العدد 1511 - الأربعاء 25 أكتوبر 2006م الموافق 02 شوال 1427هـ

اللبنانيون... وهدايا عيد الفطر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتظر اللبنانيون أكثر من عشرة أيام لمعرفة «هدية» العيد التي وعد رئيس مجلس النواب نبيه بري هذا الشعب المسكين والمغلوب على أمره بها. وفي نهاية العيد أطلق نبيه بري دعوة للحوار في مؤتمر صحافي عقده أمس في بيروت. فالهدية كانت متوقعة ولكن الناس التي تعيش حالات من الإحباط والمخاوف انتظرت ان تكون الدعوة واضحة ومبرمجة ومحددة. وجاءت الدعوة خالية من كل هذه العناصر التي لابد من توافرها لتكتمل بها عدة اللقاء بين المتحاورين. فرئيس مجلس النواب حدد الاثنين موعداً للتشاور لمدة 15 يوماً للتوافق على نقطتين. وبعدها يكون لكل حادث حديث.

الحوار المطلوب لم ينضج بعد كما تبدو الأمور. وتحتاج الدعوة التي أطلقها بري على مسئوليته إلى اتصالات ولقاءات فردية وثنائية وثلاثية للتوافق على جدول أعمالها الذي لابد أن يتجاوز مسألة الحكومة والرئاسة حتى يثمر الحوار وتكون نتائجه على قدر حاجات البلد.

الهدية من الأخبار الجيدة ولكنها جاءت أقل من توقعات شعب يعيش حالات هلع من انجرار البلد الى فوضى أمنية تدفع بأطيافه إلى مواجهات سياسية تعطل عليه إمكانات التقدم نحو احتواء سلبيات العدوان الأميركي - الإسرائيلي وما خلفه من دمار وخراب.

لبنان يعيش منذ وقف العدوان في 14 أغسطس/ آب الماضي في اجواء غير سليمة الأمر الذي زاد من توتره الداخلي ورفع من نسبة الاستقطابات الطائفية والمذهبية. وبسبب هذه الفضاءات العامة المعطوفة على سلسلة تهديدات أميركية لدول المنطقة انشغل اللبنانيون بـ «الهدية» وما يتضمنه الصندوق من عجائب وغرائب. وحين جاء موعد فتح الصندوق كانت التوقعات اللبنانية بالغت في القراءات والتخمينات إلى درجة لم يعد الوعد بها له قيمة واقعية. فالوعد كان مفعوله الايجابي على الناس أقوى من الهدية. وعلى رغم ان الهدية كانت أقل من التوقعات فإن مفعول الوعد وضع الناس أمام خيار القبول بأي شيء لأن الخيارات الأخرى ليست جيدة.

الآن أمام اللبنانيين فترة زمنية لا تقل عن عشرين يوماً للتفاؤل والبحث والتفكير والانشغال بالهموم اليومية في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات التي سيشرف عليها بري. وحتى تكتمل الصورة لابد من إعادة قراءة المواقف التي أرست معادلات داخلية على لبنان ما بعد العدوان.

حزب الله طالب جمهوره الضخم بالهدوء في فترة شهر رمضان المبارك وأجّل كل مطالبه إلى ما بعد العيد. ولكن الحزب رهن مواقفه بحاجات ومطالب الحلفاء مؤكداً على أن الوضع يجب ان يتبدل ولا يجوز استمرار الوضع على ما هو عليه.

مجموعات «8 آذار» صعّدت من مواقفها السلبية ضد حكومة فؤاد السنيورة وطالبته بتعديلها او توسيعها أو إسقاطها تمهيداً لتشكيل حكومة تمثل الشارع وليس «الأكثرية الوهمية».

تيار الجنرال ميشال عون الذي أحبط نفسياً بسبب فشل مهرجان التجمع الشعبي في 15 أكتوبر/ تشرين الأول لم يتردد في استكمال خطة الهجوم (الطائفي/ المذهبي) على حكومة السنيورة باسم الدفاع عن «حقوق المسيحيين». وأردف الجنرال هجومه بجدول أعمال تضمن خطوات ثلاثاً: الأولى توسيع أو تعديل أو إسقاط الحكومة، الثانية تشكيل حكومة متوازنة (طائفياً ومذهبياً) تتمتع بالثلث المعطل تقوم بوضع قانون جديد للانتخابات النيابية. والثالثة إجراء انتخابات تشريعية على قاعدة القانون الجديد وثم اختيار رئيس جمهورية من البرلمان المنتخب أو خارجه.

خطة مضادة

في المقابل اعترضت حكومة السنيورة على خطوات التشهير، واعتبرت انها قامت بواجبها في فترة العدوان على أكمل وجه، ونجحت في تعديل مشروع القرار الدولي وأوقفت إطلاق النار في الوقت المناسب وأنقذت البلاد من كارثة أكبر من الخراب الذي حصل. أعضاء الحكومة يعتبرون ان خطة إسقاطها تستهدف الدولة وتعطيل قراراتها وإرباك خطة الإعمار ودفع البلاد الى فوضى أمنية تمنع وصول المساعدات والقروض والاستثمارات. فالحكومة كما يبدو ليست مقتنعة ببراءة فكرة «الوحدة الوطنية» ولا صدق الجنرال في مسألة «الغبن الذي لحق بالمسيحيين» وهي تصر على ان هناك خطة تقويض للسلطة التنفيذية لمنعها من أخذ قرارات حاسمة تتصل بموضوع «محكمة ذات طابع دولي» أو بمهمات القوات الدولية (يونفيل) في الجنوب اللبناني.

هذا الموقف الذي ظهر في سلسلة تصريحات ولقاءات تعدل قليلاً وباتت الحكومة على قناعة بإجراء بعض التعديلات وربما توسيع رقعتها وإدخال وزراء يمثلون تيار عون بشرط ألا تكون الاقلية تملك «الثلث المعطل». هذا التنازل الجزئي لم يلق التجاوب من الجنرال أو «8 آذار». فالمطلوب اكثر من التوسيع العددي كذلك يستهدف التعديل إدخال أطراف واخراج أطراف. وهذا ما رفضته المجموعات السياسية المحسوبة على «14 آذار».

نبيه بري التقط المواقف وحاول جهده لتقريبها الى الوسط. فهو من جهة لم يرفض فكرة «الحكومة الوطنية» ومن جهة طالب ان تسبقها لقاءات تحدد شكلها ولونها وبرنامج عملها وهذا لا يحصل من دون حوار وطني.

قوى «14 آذار» ذهبت بدورها الى الحد الوسط من دون ان تتخلى عن تحفظاتها ومخاوفها. فهي من جهة دافعت عن حكومة السنيورة ورفضت دعوات إسقاطها ولم تمانع في توسيع المقاعد ومن جهة أخرى وضعت جدول أعمال يتدرج زمنياً على خلاف جدول عون.

عون وضع عربات القطار وفق تسلسل يبدأ بالحكومة ثم الاتفاق على قانون جديد للانتخابات وإجراء دورة جديدة للانتخابات البرلمانية على قاعدة القانون المتفق عليه في حكومة «الوحدة الوطنية» وأخيراً انتخاب البرلمان الجديد رئيس الجمهورية.

قوى «14 آذار» عارضت مشروع عون ووضعت عربات القطار وفق ترتيب يبدأ بتوسيع الحكومة مع الاحتفاط بالغالبية (رفض الثلث المعطل) ثم انتخاب رئيس للجمهورية وتعديل قانون الانتخابات وأخيراً إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

هناك هدايا كثيرة غير هدية بري. والاختلاف بين هدايا العيد كبير وخصوصاً بين خطة حكومة السنيورة وقوى «14 آذار» وبين مشروع الجنرال وقوى «8 آذار». فكل طرف يضع عربات القطار بأسلوب يتوافق مع مصالحه. الجنرال يريد «رئاسة الجمهورية» وهذا لا يحصل اذا انتخب البرلمان الحالي الرئيس الجديد لذلك يراهن على إجراء انتخابات نيابية قبل حلول موعد انتخابات الرئاسة في سبتمبر/ أيلول المقبل. ويبدو أن الجنرال يتوقع ان تختلف التوازنات النيابية في حال جرت الانتخابات على قاعدة قانون جديد وبالتالي يضمن لنفسه رئاسة يطمح إليها منذ وقت.

قوى «14 آذار» تقرأ الأمور من زاوية مختلفة ولذلك رتبت عربات القطار ضمن جدول زمني يضع انتخاب الرئيس قبل تعديل قانون الانتخابات وإجراء دورة برلمانية جديدة.

هناك صعوبة اذاً للتوافق على الخطتين وهذا ما حاول بري التوفيق بينهما حين طرح فكرة الجمع بين الموضوعين معتبراً أن تعديل الحكومة يرتبط بتغيير رئاسة الجمهورية. المسألة كما تبدو تزداد صعوبة ويرجح ألا تتوصل الأطراف، التي يتوقع أن تجتمع الاثنين المقبل بناء على دعوة بري، إلى برنامج أولويات يضمن مصالح الجميع. فالمدة التي اقترحها بري لا تتجاوز 15 يوماً وهي غير كافية لإقناع الأطراف بضرورة تغليب الرئاسة على البرلمان والحكومة أو تغليب البرلمان والحكومة على انتخاب رئيس جديد لجمهورية عاثرة الحظ

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1511 - الأربعاء 25 أكتوبر 2006م الموافق 02 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً