعاد حاذق للكونغرس والرئاسة الأميركية من أي دور بنّاء واستفزازات لا متناهية وإساءات للكرامة الفلسطينية. فقد أظهرت الحرب الأخيرة في لبنان ببساطة القوة الهائلة التي يتمتّع بها المفسدون.
يحتاج أي مخطط مستقبلي لكي يُفلح إلى الأمور الآتية:
- يجب أن يجتمع كلّ من الفلسطينيين والسوريين على طاولة الحوار نفسها. ترغب القيادة السورية المعتدلة بإحراز الانتصارات السياسية على غرار استعادة الجولان والعودة إلى الشرعية على المستوى العالمي. يرغب المفسدون في سورية باستمرار السيطرة العنيفة والفساد الحاصلين في الوقت الراهن، وإنما قد تخور قواهم قبل إقحام فعلي لسورية من قبل أميركا و»إسرائيل» والأوروبيين.
- يرغب الإيرانيون في الحصول على ضمانات أمنية من أميركا مقابل تخلّيهم عن خطاباتهم الإبادية فيما يتعلّق بـ»إسرائيل» ومآربهم المرتبطة بالسلاح النووي. إنّ هذا هو السبيل الوحيد لتهميش المتطرّفين وإعادة رجال الدين المعتدلين إلى السلطة. ولكن يكمن السبيل الوحيد لمعرفة ما إذا كان قد ينجح ذلك في التفاوض معهم والارتقاء بخطوات متبادلة من تعزيز الثقة والتحقق من النتائج.
- يحتاج الفقراء الفلسطينيون إلى الحصول على دليل على أنّ هذا الإجراء سيرتقي بحياتهم فعلا وعلى الفور خلال سير العملية. سيتوجّب حصول سلسلة اتفاقات بين الأطراف بشأن كيفية التعاطي مع المفسدين وأعمالهم الاستفزازية من دون حجز الغالبيات الفلسطينية رهينة للانتقام والمعاقبة الجماعية.
- يحتاج المسلمون المحافظون إلى الحصول على دليل للاقتناع بأنّ «إسرائيل» وفلسطين ستشكّلان مكانين في المستقبل حيث يتم احترام ومراعاة عائلات المسلمين وحاجاتهم وأماكنهم المقدّسة وكرامتهم. على أيّ إجراء سلمي للمستقبل أن يتمتّع بعنصر اجتماعي واقتصادي وثقافي يبني الثقة في هذا الواقع الجديد.
- يحتاج كل من المجتمع اليهودي و»إسرائيل» المتزمّتة وخصوصا اليهود القوميين المتديّنين لكي يقتنعوا بأمر واحد في حال طُلب منهم التخلّي عن الأرض - على الأرجح - إلى الشعور بالأمان والأمن والقبول في العالم العربي والمسلم. سيحتاجون إلى برهان بأنّ ذلك أيضًا يشكّل جزءًا من عملية السلام.
- يحتاج اللاجئون الفلسطينيون إلى تعويض؛ يحتاجون ليتم الاعتراف بهم؛ يحتاجون إلى حصة فعلية في فلسطين الجديدة؛ وأعتقد أنهم يحتاجون إلى نوع من الترحيب الرمزي، على الأقل، لكي يزوروا وطنهم القديم داخل «إسرائيل». قد يشكّل الحل بين الدولتين أمرًا أساسيًا، ولكن في النهاية يحتاج اليهود والفلسطينيون إلى الشعور بالترحيب والمساواة في أراضي بعضهما بعضا.
- يحتاج العرب الإسرائيليون إلى مساواة كاملة ثقافيًا واقتصاديًا. فهم يشكّلون المثال الحي على ما إذا يرى العالم العربي إمكانية وجود «إسرائيل» وسط الثقافة الشرق أوسطية أم لا. لا يجب أن تؤثر تلك المساواة سلبًا على نوعية الحياة في «إسرائيل». كلّ ما في الأمر أنه يجب على الهوية الإسرائيلية أن تكون متعدّدة الثقافات وغير عنصرية في جميع الاتجاهات.
على أيّ إجراء مستقبلي أن يعرض خطوات فعلية من شأنها استمالة جميع تلك العوامل السبعة، وأيضًا اختبارها جميعًا؛ أن يختبروها بعدل ومساواة بغية عزل المفسدين المتبقّين فعلاً وإسكاتهم سياسيًا وفكريًا ونفسيًا.
مارك غوبان
مدير مركز الأديان العالمي والدبلوماسية وحل الصراعات في جامعة جورج ميسون في فيرفاكس
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1513 - الجمعة 27 أكتوبر 2006م الموافق 04 شوال 1427هـ