في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري احتضنت العاصمة الإيطالية مؤتمراً عالمياً عن دور الاتصالات في التنمية، واستمر المؤتمر ثلاثة أيام. انتهى المؤتمر في 27 أكتوبر، وفي الأثناء كانت الصحافة الإيطالية تستذكر ما كانت عليه بلادها قبل 84 عاماً عندما سيطر الحزب الفاشي بقيادة بنيتو موسيليني على الحكم في 29 أكتوبر 1922.

المؤتمر العالمي عن دور الاتصالات في التنمية اشتمل على دور الإعلام في تطوير مبادئ الحكم الصالح وتحسين مستوى المعيشة... ولكن قبل 84 عاماً كانت إيطاليا تعيش في عالم آخر بالنسبة إلى مفهوم الإعلام ودوره في الحياة العامة.

أحد الصحافيين الإيطاليين الذين عملوا في فترة موسيليني، ذكر في كتاب له أن حكومة موسيليني أمرت الصحافة بعدم كتابة أي شيء عن «الأزمة المالية العالمية في ثلاثينات القرن الماضي»... وعليه، فإن الإيطاليين لم يكونوا يعلمون أن النظام المالي العالمي كان يتعرض للانهيار من حولهم.

ويضيف الكاتب قائلاً: «عندما عملت في إحدى الجزر الإيطالية الموبوءة بالملاريا وحرب العصابات، صدرت أوامر من حكومة موسيليني تقول إن الصحافة حرة بأن تتطرق إلى أي شيء ماعدا الملاريا وحرب العصابات، وإنه إذا كانت هناك ضرورة ما فإن بالإمكان الحديث عن حمى مؤقتة تمت السيطرة عليها، أما حرب العصابات في الشوارع فيجب القول إنها مجموعة هاربة من القانون تتم السيطرة عليها».

الصحافي المذكور قال: «إن موسيليني كان يعتقد أن إخفاء المشكلات وعدم الحديث عنها هو الأسلوب الأمثل لمعالجتها، وبدلاً عن ذلك، كان يخلق مشكلات وهمية وبعد فترة يعلن أنه تم القضاء عليها ويضيفها إلى إنجازات حكومته... وبعد فترة أصبح ينتج كذباً ويصدقه ويعتمد عليه كأساس لسياسات فاشلة الواحدة تلو الأخرى أدت إلى انهيار بلاده ونهاية مأسوية له».

بعد 84 عاماً من عهد موسيليني، العاصمة الإيطالية لا تعرف عن تلك الفترة سوى ذكريات مكتوبة في الكتب، أما على أرض الواقع فإن الوضع مختلف من جميع الأبعاد، بل إن مؤتمراً عالمياً ينعقد للحديث عن دور الاتصالات والإعلام الصادق والشفاف والمسئول في تطوير المجتمعات اقتصادياً وسياسياً.

على أنه في منطقتنا المبتلاة بأساليب حكم غير صالحة، فإن هناك من لايزال يعتقد أن دور الإعلام إنما هو في إخفاء المشكلات عن الناس وتخصيص الصفحات الرئيسية وغير الرئيسية في الصحف للحديث عن الإنجازات العظيمة للحكومات التي استطاعت حلَّ جميع المصائب وألا ينقص سوى تقديم الشكر والامتنان والمدح والثناء للأساليب الحكيمة في حل المعضلات الوهمية التي تروج لها الدوائر الرسمية