في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2001، وفي اجتماع تم عقده بقاعة شهرزاد، حضره 106 من الأعضاء المؤسسين مع حضور ممثلين عن وزارة العمل والشئون الاجتماعية آنذاك، وعدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، وبعد أن قدمت اللجنة التحضيرية استقالتها تم انتخاب 11 عضوا ليشكلوا أول مجلس لإدارة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية.
بعدها بفترة وجيزة، وفي ضوء إصدار دستور 2002 وما عليه من إشكالات، واجه المجلس أعسر اختبار له، تمثل في جدلية المشاركة والمقاطعة للانتخابات النيابية للعام 2002. واستعانت المعارضة آنذاك ومنها «الوفاق» بخبرات الآخرين من وجوه التيارات الإسلامية في المنطقة، وعقب مداولات طويلة بشأن حيثيات الموضوع، وفي النهاية كانت النصيحة تصب لصالح المشاركة، غير أن البعض رفض النصيحة المخلصة من أهل الخبرة، ورأى أن أهل مكة أدرى بشعابها، مع أن (أهل مكة) حديثو العهد بالعمل السياسي في إطار هذه اللعبة، إذ اقتصر دور المعارضة السابق - غالباً - على مجابهة الحكم ولم تدخل تجربة من هذا النوع بعد حل البرلمان العام 1975.
وبعد طول جدل وتنظيرات كانت بحاجة إلى مزيد من النضوج السياسي بين مختلف الشركاء والفرقاء في الساحة، جرت محاولة للتصويت على القرار في مجلس إدارة جمعية «الوفاق»، ولكن لمّا رجحت كفة المشاركة تم إلغاء التصويت، وخصوصاً عندما امتنع الرئيس، المعروف منذ ذلك الحين بميله نحو المشاركة، عن الإدلاء بصوته. حينها لجأ مجلس الإدارة إلى خيار آخر ليس معروفا مدى صحته، فبدلا من دعوة الجمعية العمومية إلى التصويت على القرار، تم اختيار عينة تقارب الـ 170 فرداً باعتبارهم نخبة الجمعية. ومما يثير الانتباه أن هذه العينة لم يكن بينها أحد أعضاء الدورة السابقة لمجلس إدارة «الوفاق» وهو مازال عضوا في الأمانة العامة حالياً، والمصادفة وحدها دفعت بمثل هذا الشخص وآخرين للحضور في قاعة مركز السنابس الثقافي وذلك إثر لقاء حصل بالمصادفة قبل عقد الاجتماع بساعات، مع رئيس اللجنة المنظمة لاجتماع النخبة، فدعاهم إلى الحضور.
وفي جلسة ألقى فيها الرئيس كلمة يدعو فيها إلى المشاركة وقدم تبريرات قوية لذلك، ثم أعقبتها كلمة أخرى لنائب الرئيس المعروف بقوة خطابه ووضوح طرحه، يدعو فيها إلى المقاطعة، وبعد مداولات ومداخلات، تم توزيع أوراق للتصويت. الغريب أيضاً، أن من كان يوزع أوراق التصويت كان يسأل الحاضرين واحداً واحداً في الوقت نفسه: هل تمت دعوتك بالهاتف؟ فمن يجيب بالنفي يحرم من التصويت، وهذا ما حصل لصاحبنا وآخرين ممن دعاهم رئيس اللجنة إلى حضور الاجتماع.
بعد إعلان المقاطعة، صرنا مقاطعين طيلة 4 سنوات، وصمتنا عن الكلام في أي منتدى عام في هذا الموضوع حتى لا نوقع على بياض لعلّ وعسى أن يتراجع الحكم ويقوم بإجراء تعديلات على الدستور، وهو ما لم يحدث. ويرى البعض أن فشل المقاطعة راجع إلى كون من حمل ملفها غير مقتنع بها، وعدم وجود برنامج بديل، بالإضافة إلى كثرة مغازلة بعض دعاة المشاركة الحكومة عن طريق تأكيد - مراراً وتكراراً - خطأ قرار المقاطعة.
سبق اجتماع ما يسمى «النخبة»، جدل طويل وعريض بشأن قضية المقاطعة والمشاركة، إلا أني استغربت حين قابلت أحد الإخوة قبل ليالٍ لأسمع منه الحجج نفسها التي كان يروّج لها من أجل الحث على المقاطعة آنذاك، إذ يرى هؤلاء الإخوة أن المشاركة اعتراف بالدستور الذي صدر العام 2002، وستقود إلى تكبيل الأجيال القادمة. شخصياً، لا أجد قوة لمثل هذه الحجة؛ ذلك أن الإسلاميين السنة والشيعة والليبراليين واليساريين وجميع التيارات والأطراف الأخرى، لا يمكن أن تقر بقناعتها بدستور 73 فضلاً عن دستور 2002، وذلك إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية الاديولوجية والفكر، وهؤلاء كلهم على مستوى القبول بالواقع العملي وما تم التوافق عليه مجتمعياً شيء، ولكن على مستوى الاديولوجية والمستوى الفكري شيء آخر، ولا يمكن إجبار الناس على تكييف فكرهم واديولوجياتهم لتنسجم مع النظام السياسي والدستور، فيصبحوا فكراً واحداً واديولوجيةً واحدةً، ولهذا سيستمر هؤلاء في معارضتهم أي مبدأ في الدستور يتعارض مع مبادئهم. وفي دستور 73 ما يتعارض مع الكثير من ذلك، إذ يحتوي على مواد ترضي الإسلاميين ولكنها تغضب التيارات الليبرالية واليسارية، والعكس صحيح. وهذه الصورة الفسيفسائية تنطبق على كل المجتمعات وفي ظل كل الأنظمة السياسية، مع ذلك، ومع تفاوت النظرة إلى دستور 73، شاركت في الانتخابات النيابية مختلف الأطراف، لا لأن دستور 73 كامل في نظرها، فبالإضافة إلى تعارض بعض مواده مع قناعات تلك التيارات على المستوى الفكري، ويوجد فيه من المواد ما يعوق تحصيل مكاسب أو تشريع قانون من دون رضا الحكومة والأمير - آنذاك -، ولكن المشاركة انطلقت من أجل سد ثغرة واحتمال درأ ضرر عن الأمة أو جلب منفعة لها، وأؤكد كلمة (احتمال) وليس (تأكيداً)، وهذا أيضا ما ينطبق على دستور 2002.
شخّص بعض الفقهاء والمراجع هذا الموضوع، وتوصلوا إلى ضرورة المشاركة، وإن موقف كبار العلماء الشيعة الحالي ليس بجديد، فقد كانوا يرون أهمية المشاركة منذ العام 2002، ولكن نتيجة الضغوط الهائلة والحذر من شق الصف الواحد، آثر هؤلاء تجرع غصص السكوت وخسارة أربع سنوات عجاف كانت بسبب المقاطعة، فقد مكنت بعض النفر من الدخول تحت قبة البرلمان، فجُلِبت لنا على أيديهم القوانين الجائرة المقيّدة والنحس، وأضاعوا فرصة المراقبة والمساءلة لتقليل نزف المال العام وإهداره، ولو لم يكن سوى تقييد مساءلة الوزراء وجعلها في الغرف المغلقة لكفى
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1512 - الخميس 26 أكتوبر 2006م الموافق 03 شوال 1427هـ